يكثر على شواطئ ولاية الجزائر العاصمة باعة متنقلون بسلعهم المختلفة بين طاولات المصطافين، والذين يتزايد عددهم مع كل موسم اصطياف، ناهيك عن مواقف السيارات التي يسيطر عليها شباب من تلقاء أنفسهم، ليرافقهم في المهمة أشخاص نصبوا أنفسهم وكلاء على الشواطئ. وهكذا فإن المواطن سوف لن ينعم بهدوء يومه إلا بدفع فاتورة بسبب الاحتيال. لم يعد قرار أي جهة رسمية ”حقيقة مؤكدة” لدى المواطنين، بعدما استسلمت الرقابة لأشخاص نغصوا موسم الاصطياف على الجزائريين، لتكون مدينة الجزائر العاصمة بؤرة الاستغلال الواضح والتجاوزات القانونية طيلة أيام السنة، والتي تتضح جليا من خلال ممارسات تجارية غير شرعية، يبرر أصحابها الأمر أنه استرزاق والظفر بمنصب عمل صعب في بلدنا، في حين أن بعضهم، وبشهادة أنفسهم، رفض تولي منصب عمل يكلفه بذل جهد فكري أو عضلي، مع المكوث في عمله طيلة ساعات النهار. جابت ”الفجر” عددا من شواطئ الجزائر العاصمة، والتي لاحظنا فيها اكتظاظا كبيرا للمصطافين، كما أنهم يتوافدون إلى غاية ساعات متأخرة من النهار، لكن الفوضى قائمة من نواح عديدة، فترتيب الطاولات متقارب جدا، كما أنها موجودة على طول الشاطئ، لتحرم عائلات تفضل جلب تجهيزاتها الخاصة والظفر بمكان معين، وهذا موجود على مستوى ”شاطئ النخيل” بزرالدة على سبيل المثال، الذي يفتقد للنظافة، فرمال الشاطئ تملؤها الحجارة التي قد تسبب جروحا على القدمين أثناء المشي عليها، كما أن مياه البحر ملوثة، والسبب في ذلك هو غياب مراحيض يلجأ إليها المصطافون، ليس هذا فحسب، فالخدمات أقل ما يقال عنها بشاطئ النخيل في زرالدة أنها ”كارثية”، حيث تغيب به مرشاة مياه الحنفية للغسل بعد السباحة في البحر، كما تغيب به غرف تبديل الملابس، ما يجعل المصطافين يغيرون ملابس سباحتهم أمام الملأ باستعمال منشفة كبيرة حتى لا تبدو عوراتهم. ويتحمل الوافدون إلى الشاطئ مهمة تنظيف الطاولات، كونها غير نظيفة لاستهتار محتكري الشواطئ في عملهم، ناهيك عن التصرفات غير الحضرية التي يسببها كثير من المواطنين، بعد أن يتركوا نفاياتهم عليها، إلى جانب غياب مكان مخصص لرمي النفايات، فبعض المصطافين يحملون نفاياتهم معهم في السيارة حتى لا يساهموا في تلويث المحيط. علما أن كل هذه الخدمات الهشة يدفع من أجلها المصطاف مبلغ 800 دج تكلفة طاولة محاطة بأربع كراسي وشمسية، مع تكلفة موقف السيارة ب 100 دج. باعة متنقلون يشكلون سوقا موازية على شواطئ الاصطياف ! يخلق الباعة المتجولون بين طاولات الكراسي منظر سوق موازية، حيث أنهم لا يملون ولا يكترثون للحرارة المرتفعة أثناء نشاطهم، ويعتمدون على مد صوتهم عاليا للإشهار ببضاعتهم. ورغم أننا تعودنا مشاهدتهم مع ولوج كل فصل صيف، إلا أن عددهم المتزايد أصبح واضحا، كما أن السلع المعروضة للبيع تتنوع كل سنة. ويقوم الشباب بالمهمة بواسطة تعليق لوح خشبي محدد الأطراف، ويتم تعليقه على الرقبة بواسطة حبل، حاملين معهم ما يتم صنعه من عجائن تقليدية في البيت، والمتمثلة خاصة في ”لمحاجب”، ”ليبينيي”، ”المطلوع”، ودعموا مؤخرا بضاعتهم بمأكولات مصنوعة بالعجينة المورقة، محلاة مختلفة، أيضا مشروبات غازية، مياه معدنية. ليتميز باعة الشاي بحيوية فائقة، حاملين معهم إبريقهم الأصفر، وعلى جنب كؤوس شاي بلاستيكية، وسلة مملوءة بورق النعناع. لتلقى كذلك ”الشيشة” طلبا من قبل البعض، وهي طريقة من طرق التدخين الشرقية، التي تعرفها مجتمعات الشرق الأوسط ودول الخليج، وهي ضرورية في مقاهيهم الشعبية، ومطاعم الهواء الطلق، لتجد ضالتها بالجزائر بفضاءات محدودة جدا، من بينها شواطئ بالجزائر العاصمة مثل ”شاطئ النخيل”، الذي يقوم فيه باعة بكراء ”الشيشة” للمصطافين. وهكذا، سوف يشعر المصطاف الذي حاول التخلص من تعب عمله طيلة أيام الأسبوع أنه في سوق ينشط تجارها بدون سجل تجاري، نظرا لغياب وصل في جميع عمليات الدفع التي يتعامل فيها المواطن مع القابضين. العطلة الصيفية في مهب الريح لدى أطفال العائلات المعوزة بغض النظر عن الشباب الذي ينشط للبيع على شاطئ البحر موسم الاصطياف، فإن فريقا آخر يشاركهم المهمة، كما أن العمل يتطلب قدرة جسدية تؤهل صاحبها على تحمل حرارة الجو، وغيرها من الصعوبات التي تواجهه. حيث أن بعضا من أطفال العائلات المعوزة القاطنة بالبيوت القصديرية أو الأحواش التي تقرب شواطئ البحر، تجبر أطفالها على العمل صيفا، لنلتقي في جولتنا بفتيات مراهقات حاملات ”مطلوع الدار” الذي صنعته الأم في ساعات مبكرة جدا من النهار، لتبدو على هؤلاء الأطفال ملامح البراءة والإرهاق، لعدم تحملهم مشقة هذا النوع من الأنشطة، كما أنهم لا يحسنون تقنيات البيع، فتراهم يقفون للبحث بأعينهم عن شخص يناديهم بإشارة منه ليبيعوا له شيئا. يزاول أغلب هؤلاء الأطفال دراستهم في المرحلة الإعدادية أو الثانوية، ما يعني أنهم لم يبلغوا العقد الثاني من عمرهم، وعند تقربنا من أحدهم للاستفسار عن السبب الذي جعلهم يشقون طريقهم باكرا نحو كسب المال، قالت ”سعاد” التي لا تتجاوز 15 سنة، أن جميع إخوتها يبيعون على الشاطئ، وكل واحد منهم يختار شاطئا معينا، وهي تبيع ”المطلوع” بشاطئ النخيل بزرالدة، وأن أختها الكبرى تعمل منظفة بأحد المطاعم التي تقرب الشاطئ، فهما تذهبان سويا إلى البيت آخر النهار. وتختلف الظروف الاجتماعية التي جعلت هؤلاء الأطفال يرمون بعطلتهم جانبا، ويعملون في سن مبكرة بسبب أن ولاة أمورهم لم يتحملوا مسؤولية رعيتهم.