عظّم الخالق عز وجل في كتابه الكريم قيمة النفس البشرية وخصها بمكانة كبيرة، وساوى بين روح شخص فقير وآخر غني كما ساوى بين العربي أو الأجنبي، غير أن واقعنا اليوم لا يعكس بتاتا هذه القيمة التي تراجعت في الآونة الأخيرة بطريقة مخيفة وملفتة للانتباه، كيف لا وقضايا القتل العمدي باتت تتصدر معظم القضايا الجنائية، وأحداث القتل تتصدر عناوين الجرائد لجرائم تقشعر منها الأبدان على الطريقة الهوليوودية، والتي لا تتناسب بتاتا مع الدوافع التي تكون وراء هذه الجرائم البشعة والتي تكون في معظم الحالات أسباب تافهة. كثيرة هي الحالات التي تطل على محاكمنا لقضايا القتل العمدي بصفة دورية، فلا تخلو جلسة جنائية إلا وتكون قضية قتل من بينها هذه القضايا التي تعكس لنا واقع مجتمعنا المرير الذي طغت عليه معظم أشكال العنف الجسدي، والتي لا يسعنا سوى تسليط الضوء على جزء صغير منها. كهل يزهق روح زوجته وآخر يقتل صديقه بسبب شكوك!! جريمة قتل بشعة احتضنتها محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة الشهر الفارط، أثارت استغراب وفضول كافة الحضور بجلسة المحاكمة، لسائق بوزارة التضامن قام بذبح زوجته وهي موظفة ببلدية القبة من الوريد للوريد بسكين بطول 20 سم بعدما تهيأ له من خلال مكالمة هاتفية جمعتها مع زميل لها في العمل أنها تخونه. أطوار هذه الجريمة تعود لليلة عاشوراء من عام 2011، حين تقدم لمصالح الشرطة للجزائر الوسطى في ساعة متأخرة سائق بوزارة التضامن للتبليغ عن إقدامه على ذبح زوجته، وهي مهندسة ببلدية القبة، من الوريد للوريد، أين تنقلت ذات المصالح إلى بيت الزوجية الكائن بالقبة ورصدت الضحية وهي ملقاة أرضا بغرفة نومها عائمة في بركة دماء وآثار الضرب بادية عليها، بما فيها آثار الذبح التي كانت من الوريد للوريد بعدما لفظت آخر أنفاسها، حيث اعترف الزوج بالجريمة التي ارتكبها في حق زوجته، والتي كانت بدافع الخيانة الزوجية، بعدما تهيأ له من خلال سماعه لها تحدث رجل في ساعة متأخرة من الليل، حيث قام يوم الواقعة بشراء سكين بطول 20 سم ووضعه تحت فراش الزوجية، ولدى مغادرتها لغرفة النوم ليلا لإجراء مكالمة هاتفية قام بالتهجم عليها بعدما غير ملابسه، وذبحها وتركها ملقاة هناك، وتوجه مباشرة للتبليغ عن نفسه.. وهي الواقعة التي نفتها شقيقة الضحية وأكدت أن الزوج كان شديد الشكوك بزوجته المرحومة، حيث كان يبرر أي تصرف يصدر منها بأنه خيانة، وهو الدافع الذي حمله على ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء. واقعة أخرى مشابهة كان مسرحها المعهد الوطني للفلاحة بوادي السمار في العاصمة، لشاب يبلغ من العمر 20 سنة، أزهق روح كهل بعدما تهيأ له بأنه سيعتدي عليه جنسيا وهو تحت تأثير المشروبات الكحولية. هذه الحادثة التي كانت بدايتها جلسة سمر ونهايتها جريمة قتل شنعاء، تعود مجرياتها لمنتصف شهر مارس من عام 2014، بعدما تم العثور على جثة مشوهة على مستوى الجمجمة وملقاة بإحدى مزارع المعهد الوطني للزراعة المسماة ”الزرعة” بالمكان