تقول كريمة ديرش سليماني الباحثة في "معهد البحث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي" في كتابها "مسيحيو منطقة القبائل 1873 - 1954"، الصادر مؤخرا باللغة الفرنسية في باريس ضمن مجموعة "مكتبة تاريخ المغرب"، إن الكاردينال "شارل دو لافيجري"، أسقف الجزائر منذ 1867، كان مقتنعا بقدم جذور المسيحية في الأوساط البربرية، فبدأ حملة تبشيرية في منطقة القبائل الجبلية التي كان يعتبرها "لبنان إفريقيا"• وتقدم الباحثة في الكتاب دراسة تاريخية وأنثروبولوجية لظاهرة اعتناق الجزائريين للمسيحية أثناء فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر، مؤكدة أن هذه الظاهرة لم تكن معروفة كثيرا ولم تخصص لها دراسات معتبرة في مجال العلوم الاجتماعية• وتشير سليماني في كتابها إلى أن المسلمين الجزائريين الذين اعتنقوا المسيحية في إطار حملة الاستعمار الفرنسي للجزائر اعتبروا خونة وأن ما قاموا به ليس سوى عار وفضيحة، وتضيف الباحثة بأن هذه النظرة ماتزال قائمة إلى غاية يومنا هذا، وقالت "إن معتنقي المسيحية حين يكونون من البربر فإن هذا مرهق للذاكرة الجماعية الفرنسية والجزائرية، لأنهم يعتبرون تركيبة ثقيلة لسياسة الإدماج الاستعمارية وإيديولوجية الأسطورة البربرية"• وتؤكد الباحثة في هذه الدراسة التاريخية والأنثروبولوجية الهامة، أن منطقة القبائل تحديدا، كانت منطقة تجارب لسياسة التنصير التي بدأت عام 1870 بمبادرة من الكاردينال "شارل ألمان دولافيجري" والذي كان مقتنعا بقدم جذور المسيحية في الأوساط البربرية، فقاد حملة تبشيرية في منطقة القبائل الجبلية والتي كان يعتبرها "لبنان إفريقيا"• وقد استهدفت الحركة التبشيرية، حسب ما ورد في الدراسة، بالدرجة الأولى الأوساط المحرومة اجتماعيا كالفقراء والأيتام، حيث تم إنشاء مدارس ومراكز لاحتضان هؤلاء وتوفير مناخ اجتماعي مريح لهم وتربيتهم على مبادئ الديانة المسيحية، ما سمح بتشكيل نواة صلبة لمجتمع مسيحي في المنطقة• اعتمدت الباحثة في دراستها على الأرشيف وكذا التحقيق الأنثروبولوجي، إذ ذكرت في الكتاب جملة من الأحداث التاريخية والسوسيولوجية التي ساهمت في نشوء هذه الانزلاقات الطائفية في منطقة القبائل في نهاية القرن الواحد والعشرين، وتقول الباحثة إنها تتمسك في هذا الكتاب بإعادة بناء حقيقة تاريخية "أضرتها تقديمات عاطفية مرتبطة بالاستعمار وحرب الجزائر"• تركز الدراسة، وهذا بيت القصيد، على جزئية مهمة في محاولة فهم ظاهرة اعتناق المسيحية، أو بالأحرى، التنصير في أوساط الجزائريين، وهي نظرة المسيحيين لمنطقة القبائل على أنها مسيحية بالأساس، حيث يرى هؤلاء أن هذه الديانة لها تاريخ عريق في شمال إفريقيا والجزائر خاصة وبلاد القبائل خصوصاً، مستدلين بأسماء كبيرة في تاريخ المسيحية لعبت دوراً مهماً في انتشارها حول العالم مثل القديس "أغوستين" والقديس "ترتوليان"• وإذا كانت التقارير تتحدث عن تنامي ظاهرة التنصير في الجزائر بشكل مضطرد، والإحصاءات الرسمية تشير إلى أن عشرة أشخاص على الأقل يدخلون إلى المسيحية يومياً، فإنه بفهم تلك الجزئية، سيتضح أن المسألة متعلقة بما يعتقد هؤلاء بأنه "إرجاع منطقة شمال إفريقيا إلى الديار المسيحية، تماما كما تم استرجاع الأندلس التي اغتصبها المسلمون"• كانت تلك تماما قناعة الكاردينال دو لافيجري قبل قرن ونصف، وأيضا•• قناعة المبشرين الجدد اليوم• يذكر أن الباحثة كريمة ديرش سليماني متحصلة على دكتوراه في التاريخ المعاصر، وهي متخصصة في التاريخ الاجتماعي للجزائر في الفترة الاستعمارية، خصصت موضوع أطروحتها حول تاريخ الهجرة في فرنسا، ونشرته في كتاب صدر عن منشورات "لامارتون" عام 1997، وخصصت أبحاثها في الفترة الأخيرة لموضوع الهوية لدى المهاجرين وكيفية بناء الهوية الوطنية في الدول المغاربية، وهي تعمل حاليا كباحثة في معهد البحث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي بباريس•