تحوّل دواء «ديابيكسين» الخاص بمرض السكري الذي أعلن عنه زعيبط توفيق، إلى حديث العام و الخاص بالجزائر و صار أول ما يبحث عنه عشرات الآلاف من المرضى و أهاليهم، و بالرغم من أن صاحب الاختراع يؤكد أن الدواء الذي وضع ملفه على طاولة وزير الصحة، مُوجّه لعلاج أعراض السكري و ليس المرض، إلا أن أطباء و صيادلة يشكّكون في فعاليته و يتحدث بعضهم عن تسويق للأوهام، فيما يتهمهم المخترع بمحاولة تكسيره و يخلي مسؤوليته من أية علبة دواء تُباع من طرف من أسماهم بالمحتالين قبل المصادقة على الدواء من وزارة الصحة. تحقيق: ياسمين بوالجدري بسرعة البرق انتشرت عشرات الأرقام التي قيل أنها تعود للمخترع توفيق زعيبط، و بدأ المواطنون في تبادلها على صفات موقع فايسبوك و بمنتديات الأنترنت، ليتحول دواء «ديابيكسين» إلى حديث الساعة في الجلسات العائلية و في الأماكن العمومية و حتى بأماكن العمل، و يدخل الجميع في رحلة بحث عنه من أجله أو من أجل قريب أو صديق مصاب بمرض السكري، و قد بدأ الكثيرون في الاتصال بالأرقام التي تحصلوا عليها و اكتشفوا بأن خطوطها مغلقة على الدوام، ما جعلهم ينتقلون إلى منزل المخترع بالخروب و لم يمنعهم في ذلك بُعد المسافات و لا تكاليف التنقل. «النصر» تنقلت يوم أمس، إلى منزل توفيق زعيبط، و هناك وجدت شبابا و كهولا و نساء و حتى عجائز تجمعوا بالقرب من البيت، و همهم الوحيد الحصول على الدواء «المعجزة»، و قد كان في استقبالهم رجل استعين به خصيصا لإقناع من يفدون بأن الدواء «غير موجود»، و بأنه سيتوفر على الأرجح «خلال شهر أو شهرين»، و هي إجابات لم تقنع المواطنين الذين ظلوا بالمكان لساعات و قيل لنا أن بعضهم يبيت بالقرب من المنزل لترصد المخترع عند عودته للمنزل، و منهم من قطعوا مئات الكيلومترات للوصول للمكان، و قدموا حتى من غرب الوطن و من أقصى جنوبه. منزل زعيبط يتحول إلى مزار للمرضى و طيلة ساعة كاملة تواجدنا خلالها بالمكان، قدّرنا مُعدل قدوم المواطنين للسؤال عن الدواء، بشخص كل حوالي 5 دقائق، إلى درجة أن الرجل الذي جُنّد لتوجيه المواطنين، قال لنا أنه تعب كثيرا من كثرة الحديث و محاولة إقناع الجميع بالعودة أدراجهم، و لقد صادفنا هناك نساء و رجالا، و وجدنا كهلا و زوجته يحملان الحقائب بعد أن قدما من الشلف على الساعة الرابعة صباحا، كما صادفنا آخرين جاؤوا من البويرة و ميلة دون احتساب العشرات ممن يأتون من بلديات قسنطينة، و قد قال لنا هؤلاء بأنهم قرروا المجيء عند توفيق زعيبط بعدما لم يتم الرد على أرقام الهواتف التي قيل لهم بأنها له، آملين في أن يحصلوا على دواء بأية طريقة «للشفاء» من المرض. تحدثت «النصر» إلى بعض الحالات التي تناولت دواء «ديابيكسين» و تؤكد أن أعراض المرض لم تعد موجودة لديها، و من بينها حالة فيصل طلحي العامل بالشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية بقسنطينة، الذي بدأ منذ حوالي شهر في استعمال الدواء، حيث قال بأنه موضوع في قارورة يجب عدم تعريضها للضوء، و له مذاق يشبه