بمجرد أن تنتهي السنة الدراسية وتحل العطلة الصيفية، حتى يزداد عدد الاطفال الذين يعملون في الاسواق والشوارع، والاكثر لفتًا للانتباه، أولئك الذين يجمعون القمامة بحثًا عن أشياء مفيدة فيها، حيث نجد عشرات الاطفال الذين يعملون بمهن مختلفة، فهناك من يبيع اكياسا ومن يدفع عربة صغيرة يستخدمها لنقل اغراض المتسوقين، وكذا من يعمل حمالًا أو أولئك الذي يبيعون قارورات الماء في تقاطعات الساحات العامة تحت لهيب الشمس الحارقة، وغيرهم ممن يمسحون زجاج السيارات مقابل مبلغ بسيط. حيث أصبح منظر الباعة المتجولون في الشواطئ من المظاهر اليومية التي تعود عليها المصطافون، أطفال ومراهقون من جميع الأعمار يحملون «قففا»، وعندما تسأل أحدهم عن هواياته وألعابه، لا تجد منه ردًا غير ابتسامة غامضة كأنه لا يعرف معنى كلمة هواية او العاب. أطفال لا ينعمون بالعطلة الصيفية «السياسي» خرجت إلى الشارع وسلّطت الضوء على حياة الاطفال الذين دفعتهم الظروف القاسية للخروج للعمل وإتباع سياسة البحث عن المال لمساعدة آبائهم لشراء الملابس أو الأدوات المدرسية، حيث اكد لنا فاروق صاحب ال11 سنة «أبيع اكياس البلاستيك واستفيد منها لأساعد اهلي، فأبي يعمل كاسبًا وما يحصل عليه لا يكفينا لذلك، انزل إلى السوق لأعمل يوميًا فيه، وما احصل عليه اعطيه لامي او تطلب مني شراء ما نحتاج اليه من السوق»، وأضاف: «يعجبني أن العب مع اصدقائي او أن استغل العطلة في اشياء مفيدة، لكنني لا استطيع لأن أهلي بحاجة إلى عملي»، فقد اختلفت الظاهرة كبيع الأكياس والنحاس والبطاريات والبيع على الأرصفة، هذه الظاهرة متجددة في كل عطلة، كما تبقى طبيعة الظروف الاجتماعية القاسية هي التي تدفع الأطفال إلى عالم الشغل في العطلة. يبيعون «البيني» والمياه على الشواطئ في شواطئ الجزائر، يوجد أطفال لا ينعمون بطعم العطلة الصيفية، لا يعرفون معنى الإستجمام ولا الراحة بعد سنة طويلة من الدراسة، يعملون منذ الصباح عبر الشواطئ ، يبيعون المرطبات، المياه، "المحاجب"، والشاي لكسب قوت العيش. إنه يوم رائع في شاطئ شينوة بتيبازة يغري الشخص للسباحة، أشعة الشمس توسطت كبد السماء، المصطافون يمرحون فوق رمال الشاطئ، المكان يعج بالمصطافين، ثمة أناس يلعبون بالكرات، وأطفال جاؤوا برفقة آبائهم إلى البحر للتسلية، وبعض أقرانهم جاؤوا مكرهين بحثا عن الرزق، التقينا بمسعود، الطفل الذي لم يتجاوز عمره العشر سنوات، يمشي بتثاقل وسط رمال شاطئ شينوة، وهو ماسك سلة في يده وضعت فيها بعناية علب السجائر وقطع شوكولاتة، كان مسعود يردد جملة حفظها عن ظهر قلب ويقول: "دخان، شيكولا بيني.."، يفعل ذلك غير مبدٍ أي إهتمام بأقرانه الذين يمرحون في الشاطئ، تقربنا منه، فقال لنا "أبيع السجائر والبيني لأتمكن من شراء احتياجاتي المدرسية للعام القادم، ولأساعد والدي في مصروف إخوتي، كل يوم أنزل إلى البحر قادما إليه من المنطقة"، وفي هذا الشاطئ، يوجد باعة المقبلات والمرطبات، وغالبية الباعة من الأطفال، يطوفون بين الناس وهم يعرضون حلوى «البيني»، صناديق وأكياس يعرضون فيها مختلف المنتوجات قصد بيعها وكسب القوت اليومي بدل الاستمتاع بالبحر أو السباحة كنظرائهم. إن الظروف المعيشية الصعبة التي تعيشها أسر هؤلاء الأطفال هي التي دفعت بهم للعمل في العطلة الصيفية، لمساعدة أسرهم على تحمل أعباء المعيشة وتوفير القوت اليومي، من خلال ساعات عمل متواصلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وإثر تجولنا في شاطئ «الجزائر شاطئ»، صادفنا عدة أطفال ومراهقين تتراوح أعمارهم بين 12 إلى 16 سنة، تبدو عليهم ملامح التعب والإرهاق وهم يحملون صناديق وأكياس تثقل كاهلهم، يمرون على المصطافين يهتفون بشتى عبارات البيع من أجل لفت انتباه الزبون «محاجب سخونين وحارين». إمتهنوا أيضا الوشم السريع و«التاتواج» وخلال هذه الجولة، وجدنا أطفالا آخرين كانوا يحملون نماذج من رسوم لعقارب ونسور ومجسمات أخرى للراغبين في طبع وشم سريع فوق أجسادهم، من الوشم السريع أو «التاتواج» وحين تقربنا منهم، أكدوا لنا بأنهم لازالوا يدرسون ويمتهنون مهنة لكسب القوت حيث يعملون في هذه الفترة لكي يشتروا الملابس والأدوات ويساعدوا أوليائهم. الشباب الصحراوي حاضر في الشواطئ لكسب الرزق إضافة إلى وجود الأطفال البائعين للمأكولات والسجائر، لاحظنا حضور الشاي الصحراوي بالنعناع والكاوكاو الذي لم يغب عن الشواطئ رغم حرارة الجو، مصطفى، وهو شاب قادم من بشار، أخذ يجوب الشاطئ حاملا معه إبريق الشاي الصحراوي الساخن وحزم النعناع الطازجة، وقد صرح لنا عن سبب قدومه هنا قائلا: «لقد جئت أنا وبعض أصدقائي إلى العاصمة سعيا وراء لقمة العيش، وقد جبنا العديد من الشواطئ كسيدي فرج وزرالدة وتيبازة، وقد استغلينا موسم الاصطياف لكثرة السياح الأجانب الذين يرتادون البحر لنعرفهم بالشاي الجزائري الأصيل ولكي نجني المال بالتأكيد، فكل واحد منا لديه أسرة وجب عليه إعالتها، وقد لجأنا إلى هذه المهنة عندما سدت جميع الأبواب في وجوهنا ولم نجد فرصة للعمل في مجال آخر». ..وتبقى العطلة حلما اختلفت اعمالهم لكن تجمعهم فكرة واحدة وهي العمل وكسب القوت، جمعهم الحرمان واخرجتهم الحاجة، في وقت يتواجد فيه اقرانهم على الشواطئ يتمتعون بالرمال الذهبية، لكن كل من إلتقينا بهم خلال جولتنا بالأسواق أو الشواطئ او في الساحات العمومية، إتفقوا على ان يكون لهم حلما واحدا ووحيد هو ان يقضوا عطلة كما يقضيها من هم في سنهم، هي أمنية ذكرتها لنا كريمة صاحبة التسع سنوات، إذ قالت «أتمنى ان اذهب إلى البحر وإلى الحدائق واقضي أيام العطلة هناك بدلا من بيع المطلوع».