أعمال متنوعة لم تخلُ من الانتقادات! ما يميز الدراما السورية للموسم الرمضاني الحالي تجسيدها البيئة الدمشقية بشخوصها وأزقتها و طرازها المعماري الفريد وحميمية علاقاتها الإنسانية وموروثها الشعبي في أكثر من مسلسل لعل أهمها الجزء الثالث من "باب الحارة" الذي ما زال يحظى بنسبة مشاهدة عالية على الرغم من الانتقادات الحادة التي تعرضت لها "حارة الضبع" بوصفها الحارة الشعبية الضيقة التي "أغلقت الباب على نفسها توجسا و تخوفا من غزو مؤجل"! و وصف البعض المسلسل بأنه فلكلوري مسلي" يخلو من أي "ثقل فكري" و يتسم بالحوار"السطحي" والحبكات السريعة "المسلوقة" ولكونه "يقدم السم في العسل" و يمجد "التخلف العربي" و يعزف على "أوتار العاطفة مستغلا الحنين إلى ذلك الماضي والتاريخ الذي يرتبط به الناس ويشكل جزءا من تكوينهم"..و في هذا السياق اعتبر العمل "رجعيا" بما أطلقه من رسائل :"تعيد تقييم وتبجيل ما أورثته لنا الإمبراطورية العثمانية من أخلاقيات تنظم المجتمع لا تعتمد على التعاليم الدينية قدر اعتمادها على العرف الشعبي السائد الذي تكرس على مدى 400 عام من الاحتلال".. و هذا الفريق يستغرب النجاح الساحق "لباب الحارة" و يسجل العديد من المآخذ عليه، ومنها تغييب الفئات المستنيرة و الوقوع في الأخطاء التاريخية و تصوير المرأة بشكل "مهين" و غير ذلك من المآخذ.. و بين هذا الفريق و ذاك برز فريق ثالث كان له رأي مختلف حين فند أسباب نجاح العمل لكونه لم يخدش الحياء العام كما فعلت بعض المسلسلات، وربطه بحنين المشاهد لثقافة الفروسية والحكمة والتكافل الاجتماعي و قيم الشهامة والمروءة التي يود أن يمتزج معها و يرى نفسه داخل منظومتها الأخلاقية من جديد بعد أن طحنت خصاله الحميدة و مشاعره الجمعية في عصر السرعة و الغزو الثقافي و العري المجاني، و حلت مكانها معاني الأنانية و العزلة والأنا الفردية المتضخمة. الحارة و حارات أخرى.. و بعيدا عن الإيديولوجيات المنفرة و لغة التسييس و المباشرة.. ظل الملا بعينه الإخراجية الساحرة رغم ما قيل عن وقوعه في أخطاء تاريخية متحررا من الرتابة و التعقيد الفني.. وفيا لصورة دمشق القديمة و الابن البار لها و الأمين على أسرارها المكنونة و روحها الواضحة في زواياها و أزقتها الضيقة و حاراتها الشعبية و شخوصها الحميمة المفعمة بالإنسانية والألفة والحس الوطني، والتي نحتها بحرفية و إتقان و حسن إبداعي عالي حين أسند أدوار عمله للممثل المناسب الذي بدوره كان عنصرا فاعلا في هذا النجاح بتقمصه لشخصية بدا أنها استحوذت طويلا على اهتمام المشاهد العربي وأخذت حيزا هاما في يومياته خلال شهر رمضان الكريم.. و يبقى إصرار الملا على اختتام أعماله بنهايات مشرقة بالأمل و التفاؤل بالشخصية العربية الواعية نقطة بارزة في نجاحه كفنان له بصمته الإبداعية القادرة على الدخول إلى البيوت العربية بسلاسة و دون استئذان.. واللافت أن نجاح المخرج بسام الملا في"باب الحارة" شجع مخرجين آخرين لتقديم هذا النوع من الأعمال الذي يسلط الضوء على البيئة الشعبية بعين "سياحية" ضمن حبكة درامية جميلة وأحداث مشوقة كمسلسل "أهل الراية" للمخرج علاء الدين كوكش و بطولة النجم جمال سليمان و كاريس بشار و رفيق سبيعي و منى واصف و خالد تاجا و سليم كلاس و سمر سامي وآخرين.. و أيضا مسلسل "الحصرم الشامي" للمخرج الشاب سيف الدين سبيعي، و هو من بطولة : عباس النوري و فارس الحلو و خالد تاجا و قصي خولي و يارا صبري و غيرهم..