طعم زيت الزيتون، و يتم شربه مقدار ملعقتين في الصباح و اثنتين عصرا، بعد خلطها جيدا في مياه معدنية مغلية، مؤكدا أنه لاحظ بعد 6 أيام من الاستعمال «تغييرا»، إذ زال عنه التعب و تحسنت الرؤية لديه و صار أكثر نشاطا. السر في البنكرياس! و يقول السيد طلحي أن الدواء وصف له بناء على نتائج تحاليل على البنكرياس تجرى، حسبه، لمعرفة كمية الأنسولين التي يفرزها، حيث ساعدت تركيبته في «إحياء» خلايا البنكرياس و الدليل على ذلك، حسبه، أنه بدأ يشعر بألم على مستوى هذه الغدة، و لدى استفسارنا منه إن كان قد اطلع على أي وثائق تخص هذا الدواء قبل تناوله، قال محدثنا بأنه لم يفعل ذلك، لكنه يعلم بأن توفيق زعيبط «حصل على براءة اختراع»، بحيث لجأت إليه لأنه «آمن» بهذا الدواء منذ البداية، و حتى أن المرضى الذين استعملوا «ديابيكسين» لأقل من شهر و نصف و من بينهم أطفال، تحسنت حالتهم، حسبه، بل و قلّ استعمالهم للأنسولين لأن هذا الدواء ساعد، على حد قوله، في تخفيض نسبة السكر في الدم، متحدثا عن حالة مريض من الخروب توقف نهائيا عن استعمال دواء «الغليكوفاج». و بالرغم من حالات المرضى الذين يقولون أن وضعهم تحسن، إلا أن العديد من الأطباء و المختصين و حتى مرضى السكري يشكّكون في فعالية هذا الدواء، و قد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك بالحديث عن وجود دواء «ديابيكسين» في السوق قبل الإعلان عنه من طرف توفيق زعيبط، و للتحقق من الأمر أجرينا بحثا في محرك «غوغل» بهذا الاسم، و وجدنا فعلا أن شركة تركية تحمل «دوغادون» مختصة في إنتاج أنواع مختلفة من مشروبات الأعشاب الطبية و الشاي، تضع منتجا يحمل الاسم نفسه بموقعها الالكتروني، بحيث يحتوي أعشاب طبية «تساعد على ضبط نسبة السكر في الدم»، و تتمثل في أوراق الزيتون و التوت، و القرفة و عشبة الستيفيا، كما يتم استعمالها مرتين، على الأكثر، في اليوم، و قبل أو بعد ساعتين من تناول الطعام. مختصون يؤكدون: لا نعرف شيئا عن هذا الدواء! و يؤكد الدكتور بقّاط بركاني رئيس عمادة الأطباء، بخصوص اختراع السيد توفيق زعيبط، أن أي دواء يتم اختراعه يجب أن يُجرّب على الحيوان كمرحلة أولية و يخضع لتجارب علمية ثم يمر على بروتوكولات خاصة قبل تسويقه، مهما كانت الفائدة التي سيُقدمها للإنسانية، كما يجب، حسبه، تقديم دلائل علمية تثبت فعاليته، و لا يمكن أيضا القول أن هذا الشخص اخترع دواء لأنه جربه على بضعة أشخاص، على حد قوله، و ذهب الدكتور بركاني إلى أبعد من ذلك بالتأكيد على أنه من غير الجائز أصلا تجريب هذا الدواء على الإنسان قبل مروره على المراحل العلمية. و يضيف الدكتور بركاني أنه لا يقلل من شأن من اخترع دواء «ديابيكسين»، لكنه يرى بأنه من غير اللائق إعلام الناس بالاختراع و إعطاء أمل بالشفاء لمرضى السكري الذين يستعملون في الأصل أدوية تثبت كل يوم فعاليتها، مؤكدا بأن كبرى مخابر الأدوية العالمية التي تتوفر على إمكانيات ضخمة، لا تسوق الأدوية إلا بعد مرور 5 سنوات على الأقل من البحث، بتجريبها