"ما الإيمان؟" •• سؤال يثور في الخارج، ولكن إجابته الحقيقية هي في الداخل البشري، في تجاويف النفوس الكبيرة القادرة على تحويل تلك الكلمة البسيطة "إيمان" إلى عالم زاخر يمور بمختلف مراحل القوى التي لا حد لها، وتحويل الإنسان أيضا إلى طاقة مبدعة ومدهشة• وعالم الإيمان الداخلي يناظر العالم الخارجي؛ يحاكي عظمته، ويناوش كبرياءه، وله أيضًا شمسه، وقمره، وأرضه، وسماواته، ولكنه منعزل في شموخ عن قوانين الوجود، مبتعد بجلال عن تأثيرات الفيزياء والكيمياء؛ لأن قوته مستمدة من ديمومة أبدية، تأوي إلى أسباب غير أسباب السماوات والأرض• هذا الانفلات من القوانين والانعزال عن قيود السنن، مكَّن للنفس البشرية أن تأتي بالمدهش، واللا مألوف، وهذا هو سر عظمة الإنسان• وفي تلك الأعماق الشفافة يتوحد الإيمان بنفسه، مالكًا لظروفه، عصيًّا على السيطرة؛ فقرعات سياط التعذيب الخارجية مهما بلغت آلامها لا يُؤذن لها بالدخول عليه، ومهما ضاقت جدران الزنازين فإنها لا تُحيِّزه، ومهما أحكمت القيود الخناق، فإنها لا تمسكه عن البراح، بل إن الإيمان بقوته يقلب العلاقات، ويعيد تشكيل الكائن لما ينبغي أن يكون؛ فيحاصر الحصار، ويسجن السجن والسجان، ويؤلم المؤلم والألم، فطالما أن القلب "مطمئن بالإيمان" فماذا يفعل أعدائي بي؟•• هكذا تكلم ابن تيمية: "سجني خلوة، ونفيي سياحة، وقتلي شهادة"• من أين له بهذه القوة؟! يجيب: إن جنتي في قلبي، وبستاني في صدري، أينما أتوجه يظلان فيَّ•