حارس التبغ، رواية علي بدر الصادرة مؤخرا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 260 صفحة. ومنذ الكلمة الأولى يصر علي بدر، على تبنيه البنيوي لقصيدة الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا، ويشرح باستفاضة كيف أنه أسقطها بذكاء وفاعلية، بأجزائها الثلاثة، على حياة موسيقار بثلاث جنسيات، بثلاث هويات غادرة، بثلاثة أزمنة غطت تاريخ المنطقة، وحروبها الأهم والأشرس.. حيث بطلنا هو ضحية تلك الحروب عبر امتداداتها الزمنية وحواملها الفكرية.. وانتماءاتها العقائدية.. لُعن البطل بهويته التي تواترت عليه عبر القرن الماضي وبداية قرننا الحالي.. هو أولا يهودي حقيقي يعيش في العراق حرب فلسطين، ثم هجرته تداعياتها من بلده، وهو شيعي يسكن بغداد كتبعية إيرانية دام طويلا.. غير أن الثورة الصدامية هجرته مجدداً من العراق، ثم اختتم حياته بجنسية عراقي من الطائفة السنية هجّرته الثورة الإيرانية ليعيش ضحية الهوية .. وليموت ويقتل أخيرا بيد غوغاء الميلشيات في العراق.. وليقع صريع حبه.. لمكانه الأول ويموت ضحية شك في تواطئه مع الأميركيين، بعد أن يزوره ابنه مئير الأميركي الجنسية !! إذا، هو البطل العائد والمصر إصراراً مريباً على تلك الهوية العراقية.. التي فضلها لانتمائها للجمال الذي يدركه، ويعيه ويختاره بحس إنساني لا يتكرر.. إنه بطل يقبل كل الهويات، والأديان، والطوائف.. سيصبح هذا البطل هو الحامل الأكثر حضورا لكل نتاجات أوطاننا وتعصبها ومشاكلها وحروبها وغوغائيها.. وتناقضاتها.. وضحية حاضرة بقوة لهوياتها الضائعة والمنسربة، والتي في النهاية ستقتله.. منذ البداية تطابقت أجزاء القصيدة مع ما ارتآه البطل لحياته من تعددية مثيرة للفضول، ومنحت القصيدة بأجزائها "البطل" مفهوما ومعناً فكريا وجماليا، وإنسانياً لعاشت بغنى متفرد واستثنائي ثلاث حيوات في شرق بليد لا يمنحك عادة سوى أضغاث حياة..!! ويمكن أن نقارب الرواية جماليا عبر معمار موسيقي سيمفوني، هو أقرب لروح الشخصية التي احترفت طوال حياتها العزف على آلة الكمان..رواية بناؤها موسيقي حاد وواضح، لا ينكره تقسيم الكاتب نفسه..