* قتل، تعذيب، وضرب يخلف عاهات مستديمة * حقوقيون: ”الصفح سبب تفاقم ظاهرة التعدي على الأصول” ”جرائم قتل، تعذيب، ضرب يصل إلى حد العاهة المستديمة”.. هي جرائم ترتكب في حق الوالدين في الآونة الأخيرة على يد أبنائهم وفلذات كبدهم. ورغم أننا في مجتمع مسلم مُلزم بطاعة الوالدين واحترامهم، إلا أن بعض الأبناء العاصين والمنحرفين تخطوا كل الحدود ليصلوا إلى حدود العصيان والضرب وحتى القتل.. هذه الجرائم التي يذهب ضحيتها أولياءهم باسم الجشع تارة، وأحيانا لا توجد أسباب وجيهة لارتكابهم لهذه الجرائم البشعة. وقد خص الله عز وجل في كتابه الكريم مكانة كبيرة للوالدين بقوله ”ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما”، وزاد أحسن الخلق فأكد على هذه المكانة من خلال حديثه ”الجنة تحت أقدام الأمهات”، وجعل بذلك طاعتها مفتاحا من مفاتيح الجنة. هذه المكانة التي باتت اليوم في مجتمعنا الجزائري تتراجع خطوة تلو الأخرى. كيف لا ومحاكمنا اليوم تعج بقضايا التعدي على الأصول لأبناء تفننوا في عصيان الأولياء وتعدوا من العصيان اللفظي إلى العنف الجسدي الذي يصل في بعض الحالات إلى جرائم القتل، والتي تنتهي في غالب الأحيان بعقوبات مخففة إثر اشتعال عاطفتي الأبوة والأمومة. كثيرة هي الحالات التي تطل على القضاة بصفة دورية، فما أن تحل عجوز أو شيخ على منصة المحاكمة تخيل للحضور أنها قضية تعدي على الأصول. يقتل والدته ويتخذ من دمها حبرا لوشم عبارة ”عاهرة”! جريمة قتل شنعاء اهتزت على وقعها شارع ديدوش مراد بالعاصمة عام 2005، لشاب تفنن في ارتكاب جناية قتل شنعاء في حق والدته، بعدما قام بطعنها بطريقة وحشية واستعمل دمها لكتابة عبارة ”عاهرة” في منتصف جسدها. هذه الواقعة التي تعود لتاريخ 4 سبتمبر 2005 حين رصد أحد سكان منطقة ديدوش مراد بأحد الشقق المقابلة له، جثة سيدة بالغة من العمر 53 سنة مر على قتلها ثلاثة أيام، بها آثار جريمة قتل شنعاء، حيث تم نقل الجثة إلى مستشفى مصطفى باشا، وأكد الطب الشرعي أن الوفاة نتجت عن رضوض بالجمجمة. وبعد فحص البصمات وقطرات الدم الموجودة بعين المكان تبين أنها خاصة بابنها، ليتم إحالته على محكمة الجنايات بالعاصمة بجناية قتل الأصول. وبالسماع إلى شهادة الشهود أكدوا أن الابن القاتل ترعرع بالشارع بين المراكز من وهران والدرارية، بالإضافة إلى تأكيدهم أنه إنسان غير طبيعي وشاذ جنسيا. وأكدت صديقة الضحية وجارتها المقربة أنها أيام قتل وفاته كانت خائفة من ابنها الذي أصبح يهددها بالقتل منذ زواجها الثاني.. ليتم إدانته ب20 سنة سجنا. شاب يحاول التعدي جنسيا على والدته وآخر يتعرى أمام والده!! لم تعلم أرملة حسناء في العقد الرابع من العمر أن جمالها الفتان سيغري كل المحيطين بها ويجعلها محل طمع كل المقربين منها، بمن فيهم فلذة كبدها التي ضحت بنفسها من أجله وقررت العيش دون الارتباط برجل آخر، لتجد نفسها في آخر المطاف تتعرض على يده لأخطر وأحقر أنواع العنف ضد المرأة بعدما حاول التعدي عليها جنسيا. هذه الواقعة التي راحت الضحية ترويها لقاض الجنح والدموع تذرف من عينيها من الخجل والخوف على مصير فلذة كبدها، حيث أكدت أن الواقعة تعود لأحد الأيام التي كانت فيها في زيارة لوالدتها وعند عودتها للمنزل وجدت ابنها في الحي رفقة رفقائه، فأخذت بيده إلى المنزل ولدى دخولهما