بالإضافة إلى مسلسلات شعبية أخرى حظيت بمتابعة واسعة كمسلسل: "بيت جدي" و مسلسل:"الحوت" الذي صور البيئة الساحلية و حياة الصيادين و مسلسل"باب المقام" الذي ركز على البيئة الحلبية.. الحارة و التاريخ والكوميديا ! فالحارة الشعبية ظلمت أعمالا أخرى أكثر أهمية من وجهة نظر النقاد كمسلسل "ليل و رجال" الذي يشرح أبعاد السحر و الشعوذة كعادة سيئة من عادات اجتماعية قديمة ليست من الدين في شيء و قد أكل الدهر عليها و شرب لكنها مازالت تعشعش في وجدان شرائح واسعة من الجمهور العربي..و مسلسل "رياح الخماسين" للمخرج هشام شربتجي الذي يتصدى من خلاله لظاهرة الفساد و ينتقدها بجرأة عالية و مصداقية بلغت الذروة..بالإضافة إلى مسلسل هام للمخرج المبدع أنور قوادري و هو "عرب لندن" الذي تناول حياة المهاجرين العرب في الغرب و علاقتهم بالآخر و بالوطن بمشاركة متميزة من الفنانين السوريين و العرب، كما ظلمت الأعمال التاريخية و خصوصا مسلسل "أبو جعفر المنصور" الذي شهد تألق بطله النجم عباس النوري لكنه لم يحظ بتوقيت عرض مناسب كما رأى البعض، بينما أثار مسلسل "قمر بني هاشم" عاصفة من الانتقادات و الجدل في الأوساط الدينية بسبب مشاركة فنانين مسيحيين بأدوار رجال الصحابة المسلمين في العمل، و هو ما نفاه بشدة مخرج العمل محمد شيخ نجيب بتأكيده أن هدف العمل نقل السيرة النبوية بصيغةٍ مشابهةٍ لما وردت في الأحاديث والخطب "بصورةٍ محببة وروحانية تدخل قلبه". أعلى نسبة مشاهدة! نجوم الدراما السورية الذين أثبتوا براعتهم و حرفيتهم و تألقهم تميزوا في مسلسلات رمضان 2008 بالتلقائية و العفوية والمعايشة التامة للشخصيات و الأدوار التي يقومون بتمثيلها، و يتمتعون بذكاء واضح في تأكيد حضورهم عبر ما نشاهده لهم من اختيارات فنية تجدد طاقاتهم و تقدمهم بالشكل الأفضل دائما..و كان الفنان السوري سببا في نجاح الدراما السورية 2008 إذ نجحت في احتكار أعلى نسبة من وقت الجمهور في رمضان 2008 بحسب ما أورده تقرير إعلامي سوري رسمي بعد تحقيقها نمواً قياسياً نسبته 30 بالمائة. ونقل التقرير عن رئيس لجنة صناعة السينما والتلفزيون في غرفة صناعة دمشق وريفها، عماد الرفاعي، قوله إنّ تكاليف الإنتاج وصلت إلى ملياري ليرة سورية، ساهمت في تشغيل 5 آلاف من أصحاب الكفاءات والمبدعين السوريين في مجالات العمل الفني المختلفة، ويتراوح سعر الحلقة التلفزيونية عند عرضها على إحدى الشاشات حصرياً بين 20 إلى 30 ألف دولار، فيما يدفع التلفزيون السوري من 3 إلى 5 آلاف دولار للحلقة دون أن يكون حق العرض حصرياً.