على الحيوانات كمرحلة أولى ثم على البشر، مع حصول أصحابها على «ترخيص التسويق» و نشر تفاصيل الاختراع في إحدى المجلات الدولية العلمية العشرون. من جهته، يرى الدكتور كمال بغلول رئيس مجلس أخلاقيات مهنة الصيادلة لناحية قسنطينة، أن أي دواء يجب أن يمرّ، قبل تسويقه للمرضى، على قوانين و بروتوكولات وفق مقاييس علمية و شرعية و نظامية، مضيفا بأنه كمختص لا يؤمن بهذا الدواء بما أنه لا توجد مقاييس علمية واضحة بخصوصه، كما قال بأن تطوير أي دواء يتطلب 10 سنوات على الأقل قبل وضعه في السوق، و مروره على مجموعة تضم باحثين متعددي الاختصاصات. و أبدى بغلول استغرابه لما أسماه بعدم تحرك وزارتي الصحة و البحث العلمي و مجلس أخلاقيات الطب لوقف ما يعتبره «احتيالا»، بل و تحدث عن بيع الدواء ببعض الصيدليات، غير مستبعد إمكانية تقربه من مديرية الصحة لطلب التحقيق في الأمر على اعتبار أن أي دواء لعلاج السكري يباع في هذه الفترة، سيكون غير شرعي. أما البروفسور بلحاج مصطفى عز الدين المختص في الطب الداخلي بالمستشفى الجامعي ابن باديس بقسنطينة، فأكد للنصر بأنه لم يطلع على تركيبة دواء علاج أعراض مرض السكري، و قال بأنه يتمنى أن يستطيع هذا الدواء ضمان العلاج فعلا، لكنه ذكر بأنه و في الوقت الراهن لا يوجد أي دليل أو إثبات علمي على فعالية هذا الدواء، في عالم لا يزال العلماء يبحثون عن علاج لهذا المرض. و أكد البروفيسور بلحاج مصطفى من مصلحة الطب الداخلي، التي تستقبل يوميا عشرات الحالات لمرضى داء السكري من 17 ولاية بالشرق، أن الكثير من المرضى أعلموه بهذا الدواء و عن رغبتهم في استعماله، لكنه طلب منهم استكمال العلاج الطبي بشكل طبيعي باستعمال الأنسولين و أدوية السكري التي يصفها الطبيب. البعض تحايل باسم ديابيكسين و على المرضى التحلي بالصبر بتوسّط من الرجل الذي استعين به لتوجيه المواطنين قرب منزل المخترع، حصلنا على رقم الهاتف «الحقيقي» لتوفيق زعيبط و رتّبنا موعدا لمقابلته بمنطقة قريبة، أين استقبلنا و علامات القلق ظاهرة على ملامحه، حيث قال بأن حياته تحولت إلى جحيم بسبب مطاردته من مئات المواطنين كل يوم، إلى درجة أن عائلته صارت تجد صعوبة في الدخول و الخروج من المنزل، حتى أن منزل والده المريض أصبح هو أيضا هدفا لمرضى السكري الذين يدقون بابه دون انقطاع، زيادة على المكالمات الهاتفية التي ترده بالعشرات كل يوم و التي يكون العديد من خارج الوطن، ما يدفعه إلى تغيير أرقامه في كل مرة. و قبل الخوض في تفاصيل الدواء و الرد على التشكيك الذي لقيه من طرف المختصين، فضل توفيق زعيبط مخاطبة مرضى السكري بالتأكيد على أن «ديابيكسين» يعالج أعراض داء السكري و لا يشفي من المرض، كما بأنه لم يسوق بعد، مضيفا بأنه يتبرأ من أية علبة دواء منه تسوق حاليا، و متهما بعض الأشخاص بالاحتيال على المواطنين بتسويق مواد غير معروفة على أنها دواء توفيق زعيبط و تقاضي أموال طائلة مقابل ذلك، كما دعا المواطنين للتحلي بمزيد من الصبر و انتظار دراسة البحث