فاجأ المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب الرأي العام الاميركي وانصار تياره السياسي المحافظ باستدعاء ملف غزو العراق لشن هجوم على الرئيس الجمهوري السابق جورج بوش الابن، واتهامه بالكذب لارتكاب خطأ فادح بهذا الغزو. كلام المرشح ترامب الذي اعتاد الأميركيون على صراحته، أشعل مناظرة للمرشحين الجمهوريين في ساوث كارولينا نهاية الأسبوع الماضي، بحضور جيب بوش، الشقيق الأصغر في العائلة السياسية الطامح الى خلافة والده وشقيقه في البيت الأبيض، ولا تبدو حظوظه قريبة من تحقيق تطلعاته. لم يأتِ هجوم ترامب خارج سياق المعركة السياسية، بل هو أمر كان مقدراً أن يحصل في أي وقت، ذلك أن أسهل وسيلة لمهاجمة جيب بوش هي الإشارة الى سجل أخيه في افغانستان وبعدها العراق. وطبيعي أن خصوم بوش داخل التيار الديموقراطي يأخذون عليه أنه ألحق أشد الضرر بحزبه، كما فعل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بكذبهما على الرأي العام في شأن ما سمي بأسلحة الدمار الشامل العراقية. وورط بوش الولاياتالمتحدة على الأثر بحرب كبدت الخزينة الأميركية تريليوني دولار وكادت ان تتسبب بانهيار اقتصادي في الولاياتالمتحدة، اضافة الى فقدان آلاف العسكريين الاميركيين والغربيين في حرب لم تؤد سوى الى مزيد من الأضرار بصورة الولاياتالمتحدة في العالم، ناهيك عن مصالحها وأمنها. وقال ترامب في المناظرة التي لم تخل من تبادل شتائم إن الولاياتالمتحدة مسؤولة عن الفوضى في الشرق الأوسط، وغزوها العراق ”خطأ فادح”. واتهم الثري الاميركي عائلة بوش بأنها أضرت بأمن الولاياتالمتحدة خلال فترة حكمها، قائلاً ان ”الرئيس السابق لم يتخذ الإجراءات الملائمة بعد أحداث 11 ايلول (سبتمبر) 2001، وما كان علينا أن نذهب للعراق، ولن يحدث ذلك أي تغيير في الأوضاع، حتى بعد 14سنة”. واضطر جيب الى تقديم رد هزيل معتبراً ان شقيقه الرئيس السابق ”حافظ على أمن الولاياتالمتحدة خلال حرب العراق”. كما استغلها جيب فرصة لانتقاد تصريحات أدلى بها ترامب نهاية العام الماضي، حول التعاون بين أميركا وروسيا فى سورية، قائلاً: ”من السفاهة الاعتقاد أن روسيا حليف إيجابي، فسبب الوجود الروسي في سورية ليس تنظيم داعش، بل ان الروس يهاجمون المجموعات السورية التي تدعمها الولاياتالمتحدة”. وعلى أي حال فإن لا فائدة يرتجيها جيب بوش من سجاله مع ترامب، فسليل عائلة الرؤساء الأميركيين، لا يشكل منافساً جدياً بتراجعه في الاستطلاعات الى آخر قائمة المرشحين المفضلين. لكن استحضار ترامب جورج بوش الابن ”ضيفاً مفاجئاً” على المناظرة، شكل بلا شك خطوة ذكية وفعالة، لضرب حال الفساد في التعاطي السياسي والتي أظهرت مكامن ضعف للولايات المتحدة جعلتها عرضة خصوصاً في الجانب الأمني، اذ لم يفت ترامب التساؤل عما اذا كان ما تعيشه البلاد يمكن ان يوصف بأنه حال أمن؟ والجواب بديهي. غير أن ترامب لم يحدد لنفسه هدف مقارعة إرث جورج بوش، بل ما خلفه ذلك الإرث تحديداً وشكل ابتعاداً لا مثيل له عن إرث ريغان الذي لا يزال ينظر اليه كثيرون على انه الرئيس الذي هزم الاتحاد السوفياتي في حين ينظر الى بوش الأب على انه الرئيس الذي أخفق في انتهاز فرصة سقوط الاتحاد السوفياتي، فكانت النتيجة بعد ذلك بسنوات عودة قوية لموسكو الى الساحة العالمية.