مؤلم ما يحدث في جزائر ما بعد الإرهاب. مؤلم ما نراه يوميا من نزول إلى الحضيض من شعوذة وانحطاط فكري ساهم فيه بعض الإعلام اللا مسؤول. فبعد أن كانت الجزائر والجامعات الجزائرية تنجب العلماء والباحثين في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، ها هي اليوم صارت أرضية خصبة للشعوذة والفساد. فبعدما استهدف المفكرين والعلماء والصحافيين الحقيقيين من قتل على يد الإرهاب وإجبارهم على الهجرة، ها نحن اليوم أمام موجة من الفساد من الفكر والذوق العام، وصارت الواجهات الإعلامية مرتعا للمشعوذين إلى درجة صاروا ”أمثلة” يحتذى بها اجتماعيا. فبعد بلحمر وما نشره في المجتمع من ضلال وكذب على الناس واستغل بأسهم وظروفهم الصحية في غياب منظومة صحية توفر العلاج للجميع، ها هو مشعوذ آخر يتخذ صفة طبيب، يبيع الوهم للناس ويتحول بين عشية وضحاها إلى ملياردير ويشاركه في أكاذيبه دائما سلطة مغفلة وإعلام باحث عن الإثارة، وإلا كيف نفسر الفضيحة التي صنعتها صحفية على تلفزيون الشروق في محاولة يائسة لتبييض المحتال زعيبط وتهاجم طبيبا معترفا بقدراته وتدافع عن بائع للوهم. حتى بن شريف الذي أضحكنا كثيرا بداية التعددية، لما أسس حزبا من قسنطينة، وكان وعد الجزائر هو الآخر بتحويل الجنوب إلى واحة كبيرة باستغلال المياه الباطنية ببناء بحيرة كبيرة لاستغلالها في الزراعة والسياحة، وكان يردد دائما أنه سيبقى هنا مثل مسامر القصعة نكاية في السلطة، ها هو يعود بعد غياب سنوات، وبعد أن فشل في السياسة، يعود في ثوب آخر ويخرج إلى الواجهة الإعلامية تحت مسمى آخر، برفيسور يعالج المرضى بالأعشاب، أو بمسمى آخر الطب البديل، ويقول إنه باحث في الكيمياء، إلى غير ذلك من الألقاب التي قرأتها على مسامعنا القناة التي نجحت في إحيائه من جديد، لتعيده إلى الواجهة في ثوب المرحلة، ثوب ”رحمة ربي” وبيع الأوهام. التقيت الرجل في احتفال أول نوفمبر الماضي وسألته عن سبب غيابه عن الساحة السياسية، فقال طلقت السياسة وأنا اليوم أعالج الناس بالأعشاب! لم أعط الأمر أكثر من حجمه بل ضحكت وأنا أتذكر لما قال لسكان قسنطينة الذين انقلبوا عليه لما كان رئيس بلدية هناك ”لو كنت أعرف ماذا ستفعلون بي، لحولت لكم ساحة ”لابريش” إلى مزبلة. لم يحول ساحة ”لا بريش” إلى مزبلة ومعذرة للقارئ، وها هو يعمل مع الآخرين على تحويل عقول الجزائريين إلى مزابل، بحثا عن الشهرة والربح. اليوم نعرف قيمة الخسائر التي ألحقنا بها الإرهاب، قيمة خسارة الجيلالي اليابس وبوخبزة، والباحثة في معهد الفلاحة التي أجرت أبحاثا متقدمة في بذور البطاطا، اغتيلت في مدخل معهد الفلاحة سنوات الإرهاب وهي ذاهبة إلى عملها، وقيمة اغتيال الصحفيين المهنيين. البلاد تغرق في الشعوذة ويتحول الإعلام الذي واجه الإرهاب ودفع بخيرة أبناء المهنة قربانا على مذبح حرية التعبير الحقيقية، اليوم إلى تجارة، وليتها تجارة مربحة، بل صار يستهدف عقول المواطنين ويستخف بذكاء الناس ويحول الناس إلى قطعان من الجهلة والغوغاء لا تعي ما يجري في البلاد، ولا المخاطر المحدقة بها. الصورة صارت واضحة اليوم، والمؤامرة على عقول الجزائريين خطيرة، وبعد أن أفرغت البلاد من العقول النيرة ها هي الموضة اليوم نشر الخرافة والدروشة!