ساركوزي يتكبد هزيمة سياسية تاريخية قبل سبعة أشهر من الرئاسيات مني حزب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أول أمس بهزيمة سياسية قاسية بعد أن فقد الأغلبية في مجلس الشيوخ لصالح المعارضة اليسارية. و تمثل هذه الهزيمة التي وصفت بالتاريخية ضربة موجعة لليمين بشكل عام المتورط في سلسلة من الفضائح المالية و السياسية، و لساركوزي شخصيا الذي طالته هذه الفضائح و ارتبط اسمه على وجه الخصوص بفضيحة التمويلات غير الشرعية لحملته الانتخابية لسنة 2007 . و من شأن هذه الهزيمة أن ترهن حظوظ ساركوزي في الرئاسيات المقبلة، خاصة و أنها جاءت قبل سبعة أشهر فقط عن موعد إجراء هذا الاستحقاق الذي يعتزم ساركوزي خوضه . وكانت النتائج قد أكدت مساء أمس فوز اليسار بالغالبية المطلقة في مجلس الشيوخ بعد أن حاز على 177 مقعدا من أصل 384 من مقاعد المجلس. فقد حقق اليسار الفرنسي أول أمس انتصارا تاريخيا بفوزه للمرة الأولى منذ أكثر من خمسين عاما بالغالبية المطلقة في مجلس الشيوخ، ما يعزز أماله في الفوز على الرئيس ساركوزي في الانتخابات الرئاسية لسنة 2012. وقال جان بيار بيل رئيس كتلة الاشتراكيين في مجلس الشيوخ "لأول مرة يشهد مجلس الشيوخ تناوبا" مؤكدا أن "مسيرة التغيير بدأت".وأكدت آخر النتائج القادمة من جزر الأنتيل الفرنسية انتصار اليسار الذي يفوز ب177 مقعدا من أصل 348 في مجلس الشيوخ ما يزيد بمقعدين عن الغالبية المطلقة.وأعلن فرنسوا هولاند الذي يتصدر استطلاعات الرأي بين المرشحين لتمثيل الحزب الاشتراكي في السباق الى الرئاسة، أن هذا الفوز يشير الى "تفكك نظام ساركوزي" وهو بنظره "ينبئ" بنتائج الانتخابات الرئاسية عام 2012.وفي انتظار هذه الانتخابات الرئاسية في أفريل و ماي2012، ستتمكن الحكومة اليمينية من مواصلة سياستها بالاستناد الى غالبيتها في الجمعية الوطنية التي يمنحها دستور 1958 دور الصدارة على مجلس الشيوخ.ومجلس الشيوخ الذي كان وليد الثورة الفرنسية، مكلف مع الجمعية بالنظر في مشاريع القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والتصويت عليها.وشكلت النتائج التي وردت تباعا ضربة قاسية للغالبية مع هزيمة وزير المدينة موريس لوروا وفوز اليسار بمقعد ثامن في باريس حيث لم يعد الإتحاد من أجل حركة شعبية، الحزب الرئاسي، يشغل سوى مقعدين في مجلس الشيوخ.وحقق اليسار تقدما كبيرا في العديد من المقاطعات وصولا الى تسجيل انتصارات في معاقل يمينية مثل "لوزير" في الجنوب.وقال ارليم ديزير زعيم الحزب الاشتراكي بالوكالة خلال حملة الانتخابات الحزبية لتعيين مرشح الحزب للرئاسة، معلقا على هذه النتائج "انه تقدم تاريخي لليسار وتصويت عقابي أكيد للاتحاد من أجل حركة شعبية".من جهته سعى اليمين الذي صعب عليه تجرع هذه الهزيمة، الى الحد من أهمية النتائج وأعلنت الرئاسة الفرنسية في تصريح مقتضب لوكالة الأنباء الفرنسية أن "الاليزيه يأخذ علما بنتائج انتخابات مجلس الشيوخ التي هي نتيجة للتقدم الذي سجله اليسار منذ 2004 في الانتخابات المحلية"، دون إضافة أي تعليق. وعلى اثر النتائج الجيدة التي حققها اليسار في الانتخابات البلدية والمحلية الأخيرة، تمكن من تغيير التوجه السياسي لكبار الناخبين (حوالي 72 ألف منتخب محلي) الذين كانوا مدعوين أول أمس للتصويت بهدف تجديد نصف مقاعد مجلس الشيوخ. وهذا النظام الانتخابي المعقد الذي يعتمد النسبية أو الغالبية بحسب المقاطعات، سبق أن أعطى الأفضلية لليمين. كما أقر رئيس الوزراء فرنسوا فيون ب"تقدم قوي" للمعارضة "تزيد من حجمه انقسامات اليمين".وقال فيون "إن ساعة الحقيقة ستدق في الربيع المقبل" واعترف رئيس الاتحاد من أجل حركة شعبية جان فرنسوا كوبيه مساء أول أمس "بهزيمة" اليمين، موضحا أن الأمر يشكل "خيبة أمل لكنه ليس مفاجئا" بعد "الهزائم المحلية المتتالية" منذ 2004.وان كانت الصدارة تبقى للجمعية الوطنية، إلا أن تغيير الغالبية في مجلس الشيوخ سيحدث تغييرا كبيرا في سير عمل البرلمان لا سيما وان اليسار بات قادرا في مجلس الشيوخ على تأخير إقرار القوانين. وفي هذا السياق، فان مناقشات ميزانيتي الدولة والضمان الاجتماعي للعام 2012 اللتين ستحكمان خطة التقشف التي ستعتمدها الحكومة قد تشهد توترا كبيرا ومواجهات شديدة. كما أن هذا الانتصار لليسار يحتم تغيير رئيس مجلس الشيوخ الذي يعتبر ثاني شخصيات الدولة ويتولى مهام الرئاسة بالوكالة في حال كان الرئيس عاجزا عن ذلك لسبب ما، ويملك صلاحيات تعيين مهمة.ومن المفترض أن يعود هذا المنصب الى عضو يساري في مجلس الشيوخ بعد التصويت المقرر في الاول من أكتوبر المقبل. كما قد تؤدي هذه الانتخابات الى تعديل وزاري في حال طالب ساركوزي باستقالة الوزراء الذين انتخبوا في مجلس الشيوخ. وتواجه ساركوزي الذي حاول الاستثمار السياسي و الاقتصادي في التدخل العسكري لبلاده في ليبيا، العديد من التحديات من أهمها حالة السخط الاقتصادي التي تسود فرنسا بسبب البطالة المزمنة، إضافة إلى أزمة الديون الأوروبية التي وضعت مزيدا من الضغوط على الميزانية الفرنسية.