الجميل بوادي السمار. وبفتح التحريات تم اكتشاف أن الفاعل هو شاب يبلغ من العمر 20 سنة، قام بعد جلسة سمر جمعته مع الضحية ونتيجة تأثير المشروبات الكحولية بضرب الضحية على مستوى الرأس باستعمال حجر من الحجم الكبير، بعدما تهيأ له أنه سيعتدي عليه جنسيا، حيث اعترف بمواجهته لقاضي الجنايات بالفعلة التي ارتكبها في حق الضحية، مؤكدا أنه قام فعلا بقتل الضحية أثناء جلسة خمر جمعتهما معا، أين كانا بصدد تناول عدد من قارورات الخمر وتعاطي الحبوب المهلوسة التي أفقدتهما الوعي، وجعلته يفسر تصرفات الضحية الذي راح يمزاحه آنذاك بأنه يحاول التودد له لإقامة علاقة جنسية معه، أين قام بحمل حجر كان ملقى بالقرب منه وضربه به على مستوى الرأس بعدما باءت محاولته في خنقه بالفشل.. جزار يهشم رأس مربي مواشي ويخفي جثته بمزبلة عمومية! واقعة قتل شنعاء عاشتها محكمة الجنايات بمجلس قضاء العاصمة، لجزار ينحدر من برج الكيفان، قام بتهشيم رأس مربي مواشي ينحدر من ولاية عين الدفلى بآلة فرم اللحم داخل محله الكائن بمنطقة الحراش، ثم تخلص من جثته بمزبلة الحراش، بعدما جمدها بالكامل في ثلاجة حفظ اللحوم والمواشي، على خلفية دين بقيمة 68 مليون سنتيم. هذه القضية التي تعود لبلاغ تلقته مصالح الضبطية القضائية للعاصمة من عمال التنظيف لبلدية الحراش بتاريخ 20 سبتمبر 2011، حول عثورهم أثناء تنظيف أحد الأحياء بمنطقة الحراش على جثة متعفنة مخبأة داخل كيس بلاستكي ضخم، لتتنقل ذات المصالح إلى عين المكان لمعاينة الجريمة لاكتشاف هوية الضحية، والمتعلقة بمربي مواشي ينحدر من ولاية عين الدفلى كان قد اختفى في ظروف غامضة ولم تتمكن عائلته رغم كافة مساعيها من العثور عليه، ليتم بذلك الاستماع في إطار التحريات المكثفة التي بوشرت في القضية إلى عدد من الشهود من أصدقاء الضحية وعائلته الذين كشفوا عن هوية الفاعل، وهو جزار المدعو (ح. خلاف) الذي كان يربطه بالضحية دين بقيمة 68 مليون سنتيم، والذي كان هو سبب الجريمة التي تأكدت في حق هذا الأخير، بعدما تم العثور بمنزله على هاتف نقال الضحية ومبلغ مالي وشريط لاصق ملطخ بالدماء وكذا سكين من الحجم الكبير.. ليعترف بمواجهته لقاضي الجنايات بما نسب له من جرم، وتسلط عليه المحكمة عقوبة الإعدام. شاب يقتل شقيقه بسبب رائحة قدميه وآخر من أجل حزام سروال!! لم تقتصر قضايا القتل البشعة على الغرباء فقط، بل امتدت حتى للأشقاء الذين لم تشكل لهم صلة القرابة أي فارق، وراحوا يرتكبون هذه الجرائم بكل برودة من أجل أسباب أقل ما يقال عنها تافهة. ومن أهم هذه الجرائم جريمة قتل اهتز على وقع غرابتها سكان برج الكيفان في جانفي من سنة 2010، أين قام نادل بمقهى بوضع حد لحياة شقيقه الأكبر بسبب شجار بينهما، خلفيته رائحة قدمي الضحية. هذه الواقعة التي كانت بدايتها مجرد مناوشات كلامية تطورت إلى عراك وبعدها إلى جريمة قتل، قام خلالها الجاني بتوجيه ضربة بمطرقة على مستوى رأس شقيقه أوقعته جثة هامدة داخل بيت العائلة، ليتم فتح تحقيق من قبل