ليس من الصدفة أن تتفق العربية السعودية ومصر على عدم حضور القمة العربية التي دعت إليها قطر، ليس لأن السعودية لا تتفق مع قطر في مسائل كثيرة من بينها أن قطر تنسق مع سوريا أكثر مما تنسق مع السعودية! وليس لأن السعودية غير راضية على أداء حماس بعد أن خرجت حماس من سياق التبعية للسعودية ودخلت في محور سوريا وإيران! لكن السعودية تفعل ذلك لأنها أصبحت أسيرة للنظرة المصرية للأمور، منذ أن ظهر الملك عبد الله وسعود الفيصل على مسرح الأحداث في سياسة السعودية. ومنذ أن سقطت العراق في يد إيران، والعربية السعودية تحاول الاحتماء بالقاهرة في كل أفعالها السياسية! فليس غريبا أن تفرض السعودية، بمباركة مصر، على العرب في قمة بيروت ما عرف بالمبادرة العربية للسلام، وهي شبيهة بكامب دافيد الثانية ولكن على الطريقة السعودية. نعم مصر خرجت من المنطقة كقوة مؤثرة منذ 30 سنة بسبب إمساكها بتلابيب إسرائيل وأمريكا في كل شيء! والسعودية تدحرجت هي الأخرى نحو الخروج من الدور المؤثر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.. وكرست بالموقف الأخير الخروج النهائي من الدور السعودي التقليدي. نعم هناك انقسامات في الصف العربي.. هذا من الأمور الأكيدة.. لكن الأكثر خطورة من هذا هو أن هذا الانقسام لم يعد بالإمكان إصلاحه. فمصر ذهبت بعيدا في التنصل من قضايا المنطقة، وقد عززت صفها بالسعودية.. حتى بات الوضع ينذر باختزال العرب جميعا في مصر والسعودية! وهو موقف مؤسف وخطير.. فيه رائحة التفريط في الحق العربي تزكم الأنوف! مصر والسعودية تفعلان بالجامعة العربية ما تفعله أمريكا وبريطانيا بالأممالمتحدة.. وما يحدث هذه الأيام من مشاكل في غزة يدل على أن مصر والسعودية أصبحتا طرفا في النزاع العربي الإسرائيلي وليس وسيطا كما تحاول مصر أن تقنع به بقية العرب! صحيح أن عقد قمة عربية بدون مصر وبدون السعودية يعد مشكلة، ولكن الأكيد أن العرب لابد لهم من التحرر من الاستبداد المصري-السعودي الممارس عليهم بالجامعة العربية الواهنة مثل هذه الأنظمة! ويتساءل الناس في الشارع العربي لماذا ترفض مصر والسعودية حضور قمة.. وترفضان عقد قمة عربية؟! والسبب واضح وهو عقد قمة عربية الآن وتحت ضغط الشارع وما يحدث في غزة لابد أن يؤدي إلى الحد الأدنى من القرارات التي تخص على الأقل سحب المبادرة العربية من التداول، وفي ذلك ضربة للسعودية، وتجميد مسار التطبيع مع إسرائيل، وفي ذلك ضربة أخرى لمصر! ولهذا، فإن إسرائيل هي التي لا ترى مصلحة في أن تعقد قمة عربية لأن ذلك يجعل ما حدث في غزة قد يؤدي إلى نتائج عكسية مع إسرائيل، ومصر والسعودية لا تريدان المساس بسمعة إسرائيل في المنطقة، حتى لا تظهر قوة جديدة في المنطقة مثل إيران وتركيا.. وربما سوريا، إذا التف حولها بقية العرب.. خاصة وأن ما حدث في بلاد العراق وبلاد الأفغان وفي لبنان أعطى الدليل القاطع على أن الشعوب لم تعد تخاف من أمريكا؛ فما بالك بإسرائيل؟! وعندما تتحدى غزة الصغيرة دولة إسرائيل القوية فإن احتمالات التمرد العام للشعوب على الحكام أصبحت شبه واردة. اإذا انعقدت لقمة العربية في الدوحة بدون مصر والسعودية، لا ينبغي لها أن تجمد العلاقات مع إسرائيل أو أمريكا،بل عليها أن تجمد العمل بالجامعة العربية، وتجمد العلاقات مع مصر والسعودية أيضا. أن تخون مصر العرب، وتتبعها السعودية، فهذا ليس بالجديد، لكن الجديد فعلا هو أن تنزلق ما تسمى بالسلطة الفلسطينية في هذا المسار! ينبغي على حماس ألا تطالب بفتح المعابر مع إسرائيل ومصر، بل عليها أن تطالب بغلق هذه المعابر.. فلا يمكن أن نتصور علاقات عادية بين غزة حماس والمقاومة وإسرائيل! كما لا يمكن أن نتصور علاقات جيدة بين مصر وغزة عبر رفح والحال أن مصر أصبحت الحليف العلني لإسرائيل! وما على حماس أن تطالب به مع المقاومة في الفصائل الأخرى هو فتح الحدود البحرية.. لأن تلك الحدود هي المجال الحيوي الوحيد الذي يسمح لحماس والمقاومة بالعمل خارج إرادة الاستسلام المصرية-السعودية المؤيدة للهيمنة الإسرائيلية. على العرب أن يقبروا ما يسمى بالجامعة العربية بعد أن أصبحت لا تختلف عن الأممالمتحدة في الإساءة إلى قضية العرب الأولى.