ألم نقل أنهم ليسوا تائبين؟ بل يرفضون أن نطلق عليهم هذا المصطلح الذي ضحكنا به على أنفسنا. بل يرون أنهم أصحاب حق وأنهم الأقوى وأننا نخاف منهم ونلبي لهم رغباتهم وإلا فسيرفعون في وجوهنا السلاح من جديد. لم يعد هناك مجال للمزيد من الكذب على الجزائريين، وعلى أهالي ضحايا المأساة والإرهاب الذين فرضنا عليهم قبول المصالحة لوقف حمام الدم. كم هم أتباع الإرهابي ”التائب” الذي يتحدى السلطة وميثاق المصالحة ويريد ليّ ذراع الجميع وأعلن عن إنشاء حزب سياسي؟ كم عدد المدججين بسلاح حربي مثل هؤلاء الستة إرهابيين الذين ألقت عليهم مصالح الدرك الوطني القبض في ولاية جيجل؟ وهل حقا سلمت جماعة الأيياس كل سلاحها عندما نزل عناصرها من الجبال بعد اتفاق المصالحة؟ هكذا نفهم أحسن تهديدات مزراق الذي عقد جامعة صيفية في الغرب وتجمعا مع آلاف الإرهابيين في جيجل لإعلان تأسيس حزبه، هكذا نفهمها عندما يقول أنه سينشئ الحزب رغما عن الجميع، فهو إذا يتكئ على سلاح حربي يهدد به الجزائريين ويجبر السلطة على قبول شروطه والدوس على ميثاق المصالحة الذي وعدت من خلاله الجزائريين أن كل يد ملطخة بالدم لا يمكن أن تمارس نضالا سياسيا. مجرد إلقاء القبض على هؤلاء الإرهابيين الستة الذين يحضّرون للعودة إلى العنف للسطو على الحكم، فيه تحد للسلطة، ولشخص سلال الذي قال الأسبوع الماضي إن مزراق لن يشكل حزبا وإن القانون يمنعه من ذلك، مع أن سلال كان متناقضا مع ما جرى ويجري في الواقع. فكيف يقول إن مزراق لن يمارس السياسة بحكم القانون، بينما الرجل يستقبل في قصر المرادية وتنقل وسائل الإعلام صوره مع مدير ديوان رئيس الجمهورية، أثناء المشاورات حول الدستور، فإن لم يكن هذا حدثا سياسيا، فماذا سيسميه سلال؟ هذا الحدث الذي طعن شخصية مثل أويحيى في الظهر وهو الذي صال وجال في حربه على الإرهاب وألصقت به تسمية الاستئصالي، يمرغ في التراب من خلال جلوسه جنبا إلى جنب مع ”ذباح”. متى نعترف بأن السياسات الترقيعية في حل الأزمة آتت أكلها، وأن المشاريع التي كافأوا بها الإرهابيين لإعادة إدماجهم في المجتمع مثلما يدعون، ما هي إلا فرص للإرهابيين لإعادة تسليح أنفسهم وبناء شبكات جديدة استعدادا للعودة من جديد للعنف، والدليل ما أظهرته التحقيقات مع أتباع مدني مزراق الستة الذين قدموا أول أمس أمام وكيل الجمهورية بمحكمة الطاهير وتهمتهم إنشاء خلية دعم وإسناد الإرهابيين، يعني يسندونهم من أموال المشاريع التي سهلت لهم الدولة الحصول عليها وحرمت منها المواطنين الذين ضحوا بأنفسهم وبأبنائهم وكافحوا الإرهاب! ما نفع الحرب على الإرهاب التي تواصلها قوات الأمن إذا كانت سياسة المصالحة لم تسمح لهم بإعادة تشكيل قوتهم وتمنح لهم الإمكانيات للتسلح وترميم شبكاتهم. المصالحة كانت فرصة لهم لأخذ قسط من الراحة بعد الضربات الموجعة التي وجهتها لهم قوات الأمن سنوات التسعينات، وما كانوا ليقبلوا بها لو لم تكن خطتهم استغلال ما توفره لهم من مال وراحة وسلاح للعودة من جديد إلى مشروعهم الإجرامي. كل يوم نكتشف أن المسرحية صارت سمجة، وصار لزاما على الجزائريين اتخاذ الحيطة لكي لا يضحك عليهم مرة أخرى!