عناصر الأمن في القضية أين اعترف المتهم بالجرم. وأكد المتهم أنه بتاريخ الوقائع دخل شقيقه الذي كان مغتربا بإسبانيا إلى غرفة النوم التي كان متواجدا فيها وأزعجته رائحة قدميه، فقام بفتح النافذة، إلا أن الضحية انزعج من الأمر ودخل في شجار معه تحول إلى اشتباك بالأيدي، ما جعل المتهم يوجه له ضربة بمطرقة، ما تسبب في كسر جمجمة الضحية. لتقضي عليه محكمة الجنايات بعقوبة السجن المؤبد بعدما ثبتت سلامته من الناحية العقلية. من جهة أخرى، أقدم شاب في العشرين من العمر على قتل شقيقه الأكبر الذي يكبره بسنتين فقط، بثلاث طعنات بواسطة خنجر وجهها له في الصدر والقلب بسبب شجار نشب بينهما حول حزام سروال ببئرخادم.. هي الواقعة التي جرت منذ حوالي 3 سنوات عندما شب خلاف بين المتهم وشقيقه الأكبر صاحب ال 22 ربيعا، الذي استيقظ صباحا من أجل الخروج، أين توجه لغرفة شقيقه الضحية من أجل البحث عن حزام سرواله ولم يعثر عليه، فتوجه إلى المطبخ وسأل والدته عنه لتخبره أن شقيقه استعمله، ومن أجل هذا دخل في مناوشات كلامية مع أمه ثم توجه إلى غرفة شقيقه وتشاجر معه، وفي لحظة غضب توجه إلى المطبخ وأخذ سكينا من الدرج ووجه له ثلاث طعنات أردته قتيلا وهو في طريقه إلى المستشفى متأثرا بنزيف داخلي حاد على مستوى القلب. وبعد أن ألقت مصالح الأمن القبض على المتهم حوكم بتهمة القتل العمدي، ليكون مصيره في الأخير الحبس لمدة 12 عاما. ورقة 200 دج تنهي العلاقة بين صديقين! هذه الجريمة وقعت بحي النخيل بباش جراح في العاصمة، الضحية فيها شاب يبلغ من العمر 20 سنة، أُزهقت روحه على يد صديقه الذي طالبه بإعادة المبلغ الذي أقرضه إياه، والذي لا يتعدى 200 دج، وبعد أن رفض الضحية إرجاع المبلغ تشاجر الصديقان، ليقوم المتهم بإخراج سكين وطعن الضحية بطعنة عنيفة أردته قتيلا في عين المكان. أخصائيون قانونيون:”المهلوسات أفقدت الناس عقولهم” إن كانت جرائم القتل في الماضي مرتبطة بقضايا الميراث والثأر والنزاع حول قطع الأرض والممتلكات أولإعادة الاعتبار لشرف العائلة، فهي في أيامنا هذه صارت متعلقة بأسباب تافهة، كدين أو نظرة استفزارية أو حتى اختلاف وجهات النظر في نقاش معين قد يتحول إلى شجار ينتهي بإزهاق الأرواح. وما زاد الطين بلة هو كثرة تناول المشروبات الكحولية والأقراص المهلوسة التي أفقدت الناس عقولهم وكانت وراء ارتكابهم لجرائم شنيعة. في السياق، أكد لنا أخصائيون قانونيون ارتفاع نسبة الجريمة في الجزائر، وبالأخص جرائم القتل العمدي التي تكون خلفيتها أسباب تافهة، فباتت اليوم تتصدر القضايا الجنائية على الرغم من العقوبات المشددة التي فرضها القانون الجزائري، والتي تصل لأكبر العقوبات وهي الإعدام، والتي لم تعد تشكل رادعا عن ارتكابها. هذه الجريمة التي أكدوا لنا بخصوصها بأن معظمها تقوم على أسباب تافهة في غالب الأحيان، والتي تكون أغلبها ناتجة عن لحظة غضب تجتاح الجاني وتدفعه لارتكابها دون وعي منه أن هذه اللحظة سيدفع ثمنها بسنوات عديدة يقضيها وراء قضبان السجن..