انصرف الابن ناحية المطبخ في وقت توجهت لغرفتها، لتفاجئ بعد برهة من الزمن بالابن الذي كانت رائحة الخمر تفوح منه يقوم بتقييدها ويأمرها بممارسة الفاحشة. لتقوم من جهتها، بعد أن تمكنت من الفرار منه بالتوجه لمركز الأمن وتقييد الشكوى التي كيفت في بادئ الأمر كتهمة الضرب والاعتداء الجنسي على الأصول، قبل أن يتم إعادة تكييفها من قبل المحكمة كجنحة الضرب والجرح العمدي. شيخ آخر في العقد الثامن من العمر، عاش واقعة مشابهة بمحكمة الحراش، حيث لم يخيل له أنه سيتعرض في آخر سنوات عمره لموقف مشين ومهين على يد أقرب الناس له، عندما أقدم فلذة كبده على نزع سرواله أمامه وهو تحت تأثير المشروبات الكحولية. هذه الواقعة التي تعود - حسب ما صرح به الوالد لقاضي الجنح - لإحدى ليالي الصيف الفارط حين تقدم المتهم كعادته في ساعة متأخرة من الليل وهو في حالة سكر متقدمة، متلفظا بكلام خادش للحياء على مسمع زوجات أشقائه الذين لم يتحملوا فظاعة الموقف، ودخلوا معه في مشادات كلامية استدعت تدخل الوالد لفض النزاع، والذي لم يسلم هو الآخر من تصرفات الابن العاق الذي اعتبر تدخل الوالد انحيازا لباقي أشقائه فقام بتهديده ونزع سرواله أمامه مع إسماعه وابلا من العبارات الخادشة للحياء التي لم يسبق للوالد سماعها من قبل، ليجد نفسه مضطرا لوضع أمر الابن العاق أمام أيدي العدالة، التي من جهتها أودعت الإبن رهن الحبس المؤقت بعدما نسبت له تهمة التعدي على الأصول وأصدرت في حقه عقوبة الحبس. مغترب وطبيب جراح يهددان والدتهما بالحرق بسبب شقة!! هي حالة عاشتها محكمة بئرمرادرايس، لعجوز في العقد السابع من العمر تعرضت للتهديد بالحرق على يد فلذة كبدها الذي طالما انتظرت قدومه من أرض المهجر، وراحت تروي معاناتها لهيئة المحكمة والدموع تنهمر من عينيها وكأنها الجانية وليس المجني عليها، لتبرر سبب زجها لفلذة كبدها وراء القضبان وتتحرى في كل فرصة تبرير سبب تصرفه عسى أن يفرج عنه القاضي. هذا الإبن الذي قام يوم الواقعة بعد قدومه لجنازة والده، على إثر شجار جمعه مع باقي أشقائه حول تقسيم الإٍرث باحتجاز والدته بالمنزل ومحاولة حرقها وهي بالداخل لدى سعيها لتهدئته، لولا تدخل شقيقته التي أنقذتها من الموت المحتوم، لتجد الأم مركز الأمن وأروقة المحاكم الملاذ الوحيد لإنقاذ روحها من فلذة كبدها. قضية مشابهة عاشتها محكمة بئرمرادرايس خلال الصيف الفارط، كان بطلها طبيب عظام جراح اعتدى على والدته بالضرب وهددها بحرق المنزل بأنبوب غاز، بسبب نزاع حول ملكية الشقة مع أشقائه المغتربين. هذا النزاع الذي تعدى يوم الوقائع إلى والدته العجوز، أين قام الولد العاق بعد انصراف أشقائه من المنزل على إثر مناوشات كلامية جمعته معهم ولتدخلها لتهدئته، بدفعها أرضا وإسماعها كلاما فاحشا وعبارات نابية مع حمله لقارورة غاز هددها بحرق المنزل بها. لتقوم لخوفها من تنفيذه للأمر بالتوجه لمركز الأمن رفقة ابنتها وتقييد شكوى أمام مصالح القضاء، التي من جهتها أوقفته وأودعته رهن الحبس المؤقت إلى حين أن أفرج عنه من قبل قاضي الجنح بعد استفادته من عقوبة موقوفة النفاذ نتيجة صفح والدته عنه، حيث حرصت في جلسة المحاكمة على تبرير تصرف ولدها العاق لدرجة تخيل للحضور أنها المتهمة والجانية وليس المجني عليها. زوجة تدس الزجاج في أكل والدتها وآخر يخنق والدته