"المصالحة والتسامح وسياسات الذاكرة" هو عنوان أبرز إصدارات دار توبقال المغربية في الآونة الأخيرة، والعمل عبارة عن ترجمة قيمة قام بها الباحث حسن العمراني لأربع مداخلات وحوارات أجريت مع مفكرين غربيين تطرقوا لموضوع الصفح والتسامح، وهم جاك دريدا وحنا أرندت وإدغار موران• برأي المترجم، يلتقي سؤال الصفح مع سؤال النسيان في تهدئة الذاكرة والوصول إلى نوع من "النسيان السعيد"، لكنهما ينفصلان عند الإحالة إلى إشكالية الذاكرة والوفاء للماضي الذي يفتح الصفح على المسؤولية الجنائية• ومن هنا تأتي سياسات الذاكرة كما تظهر فى روح العفو والعفو العام أو التقادم أو جبر الضرر أو التعويض وغيرها من الإجراءات التى تتجه لبناء المستقبل• نبدأ بما حرره فيلسوف التفكيك، جاك دريدا، الذي ينفي أن يكون هناك حد للصفح، تماما أنه لا مجال معه للقياس، ولا مكان فيه للاعتدال، ولا معنى ل"إلى أي حد؟"، هذا بالطبع متى اتفقنا مع دريدا على بعض المعانى "الخاصة" لهذه الكلمة• والحق، يضيف الرجل، يجدر بنا أن نتساءل: ما الذي ندعوه "صفحا"؟ وما الذي يستدعي "الصفح"؟ ومن يدعو إليه ويطلبه؟ على اعتبار أنه من الصعب قياس الصفح تماما، كما هو صعب مقاربة هذه الأسئلة، وذلك لأسباب عدة، يذكر منها النقاط التالية: بداية، نحن نحافظ على الغموض ونغذيه، خصوصا فى المجالات السياسية التى تفعل اليوم من جديد هذا المفهوم وتنقله عبر العالم• مهما بقى مفهوم الصفح ملغزا، فإن المشهد والصورة واللغة التى يجرى قَدُّها على مقاسه، تنتمى إلى تراث ديني، ويتسم هذا التراث، المركب والمتميز، بالخصوصية، وفي الوقت نفسه، بالتوجه صوب الكونية عن طريق ما يوظفه مسرح الصفح أو يسمح بإظهاره• ثمة نزعة إنسانية هزتها حركة تعتبر نفسها محل إجماع، وها هو ذا نوع إنساني يزعم اتهام نفسه فجأة، وعلى الملأ بصورة مذهلة، بكل الجرائم التي ارتكبها فعلا ضد نفسه و"ضد الإنسانية"• ومتى شرعنا بوضع أنفسنا موضع اتهام، ملتمسين عن كل جرائم الماضي التى ارتكبت ضد الإنسانية، فإنه لن يبقى هناك بريء على وجه الأرض، وبالتالي لن تجد شخصا يصلح ليحتل منزلة القاضي أو الحكم• إن لغة الصفح الموجهة لخدمة غايات محددة، كانت كل شيء عدا أن تكون خالصة، منزهة عن الغرض، كما هو الشأن دائما في الحقل السياسي• وبناء عليه، يغامر دريدا بإطلاق هذه الفرضية: كلما كان الصفح في خدمة غاية محددة، حتى لو كانت نبيلة وروحية، وكلما نزع إلى إعادة الأمور إلى طبيعتها عبر عمل الحداد، ومن خلال بعض الطرائق العلاجية أو ما يصفه ب"إيكولوجيا الذاكرة"، فإن الصفح لا يكون خالصا، شأنه في ذلك شأن مفهومه• ليس هذا وحسب، بل يذهب دريدا إلى أن الصفح ليس، ولا ينبغى أن يكون طبيعيا ولا معياريا ولا تطبعيا• عليه أن يظل استثنائيا وخارقا، في احتكاك مع المستحيل• ومعنى هذا أن الصفح يجب أن يعلن عن نفسه كما لو كان المستحيل ذاته•