بمناسبة مرور عشرين سنة على أحداث الخامس أكتوبر 1988، هل ترون أنها ساعدت على الانفتاح السياسي؟ لا، أحداث أكتوبر لم تساعد على ميلاد الديمقراطية ولم تكن في صالحها. لماذا ؟ أحداث أكتوبر أدت إلى تعديل الدستور ومن ثمة ميلاد التعددية الحزبية، التي مثلت مشكلا للجزائر آنذاك، حيث وجدت نفسها بعد أن كانت بحزب واحد قبل 1988 ب 60 حزبا غزت الساحة السياسية، فالتغيير كان عنيفا في وقت وجب أن يكون خطوة بخطوة، ولم تكن هناك مؤسسات ناجعة وناضجة سياسيا لتمثيل الشعب، ليجد "الفيس" الطريق فسيحا أمامه لاكتساح الساحة. بما أن الدستور آنذاك كان يضيق على مثل هذه المنظمات، كيف نشأت رابطتكم ؟ كان نوعا من التطور المدني والسياسي، وخاصة من طرف الحركة البربرية، حيث كانت حينها رابطتان تنشطان في مجال حقوق الإنسان لا تعترف بهما الحكومة والتي رأت فيهما خطرا عليها، واحدة ليحي عبد النور والأخرى تحت رئاسة عمر منور، فأرادت التخلص منهما بفتح المجال لرابطة موالية لها بديلا عنهما ومن هنا استدعيت للتفاوض حول إنشائها، حيث كان لها دور كبير بعد أحداث أكتوبر. أحداث أكتوبر، هل كانت مبرمجة كما يقول البعض ؟ بل كانت عفوية نتيجة ثورة شباب على الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت سائدة آنذاك. إذن أنتم تعيبون على الشاذلي إصلاحاته؟ لا، إصلاحات الشاذلي كانت معقولة ولكن الظروف جاءت ضده. في خضم الأحداث، ألا ترون أن الجيش تدخل بطريقة عنيفة؟ لم يكن أمامه الاختيار، فعدم قدرة الحكومة على التحكم في الأوضاع وتهدئتها أدت بها لللجوء إلى الجيش الذي لم تكن له الخبرة الكافية للتحكم في الوضع. بصفتكم كنتم تشرفون على تعويض ضحايا مأساة أكتوبر، هل يمكنكم الإفصاح عن العدد الحقيقي للضحايا؟ أشرفت في ذلك الوقت على لجنة مختلطة مكونة من إطارات في وزارة العمل والضمان الاجتماعي لتعويض الضحايا، حينها استقبلنا حوالي 180 عائلة لأشخاص قتلوا خلال الأحداث وحوالي 1400 الى 1500 جريح، ويمكن أن أقول أن قرابة 10 عائلات لم تبحث عن التعويض، ما يجعلني أؤكد أن العدد الحقيقي للقتلى لم يتجاوز 200 شخص. كما استطعنا أن نخرج 600 شاب من السجون تم اعتقالهم في خضم الأحداث، وأتذكر أن العائلات احتجت على مصدر التعويض، لأنه كان من ميزانية وزارة العمل والضمان الاجتماعي، الأمر الذي جعلهم يقولون "إننا لسنا ضحايا حوادث عمل وإنما ضحايا دولة" ولكن نقص الموارد المالية جعل الدولة تلجأ إلى أموال الضمان الإجتماعي. وبعد التعددية ما كان مصير اللجنة؟ أنا ترأستها إلى غاية 1998 ثم استبدلت بيوسف فتح، الذي بقي على رأسها مدة ثلاث سنوات حاول خلالها التقرب من الإسلاميين ونادى بفتح باب الحوار معهم والتعايش في سلام، لكنه اغتيل بعدها مباشرة . كيف عشتم فترة الانتخابات؟ في الحقيقة أنا كنت ضد إجراء الانتخابات، واعترفت للشاذلي بذلك، حين جمعني به لقاء، فتكلمنا عن التعددية، وقلت له: "سيدي الرئيس، الإسلاميون سيفوزون بالانتخابات" ألا ترون أن منع الإسلاميين من اعتلاء السلطة خرق لمبادئ الديمقراطية؟ إن للديمقراطية أبعاد فلسفية فهي احترام إرادة الشعب، ولكن أيضا لها مبادئ لم تتوفر لدى الإسلاميين، فهم لم يمثلوا تيارا ديمقراطيا يحترم حقوق الأقلية وحقوق المرأة، إلا إنني لم أشك يوما في نزاهة انتخابات سنة 1991، فهي الأنظف في تاريخ الجزائر. ماهي ردة فعلكم بعد نتائج الانتخابات؟ كنت أعلم، كما قلت لك، أن الفيس سيحصد الأغلبية، فلم اتفاجأ بذلك إلا أن تعديل قانون الانتخابات جعلني أقول لأحمد غزالي بأن "تعديل قانون الانتخابات بعد أن حصد الفيس الأغلبية لن يأتي بثماره، بل سيحدث بلبلة أنتم في غنى عنها، فمعالجة المشكل لابد أن تكون من العمق وليس بالترقيع" وكيف تلقيتم استقالة الشاذلي؟ كنت أول من التقى الشاذلي بعد استقالته بساعتين.. وأتذكر شيئا واحدا قاله لي: "حتى اللحظة الأخيرة قلت للمسؤولين إذا كان هناك أدنى شك لفوز الفيس فسأوقف مسار الانتخابات قبل ظهور النتائج" أين كنتم أثناء العشرية السوداء ؟ كنت أمارس مهنتي كمحام. ما تقييمكم للوضع بعد عشرين سنة من الدموية؟ أظن أن أحوال البلد شهدت نوعا من التحسن، إلا أنه مايزال هناك العديد من المجالات التي تنتظر إصلاحا وإعادة نظر.