ويجرها من شعرها! على الرغم من خطورة الوقائع التي سبق لنا سردها، فإن هناك وقائع اعتداء لا تقل خطورة عن تلك، ليس بالنظر للواقعة في حد ذاتها بل بالنظر للجريمة التي يمكن أن تتطور من جريمة اعتداء بسيط إلى قتل أواعتداء جنسي. قضية اعتداء غريبة اهتزت عليها محكمة بئرمرادرايس، لسيدة متزوجة كانت تقوم بدون أي سبب يذكر بدس قطع الزجاج في أكل والدتها. هذه الأخيرة التي مثلت أمام هيئة المحكمة والحزن يكاد يمحو كافة ملامح وجهها لتروي معاناتها مع فلذة كبدها التي أكدت أنها كانت تتفنن في إهانتها دون أي سبب يذكر، حيث كانت تمزق ملابسها على حبل الغسيل، وتضربها بعصا على مستوى أصابعها ، والأكثر من هذا تدس قطعا زجاجية في الأكل الذي تتظاهر بأنها حضرته لها. حالة أخرى عاشتها نفس المحكمة لعجوز تبلغ 85 سنة، قامت بتقييد شكوى اعتداء ضد فلذة كبدها السكير الذي فاق عمره 50 سنة، قام يوم الوقائع بالدخول في ساعة متأخرة للمنزل، أين تفاجأ بوالدته تؤدي صلاة قيام الليل، ولدى عدم ردها على ندائه لها قام بدفعها أرضا وجرها من شعرها عبر كافة رواق المنزل بطريقة وحشية دون أدنى شفقة، لتتوجه بعدها إلى مصالح الأمن أين رفعت شكوى ضده بعدما كاد يتسبب في قتلها بسبب حالتها الصحية. ليتم توقيفه وإحالته على العدالة بتهمة التعدي على الأصول. وخلال جلسة المحاكمة، أنكر المتهم الجرم المنسوب إليه جملة وتفصيلا، مصرحا أنه يوم الواقعة قام بمسك والدته من يدها فقط وأن هذه الأخيرة خافت منه كونه كان في حالة متقدمة من السكر..!.
حقوقيون: ”الصفح سبب تفاقم ظاهرة التعدي على الأصول” أجمع الحقوقيون على ارتفاع حجم قضايا التعدي الأصول بمحاكم الجزائر بطريقة مخيفة مقارنة بالسنوات الماضية، حيث كانت قلّ ما تشهد المحكمة هذا النوع من القضايا على الرغم من أن القانون الجزائري قد خص هذا النوع من القضايا بعقوبات خطيرة قد تصل في بعض الحالات لعقوبة الإعدام والمؤبد، معتبرا بذلك الجريمة التي تمس أحد الأصول من الظروف المشددة سواء كان العنف الممارس ضد الأولياء عنفا لفظيا أو جسديا، حيث تنص المادة 267 من قانون العقوبات الجزائري أن أي عنف يؤدي إلى جرح أحد الوالدين يستلزم عقوبة بين 5 إلى 10 سنوات حبسا دون حدوث أي عاهة مستديمة، وفي حال حدوثها تتضاعف العقوبة إلى 20 سنة سجنا، وقد تصل للمؤبد والإعدام في حالة أن تكون الجريمة مع سبق الإصرار و الترصد. وعن سبب ارتفاع حجمها مقارنة بالسنوات الماضية، فقد أكد الحقوقيون أنه يعود لارتفاع جرائم موازية من استهلاك المخدرات وغيرها من الظواهر الجنسية الدخيلة على مجتمعنا، ليشيروا أن حجم القضايا الذي تحتضنه المحكمة لا يمكن أن يقارن بتاتا مع الحجم الحقيقي للعنف الجسدي الممارس ضد الأولياء في المجتمع، نتيجة تحفظ الأولياء عن تقديم شكاوى لاعتبارات عديدة، على رأسها التخوف من نظرة المجتمع من الشخص الذي يزج ابنه في الحبس، دون الأخذ بعين الاعتبار الشكاوى التي تنتهي في أولها لصفح الأولياء.. هذا الصفح الذي اعتبره العديد من الحقوقيين السبب المباشر لعدم فعالية تطبيق القانون في هذا النوع من الجرائم، والذي طلب عدد منهم تطبيق القانون ولو بصفح الضحية لوضع حد نهائي لهذا النوع من القضايا الذي ينتهي غالبا بعقوبة موقوفة النفاذ أوعقوبة مخففة لا تتناسب بتاتا مع حجم الجريمة وخطورتها.