الذي قدمه لوزارة الصحة و من ثم اعتماد الدواء رسميا و تسويقه إن تمت الموافقة على ذلك. توفيق زعيبط الذي لم يتوقف هاتفه عن الرنين طيلة لقائنا به، يؤكد أنه «باحث ذو سمعة دولية» رفض جائزة نوبل و حتى امتيازات يقول أنها قدمت له في أوروبا و الخليج، لكنه غير معروف بالشكل المطلوب بالجزائر على حد قوله، و قد سبق له أن عمل كباحث رئيس مشروع بحث بمخبر صيدال في الحراش بالعاصمة بين سنتي 2004 و 2011 و حصل على براءتي اختراع لدوائين لعلاج مرض الصدفية و تساقط الشعر، كما أضاف بأن تخصصه الأول هو طب الإنعاش، حيث درس، حسبه، بعض المواد في بقسنطينة و أكمل باقي سنواته بجنيف في سويسرا و حصل من هناك على شهادة الدكتوراه سنة 1997، و عند عودته أجرى «الخدمة المدنية» بالمستشفى الجامعي، لكنه لم يطلب معادلة الشهادة التي حصل عليها بسويسرا لأنه كان يفكر في عدم الاستقرار بالجزائر، على حد قوله. مُستعد لسحب الاختراع إن قدّم المنتقدون البديل! يقول المخترع زعيبط الذي أسّس «مخبر بحث» بالجزائر العاصمة، أنه بدأ العمل على دواء السكري منذ 11 سنة بعيدا عن الأضواء، و لدى استفسارنا منه عن سبب اختيار هذا التوقيت للكشف عنه، أكد بأنه الهدف من ذلك كان الإشهار باختراعه للعلن حتى لا يستولي عليه آخرون، لأن الأمر يتعلق، برأيه، بمشروع قد يدرّ ملايير الدولارات، لكنه يهدف بالدرجة الأولى لتحقيق منفعة للمرضى و ليس أرباحا مالية. و يرد زعبيط على منتقديه من الأطباء و الصيادلة، بدعوتهم إلى تقديم البديل قائلا «مستعد لسحب ملف الدواء إن قدموا دواء بديلا له»، متهما إياهم باحتقار كل ما هو جزائري و محاولة «تكسيره»، و متسائلا إن كانت ردة فعلهم ستكون نفسها في حال كان صاحب الاختراع أجنبي، حيث أكد بأنه قام بعد 11 سنة من البحث بتقديم ملف بحثه لوزارة الصحة التي تلقته و هي بصدد دراسته قبل أن تصدر أي تصريح بالتسويق، معترفا بأن الدواء لم يجرب على الحيوان لأنه لا يوجد حيوانات مريضة بالسكري مثل ما هو متطابق مع حالة الإنسان، حتى أن الخبراء الذين وضعهم وزير الصحة، بينوا، حسبه، بأنه غير مضرّ.و فضّل توفيق زعيبط عدم الكشف عن تركيبة الدواء «المعجزة» لأنها «سرية» لكنه قال بأنه غير مقلد و ذكر بأن مطابقته لاسم دواء سُوّق بتركيا يعود إلى تشابه في الأسماء، خاصة أن الكثير من الأدوية الخاصة بمرض السكري تستعمل فيها كلمة «ديابيت»، على حد قوله، كما نفى أن تكون الأعشاب الطبية ضمن تركيبة العلاج، ليضيف بأن الدواء يستهدف مباشرة البنكرياس بالتركيز على «مقاومة الأنسولين» التي تتمثل في نقص فعالية الهرمون الطبيعي في تخفيض مستوى السكر في الدم، بما يؤدي لظهور أعراض المرض، حيث عمل على علاجها باستعمال «طريقة خاصة» باستهداف الخلية التي تتجدد، حسبه، ما يجعل المريض يُحس بتحسن.و بين تطمينات المخترع زعيبط و تشكيك الأطباء و الصيادلة، يأمل المئات من مرضى السكري بأن تصدق قصة «الدواء المعجزة»، و هو أمر لن يتأكد إلا عبر وزير الصحة الذي لا يزال ملف الاختراع على طاولته.