ككل سنة، وعلى غرار باقي الدول الإسلامية الأخرى، يحتفل الجزائريون بذكرى المولد النبوي الشريف بكثير من العادات والطقوس المتوارثة عبر الأجيال. غير أن البعض أصبح يغتنم هذه المناسبة لممارسة بعض البدع التي باتت تغزو أغلب البيوت وتتسبب في الكثير من الحوادث المميتة. نحن بصدد الحديث عن المفرقعات، التي أسالت الكثير من الحبر وأثارت كظاهرة سلبية اهتمام العديد من المختصين، الذين ينادون في كل مناسبة إلى ضرورة وضع حد لهذه الألعاب النارية الخطيرة التي تتسبب سنويا في اكتظاظ المصحات الطبية بحالات حروق خطيرة تصل إلى حد الوفاة. وبالرغم من تصنيف هذه المفرقعات في قائمة المواد الممنوعة من الاستيراد، غير أن الكميات الكبيرة التي تفجر كل سنة خلال المولد النبوي ناهيك عن تلك التي باتت ديكورا أساسيا في كل الأعراس والمناسبات، تدل على عكس ذلك. وهذه السنة وكغيرها من السنوات الماضية غزت الأسواق الجزائرية أنواعا جديدة من هذه الألعاب الخطيرة، والتي اصطلح عليها الشباب الجزائري أسماء خاصة على غرار ”تي آن تي”، ”شيطانة”، ”داعش” وغيرها.. لتبقى ”البغدادي” أخطر هذه الأنواع وأكثرها فرقعة. ورغم اختلاف أشكالها وأنواعها، فإنها تشترك في الخطورة مهمها كانت درجتها. وحتى لو كانت هذه المفرقعة مصنعة يدويا بطرق بسيطة ابتكرها بعض الشبان، إلا أن هذه الكميات الهائلة من المتفجرات كفيلة بإحياء ليال صاخبة بدوي الانفجارات من جهة، ودوي آخر لسيارات الإسعاف التي تتسارع ليلة كل مولد نبوي لنقل المصابين إلى أقرب مستشفى يمكنه مداواة تشوهات وحرائق هي في الغالب خطيرة ولا علاج لها. تجاوزات خطيرة سبقت ذكرى المولد النبوي قبل حلول المولد النبوي يتهافت شبان وأطفال على طاولات بيع الألعاب النارية والمفرقعات لاقتناء ما استطاعوا منها تحضيرا لليلة المولد التي عُرفت باستهلاك هذه المواد الخطيرة، غير أن هذه السنة وكغيرها من باقي السنوات استعجل الكثيرون فرقعة ألعابهم النارية قبل أوانها.. وكم هي كثيرة الحوادث التي تسبب بها هؤلاء وما أخطر أغلبها، فيكفي زيارة إحدى مصالح الاستعجالات بمستشفى واحد لأخذ فكرة عن الموضوع. فخلال بحثنا في الموضوع قابلتنا حالة وفاة مأساوية لميكانيكي بحي عين النعجة بداية هذا الأسبوع، والذي راح ضحية طيش طفلين قاموا بحرقه بمفرقعات بينما كان منهمكا في تصليح سيارة وقد فتح خزان الوقود الخاص بها، ما تسبب في اشتعال نار ضارية تسببت له في حروق خطيرة انتهت بوفاته قبل وصوله إلى المستشفى. مأساة أخرى عاشتها عائلة بوناب القاطنة ببلدية رايس حميدو، والتي تعرض ابنها الرضيع هيثم الذي لم يتجاوز سنه التسعة أشهر، لحريق في يده أدى إلى بتر أصابعه كلها، بعد أن أصابه أخوه بشظايا نارية لأحد الأنواع الخطيرة من المفرقعات، ما حول حياة العائلة إلى جحيم قبل حلول المولد النبوي بأيام قليلة، وقصص آخرى كثيرة ترويها أروقة المستشفيات وقاعات العلاج، وفي كثير من الأحيان عاهات مستديمة وتشوهات لا تمحوها السنين والأعوام. مصلحة باستور تستقبل مئات الحالات من حروق الأطفال تقوم مصالح الاستعجالات في العادة بتحويل الصغار الذين يعتبرون أكثر الفئات تعرضا لحروق متفاوتة الخطورة مع حلول المولد النبوي، إلى مصحة باستور المتخصصة بعلاج هذه الأنواع من الإصابات، حيث تشهد هذه العيادة سنويا توافدا لمئات الحالات التي عجزت الجهات الأخرى عن علاجها. في سياق متصل تقول الدكتورة مريم بهلول، المختصة في علاج حروق الأطفال، إن فريقا صحيا اعتاد على هذه الأنواع من الحروق منذ سنة 2009 تاريخ إنشاء المصحة، وتضيف محدثتنا في السياق ذاته قائلة:”تتوافد إلى مصلحتنا كل سنة للأسف أعداد مقلقة من الحالات التي تعرضت لحروق متفاوتة الخطورة نتيجة استعمال الألعاب النارية الجد خطيرة، ورغم كون 60 بالمائة منها حروقا من الدرجة الأولى التي لا تترك عادة آثارا في المستقبل، إلا أن 40 بالمائة المتبقية تكون لحالات جد مؤلمة لجروح عميقة تتطلب عمليات معقدة لزرع الجلد، وتكون معظمهما جد خطيرة لدرجة أنها تترك آثار جسدية وأخرى نفسية مدى الحياة”. ولأجل تفادي كل أنواع الخطر ركزت الدكتورة مريم بهلول، على ضرورة الوقاية وتجنب مسببات الإصابات التي تلقي بمسؤوليتها على عاتق الأولياء، وذلك بالامتثال لشروط السلامة اللازمة. وفي حال الإصابة بالحروق تنصح الدكتورة بعدم الارتباك وبضرورة الاحتكاك الفوري بالماء لتقليل الألم وتجنب المفاهيم الخاطئة كاستعمال معجون الأسنان، مثلا، الذي لا يساعد مطلقا على التئام الجروح. كما أكدت على ضرورة تعلّم طريقة التعامل الأولية مع الحروق بالنار، والتي تتلخص في ثلاث خطوات: التوقف في مكان واحد وتجنب الجري، الوقوع أرضا، والتدحرج للتقليص من مساحة الحريق على الجسم. من جهة أخرى ركزت الدكتورة على أهمية العلاج بصفة مستمرة وعدم ترك الأمور للوقت لتجنب استفحالها، مشيرة إلى أهمية تكوين الأطباء مهما كان اختصاصهم للتعامل مع المحروقين.