فقدت حكومة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أغلبيتها في مجلس الشيوخ لصالح اليسارأمس الاحد في هزيمة تاريخية تعد مصيرية قبل سبعة اشهر من الإنتخابات الرئاسية،حيث وللمرة الاولى منذ عام 1958 فاز اليسار بالاغلبية في مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه اليمين. وأظهرت النتائج الاولية للانتخابات غير المباشرة أن مرشحي اليسار انتزعوا 23 مقعدا على الاقل من حزب المحافظين الحاكم مما يضمن لهم الاغلبية المطلقة. ووصف زعيم كتلة حزب الاتحاد من اجل حركة شعبية اليميني في مجلس الشيوخ جيرار لارشير فوز اليسار بانه حدث سيكون له توابع "زلزالية" قبل انتخابات الرئاسة في ابريل نيسان القادم لكن هذا الفوز استقبل بصيحات الفرح من انصار اليسار في اجتماع في باريس. من جهته سعى اليمين الى الحد من اهمية النتائج واعلنت الرئاسة الفرنسية في تصريح مقتضب لوكالة فرانس برس ان "الاليزيه ياخذ علما بنتائج انتخابات مجلس الشيوخ التي هي نتيجة للتقدم الذي سجله اليسار منذ 2004 في الانتخابات المحلية"، بدون اضافة اي تعليق، أما رئيس الاتحاد من اجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبيه تحدث مساء الاحد عن "هزيمة" اليمين، موضحا ان الامر يشكل "خيبة امل لكنه ليس مفاجئا" بعد "الهزائم المحلية المتتالية" منذ 2004. و ان كانت الصدارة تبقى للجمعية الوطنية، الا ان تغيير الغالبية في مجلس الشيوخ سيحدث تغييرا كبيرا في سير عمل البرلمان لا سيما وان اليسار بات قادرا في مجلس الشيوخ على تأخير اقرار القوانين، وفي موقف مماثل لموقف الاليزيه، اقر رئيس الوزراء فرنسوا فيون ب"تقدم قوي" للمعارضة "تزيد من حجمه انقسمات اليمين". و قال فيون "ان ساعة الحقيقة ستدق في الربيع المقبل" ، وفي انتظار هذه الانتخابات الرئاسية في ابريل وماي 2012، ستتمكن الحكومة اليمينية من مواصلة سياستها بالاستناد الى غالبيتها في الجمعية الوطنية التي يمنحها دستور 1958 دور الصدارة على مجلس الشيوخ ، وقال ارليم ديزير زعيم الحزب الاشتراكي بالوكالة خلال حملة الانتخابات الحزبية لتعيين مرشح الحزب للرئاسة، معلقا على هذه النتائج "انه تقدم تاريخي لليسار وتصويت عقابي اكيد للاتحاد من اجل حركة شعبية". و دعي الناخبون الكبار أي نحو 72 ألفاً من أعضاء المجالس المحلية أمس لتجديد 170 مقعداً من أصل 348 أصبح يضمها المجلس. وسيتم تجديد نصف مقاعد المجلس في 44 محافظة، بما في ذلك ستة مقاعد أخرى للفرنسيين في الخارج. و أكدت آخر النتائج انتصار اليسار الذي يفوز ب 177 مقعدا من أصل 348 في مجلس الشيوخ ما يزيد بمقعدين عن الغالبية المطلقة. وأعلن فرنسوا هولاند الذي يتصدر استطلاعات الراي بين المرشحين لتمثيل الحزب الاشتراكي في السباق إلى الرئاسة، إن هذا الفوز يشير إلى "تفكك نظام ساركوزي" وهو بنظره "ينبئ" بنتائج الانتخابات الرئاسية عام 2012. رغم أن مجلس الشيوخ لا يمكنه إسقاط حكومة، لكنه يستطيع منع إدخال تعديلات على الدستور. كما أن رئيس مجلس الشيوخ هو ثاني أرفع شخصية سياسية في البلاد. ووفقاً للدستور فإنه في حالة استقالة رئيس الدولة أو وفاته خلال توليه منصبه، فإن رئيس مجلس الشيوخ يتولى المنصب لحين إجراء انتخابات جديدة. و يمثل مجلس الشيوخ الفرنسي الذي يهيمن عليه الذكور والمسنون، الكيانات الريفية الفرنسية الصغيرة المحافظة تقليدياً. وينتخب أعضاؤه وفق طريقة اقتراع معقدة وغير مباشرة، بالأغلبية أو بالنسبية. و لا ينتخب الشعب أعضاء مجلس الشيوخ مباشرة، بل ينتخب أعضاء المجلس من قبل 71951 مندوباً منتخباً معظمهم من المجالس المحلية والإقليمية ،وهذا النظام الانتخابي المعقد الذي يعتمد النسبية او الغالبية بحسب المقاطعات، سبق ان اعطى الافضلية لليمين. و من المفترض ان يعود هذا المنصب الى عضو يساري في مجلس الشيوخ بعد التصويت المقرر في الاول من اكتوبر. كما قد تؤدي هذه الانتخابات الى تعديل وزاري في حال طالب ساركوزي باستقالة الوزراء الذين انتخبوا في مجلس الشيوخ. وعندها تطرح مشكلة تبديل جيرار لونغيه الذي تم انتخابه، في وقت تخوض فرنسا عمليات عسكرية في ليبيا وافغانستان. و في هذا السياق، فان مناقشات ميزانيتي الدولة والضمان الاجتماعي للعام 2012 اللتين ستحكمان خطة التقشف التي ستعتمدها الحكومة قد تشهد توترا كبيرا ومواجهات شديدة. كما ان هذا الانتصار لليسار يحتم تغيير رئيس مجلس الشيوخ الذي يعتبر ثاني شخصيات الدولة ويتولى مهام الرئاسة بالوكالة في حال كان الرئيس عاجزا عن ذلك لسبب ما، ويملك صلاحيات تعيين مهمة. ولن يتمكن مجلس الشيوخ برغم هيمنة اليسار من تعطيل خطط ساركوزي التشريعية لكن فقدان اليمين لمعقل يسيطر عليه منذ فترة طويلة يمثل انتكاسة رمزية خاصة عندما يؤخذ جنبا الى جنب مع التراجع المستمر في شعبية ساركوزي الذي ما زال واحدا من اقل الرؤساء شعبية في فرنسا في فترة ما بعد الحرب ويتوقع أن يجد صعوبة في الفوز في انتخابات الرئاسة التي تجرى على جولتين في افريل و ماي 2012.