فلما رأته على تلك الحال لم تملك إلا أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي وتقول: يا ولدي، أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ماجبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك ، وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت فتأمل قول الأم: لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ماجبلت عليه من الرحمة والشفقة• وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم " الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها" وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟ فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه، فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ماهو أهله وأولى به• فهذه تطلعك على سر فرح الله بتوبة عبده أعظم من فرح الواجد لراحلته في الأرض المهلكة بعد اليأس منها• وقيل للحسن: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ود الشيطان لو ضفر منكم بهذه فلا تملوا من الإستغفار إن الهلاك كل الهلاك في الإصرار على الذنوب•