بدا جليا اشتغال المخرجة تونس بن علي، على المسرح التجريبي في عرضها الذي شاهده جمهور مهرجان المسرح المحترف الأحد الماضي، باتكائها على قضايا جمالية وفلسفية عميقة، ليست في متناول الجمهور العادي، الذي لا يشد انتباهه وذائقته غير السكاتشات المبتذلة والقصص الفلكلورية المقدمة بشكل سطحي. وتستحضر المسرحية التي انتجها المسرح الجهوي بباتنة والتي تدور ضمن ديكور من ثلاثة أُطُر تمثل لوحات بثلاث شخصيات ”فنان تشكيلي وزوجته زبيدة واللوحة المرأة لويزة او الموناليزا” الصراع البيجماليوني بين الفن والحياة، من خلال غيرة الزوجة زبيدة من اللوحة الباسمة لويزة وهي الفكرة التي تحيل مباشرة إلى ”جالاتيا” التمثال الذي صنعه الفنان بجماليون من العاج ووقع في حبها، لكنها لا تكتفي بالتناص مع أسطورة جالاتيا -عن طريق بعث الروح في اللوحة التي تصبح شخصية فاعلة في المسرحية-، بل تحاول المسرحية الاشتغال على الصراع النفسي داخل الفنان الباحث عن الكمال في المرأة، مثلما يأتي تصريحا على لسانه والذي تتجاذبه الصراعات والحيرة فيصرخ ”لا عرفت لا عشقت زبيدة ولا لويزة ولا أمّا”، وينجح العرض في مقاربة الإشارات الفلسفية المرتبطة بالفن والحياة، إضافة إلى ما تضمنه من صراع نفسي واجتماعي، في الاقتراب من القبض على الحياة الزوجية ومطباتها، لكنه يخفق إخفاقا إلى حد كبير، في معالجته لعلاقة الفن بالسياسة رغم أن حضور السياسة وانتقاد المؤسسة الرسمية والقمع من خلال فتح أقواس كبيرة حول السياسة باعتبارها طابو جاء على شكل تلك الصيغ التمريضية ”هوما” الذي هو تعبير زئبقي رجراج يعبر في العادة لدى الطبقات الشعبية عن اشباح السياسة دون تسميتهم بأسمائهم، وقد اخذ الحديث عن السياسة حيزا كبيرا في الحوار بين الفنان ولوحته لويزا”، ما جعل الفنان التشكيلي و-هو يحذر اللوحة ويطلب منها السكوت بذعر- يسقط في وصف الفن -الذي هو بحث عن الحرية وتمرد عن كل السلطة- بالخوف والجبن، كما حمل النص في صبغته المجزأرة بعض المرافعات النمطية والجاهزة في الخطاب النسوي المناضل، من خلال تصوير الرجل على لسان المرأة بالخيانة التي يتشابه فيها كل الرجال. يذكر أن النص الموناليزا قد أثار جدلا بين كاتب المسرحية المصري سعيد ناصر سليم والمشرفين على إخراج العمل بعد المعالجة الدرامية التي أسندت إلى الباحثة الجزائرية الدكتورة جميلة مصطفى الزقاي التي حاولت تكييفه مع الواقع الجزائري، وهو ما لم يرق للكاتب المصري الذي أثار ضجة باحتجاجه، وهو ما جعل مخرجة العمل بن علي تونس تؤكد أن الكاتبة الجزائرية قد أعادت كتابة نص من جديد لا علاقة له بنص الكاتب المصري سعيد ناصر.