من بين مستجدات الحياة الدستورية في الجزائر بعد تعديل سنة 89، استحداث منصب رئيس الحكومة وجعله تحت رقابة الهيئة التشريعية عبر العديد من الآليات• ومن هذه الآليات، ضرورة أن يقدم رئيس الحكومة بيان سياسته العامة "سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني" حسب المادة 84 من القانون الأعلى في البلاد، وتنص نفس المادة على إمكانية إيداع ملتمس الرقابة يقوم به المجلس الشعبي الوطني وفق إجراءات محددة في الدستور دائما، في حين تعطي لرئيس الحكومة الحق في طلب تصويت بالثقة، وفي حالة عدم الموافقة على لائحة الثقة من قبل النواب، يقدم رئيس الحكومة استقالته آليا لرئيس الجمهورية، الذي يمكنه قبولها أو اللجوء إلى أحكام المادة 129 من الدستور، وتنص هذه الأخيرة من جهتها على إمكانية لجوء رئيس الجمهورية لانتخابات تشريعية مسبقة بعد استشارة رئيس المجلس الشعبي الوطني ورئيس مجلس الأمة ورئيس الحكومة الذي يفقد ثقة النواب• إلى هنا، يمكن اعتبار الدستور الجزائري قد وضع آليات كافية لضمان سير ديمقراطي للمؤسسات الجزائرية، ولامجال للحديث حاليا عن فراغات في هذه الإجراءات أو تناقضات مادام نواب المجلس الشعبي الوطني لم يسبق لهم أن مارسوا هذه الصلاحيات حتى تثبت محدودياتها ومن ثمة ضرورة مراجعة التنظيم الحالي للسلطات قصد تحسينه أو تغييره جذريا••• فقد ظل المجلس الشعبي الوطني منذ 89 يشهرون ورقة ملتمس الرقابة في وجه رؤساء الحكومات المتعاقبين وأبرزهم"سيد أحمد غزالي" و"مولود حمروش" و"أحمد أويحيى"• ورئيس الحكومة الوحيد الذي قدم بيان سياسته العامة للمجلس الشعبي الوطني وأعلن من خلاله الاستقالة هو "أحمد أويحيى"، بمعنى أن هذا الأخير لم يستجب لإرادة في الهيئة التشريعية، خاصة وأن حزبه آنذاك كان يتمتع بالأغلبية المطلقة في البرلمان، بل استجاب إلى إرادة أخرى هي تقديم ضمانات كافية حول نزاهة الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة سنة 99، حيث طالب المترشحون فيها بحكومة، عكس حكومة "أويحيى" التابعة تقريبا لحزب واحد دون نسيان الاحتجاجات التي رافقت كل المواعيد الانتخابية التي أشرف عليها رئيس التجمع الوطني الديمقراطي الحالي• والظرف الثاني أملى على "أويحيى" الاستقالة من الحكومة عشية الانتخابات الرئاسية ل 99 وهو ضرورة التفرغ لمهمة أخرى هي مهمة قطع الطريق أمام كل المتنافسين على الترشح تحت مظلة الأرندي آنذاك وجعله يساند ترشح "بوتفليقة"، لا غير، لمنصب رئاسة الجمهورية• وأمام هذا التقليد السياسي خارج إطار الدستور، أصبح تحرك النواب للمطالبة بتقديم الحكومة بيان سياستها العامة، مجرد مؤشر يعتمده المحللون للشأن السياسي الجزائري للاستنتاج أن أيام رئيس حكومة معين معدودة، لكن من الناحية التقنية لا يملك النواب أي آلية تجعلهم يفرضون على مسؤول الجهاز التنفيذي الالتزام بالدسور لأن هذه المهمة موكلة أساسا لمؤسسات أخرى كالمجلس الدستوري مثلا• وبما أن بيان السياسة العامة هو إجراء آلي تقوم به الحكومة كل سنة، فإن خرقها لذلك يحتم على النواب استعمال طرق سياسية أخرى غير الطرق الإجرائية• ومن هذه الطرق دعوة المواطنين لحماية دستورهم مثلا أو استعمال أوراق ضغط أخرى• لكن التشكيلة الحالية للبرلمان تجعلنا نستبعد هذا النوع من التطورات السياسية في بلادنا، لأن الأغلبية البرلمانية هي في يد رئيس الحكومة الحالي "عبد العزيز بلخادم" أولا• وثاني أكبر كتلة برلمانية هي في يد شريكه في الحكومة الذي أثبت في العديد من المناسبات أنه أكثر حفاظا على الوضع القائم من حزب الأغلبية وعندما يعارض فمعارضته لا تتجاوز نطاق الرسائل المشفرة التي يتبادلها زعماء الحزبين• وفي الأخير، تعد نهاية "بلخادم" على رأس الجهاز التنفيذي أسهل قرار يمكن اتخاذه في الحياة المؤسساتية الجزائرية، بالنظر إلى تجربة الذين سبقوه إلى هذا المنصب، الذين قدموا كلهم استقالاتهم لرئيس الجمهورية دون سابق إنذار وقبلها هذا الأخير دون شرح أو نقاش مع أي كان في المجتمع، اللهم إلا الذين تحدث عنهم "بلعيد عبد السلام"•