مرة أخرى يخرج الإرهابي التائب، ليقلب مواجع الجزائريين، وهذه المرة يصعّد من لهجته اتجاه رئيس الجمهورية، متحديا إياه بكلام مسموم، طالبا منه أن يصحح موقفه. وقال فإن صححه ”اللهم نعم” وإن لم يصححه فإنه سيسمعه كلاما لم يسمعه له أحد من قبل! أما موقف رئيس الجمهورية الذي يتحدث عنه سفاح جيجل، فهو المتعلق برفض اعتماد الحزب الذي أعلن مزراق منذ أسابيع عن تأسيسه، وهو ما لا يتوافق مع ميثاق السلم والمصالحة الذي ينص على منع الإرهابيين التائبين ممن تورطوا في الأزمة الأمنية من ممارسة السياسة. لم تكن خرجة مدني مزراق هذه مفاجأة، بل كانت متوقعة في هذا الظرف بالذات الذي تمر به البلاد والمتسم بالضبابية في الساحة السياسية، وأيضا بسبب ما تروج له الإشاعة بأن مؤسسة المخابرات قد تم إضعافها بعد ”إقالة” مدير المخابرات العنصر القوي في هذه المؤسسة. فماذا سيكون موقف رئاسة الجمهورية من هذا التهديد؟ وهل ستأخذه مأخذ الجد؟ فالرجل تحدى الرئيس وكل من يقف خلفه، وليست المرة الأولى التي يتحدى فيها الرئيس، وليست المرة الأولى التي يذكر فيها الجزائريين بحقيقة هذا ”التائب”، فهو على الأقل لم يكذب على أحد، وكان دائما وفيا لتاريخه الإجرامي قولا وفعلا؟ هل سيرضخ الرئيس ومعه مدير ديوانه وأيضا الوزير الأول، وكلهم تداولوا على التصريحات وقالوا إنه لن يمنح حزب مدني مزراق الاعتماد، ويتراجعون عن موقفهم ويدوسون على ميثاق المصالحة، ويضفون الشرعية على ما يقوم به مزراق، ويعود الفيس في حلة جديدة من النافذة، بعدما هزمه الجزائريون في ساحة المعركة، وأجبروا مزراق على توقيع الهدنة والقبول بالمصالحة؟! لا يهم ما سيكون عليه رد الجهات الرسمية من هذا التهديد الصريح، لكن من الذي يحرك مزراق، ولمصلحة من الدفع بالوضع إلى التعفن، لأن خرجة مزراق مثل تصريحات الجنرال بن حديد وكل الصراع الدائر بين وزير الصناعة ورجل الأعمال ربراب وأيضا رئيس فوروم رجال الأعمال، كلها سيناريوهات لتحريك الساحة في الجزائر، ليس لإيجاد مخرج آمن للبلاد مما يهددها من أزمة اقتصادية وربما أيضا سياسية بحكم مرض الرئيس، وإنما لتعفين الأوضاع، وكأن التغيير في الجزائر لا يمر إلا بإدخال البلاد في نفق المجهول؟! إنه اللعب بالنار، والنار هذه المرة ستأكل الأخضر واليابس، وهذه المرة لن يكون هناك من ”الرجال الواقفين” من سيتصدى لها، بعدما ذهبت تضحياتهم سدى، وبعد ما عوقب ضحايا الأزمة وتمت مجازاة مزراق ومن معه بالمشاريع والأموال. الرئيس اليوم مطالب باتخاذ موقف صريح وجاد من هذا الرجل ومن معه، وإلا فلم يعد هناك معنى للمصالحة التي يبدو جليا من تصريحات مزراق أنه مستعد للدوس عليها لإدخال الجزائر في متاهات جديدة ستكون أصعب وأخطر مما عشناه خلال عشرية الدم.