تتواصل المعارك الضارية في محافظة ادلب السورية منذ ثلاثة اشهر دون هوادة، فيما يلوح في الأفق شبح حدوث كارثة إنسانية بما يفاقم اوضاع ثلاثة ملايين من المدنيين من بينهم اطفال، وسط أنباء عن مواصلة الجيش السوري تقدمه ضد الجماعات الارهابية في المنطقة وتنديد سوريا للوجود التركي على أراضيها. وقد أعربت الحكومة السورية، بوضوح، عن نيتها استعادة إدلب، أخر المعاقل السورية الخاضعة إلى سيطرة المجموعات المسلحة مهما كلف الأمر، وبدعم من سلاح الجو الروسي، بعد اشتباكات ومعارك دامية مع الجماعات المسلحة تمكنت من تسجيل تقدم في عدد من جيوب المعارضة المسلحة شمال غرب سوريا. ومنذ بدء التصعيد نهاية في أفريل، قتل المئات من المدنيين من جراء القصف المتواصل للجماعات المسلحة، ما دفع أكثر من 330 ألف شخص الى النزوح من مناطقهم، وفق الأممالمتحدة، التي أحصت تعرّض أكثر من 25 مرفقاً طبياً للقصف الجوي منذ بدء التصعيد. وتختلف المعارك في إدلب وريف حماة الشمالي عن غيرها، ربما لأنها لا تعني فقط من يحاربون على الأرض، فهناك طرف يشعل المواجهة، حسب المتتبعين في هذه المنطقة، وهو تركيا، الطرف الذي وقع مع روسيا اتفاق سوتشي في 17 سبتمبر الماضي حول استقرار الوضع في منطقة خفض التصعيد في إدلب. وينص الاتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح على طول خط الفصل بين الجماعات المسلحة والقوات الحكومية بعمق 15 إلى 20 كيلومترًا مع انسحاب المسلحين، ثم يتم سحب الأسلحة الثقيلة من هذه المنطقة، وبشكل خاص جميع الدبابات، وأنظمة إطلاق الصواريخ، والمدفعية من جميع فصائل المعارضة المسلحة. دمشق تشجب الوجود التركي وكان وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، قد اعتبر إن تركيا تحتل أجزاء من الأراضي السورية، مضيفا أن قوات أنقرة تحمي جبهة النصرة والجماعات الإرهابية. وأضاف المعلم في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الصيني وانغ يي، مؤخرا، أن بلاده لا تسعى للمواجهة المسلحة مع الجيش التركي في إدلب، لكنه أكد على حق الجيش السوري في أن يتواجد في كافة الأراضي السورية. وشدد الوزير السوري، على أن إدلب محافظة سورية، وسيتم القضاء على التنظيمات الإرهابية فيها، مؤكدا على ضرورة خروج كل القوات الأجنبية الموجودة في سوريا بشكل غير شرعي. وتابع ان تنظيم جبهة النصرة الإرهابي يسيطر على معظم مساحة محافظة إدلب، ويتخذ المدنيين دروعا بشرية، ومن حق وواجب الدولة السورية تخليص مواطنيها من الإرهاب، فهي تحارب تنظيمات اعترف العالم بأسره أنها إرهابية بما فيه مجلس الأمن الدولي الذي أدرج جبهة النصرة على قائمته للكيانات الإرهابية. وفي ذات السياق، شجبت الجزائر التدخل العسكري في ادلب السورية، مؤكدة ان ذلك سيطيل عمر الازمة ويقوض فرص حلها، وفق مصدر مسؤول بوزارة الشؤون الخارجية. وجدد ذات المصدر تضامن الجزائر مع الحكومة والشعب السوري الشقيق، منوها بالجهود المبذولة والتضحيات المقدمة من أجل استعادة السلم والأمن وبسط سيادة الدولة والشعب على كامل التراب السوري. كما شجب التدخل العسكري الموصوف في منطقة إدلب من طرف بلد جار، معتبرا بأن هذا التدخل إضافة إلى كونه إخلال بمبدئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول، فإنه من شأنه إطالة عمر الأزمة وتقويض فرص حلها عن طريق الحوار السياسي. الجيش السوري يواصل تقدمه ضد الإرهابيين ويركز الجيش السوري هجماته على أطراف مركز محافظة إدلب سعيا لإعادة فتح الطرق السريعة الرئيسية التي تمر في مناطق الفصائل المسلحة. لكن وبسبب الدعم التركي للمسلحين، فهي استراتيجية تواجه بعض العراقيل، حسب مراقبين. وألحق الجيش السوري خسائر كبيرة بمسلحي تنظيم جبهة النصرة الإرهابي في معركة الحماميات في الايام القليلة الماضية، وتحدثت مصادر عن مقتل أكثر من 70 مسلحا من التنظيم، فيما وسع سلاح الجو أهدافه في محافظة إدلب. واستهدفت القوات السورية بسلاحي الصواريخ والمدفعية مواقع لتنظيم جبهة النصرة الإرهابي والفصائل المتحالفة معه في عدة بلدات بريف إدلب الجنوبي و حماة الشمالي. وأفادت مصادر اعلامية، أن الضربات المكثفة تركزت على تحصينات لتنظيم جبهة النصرة والفصائل المتحالفة معه في قرى وبلدات كفروما وحاس وكفريا وخان شيخون ومعرة حرمة بريف إدلب. وعلى محور ريف حماة الشمالي، انتهت الاشتباكات بمقتل وإصابة عدد من مسلحي التنظيم الإرهابي وذلك بالتزامن مع قصف مكثف على مواقع المسلحين في بلدة كفرزيتا بالريف الشمالي أيضا. ويرى الخبراء، ان نجاح الجيش السوري هو السبب في اعتداءات الجماعات الارهابية الاخيرة على المناطق السورية، حيث جددت هذه الفصائل المنتشرة بالريف الغربي مؤخرا استهدافها بالقذائف الصاروخية على محيط القصر البلدي وحيي حلب الجديدة ومنيان، ما خلف مصرع ستة مدنيين وإصابة 9 اخرين بجروح بينهم أطفال. ورغم ما قامت به الجماعات المسلحة في سوريا، قال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إن الجهود المشتركة لتركياوروسيا نجحتا في استقرار الوضع بمحافظة إدلب السورية، مشيرا إلى ان لدى البلدين تفاهما مشتركا حول ضمان الأمن في هذه المنطقة. إلا ان المتتبعين يرون ان تصريح اردوغان لا يبدو منسجما مع الاوضاع المتوترة في إدلب وكذا حلب بسبب استمرار هجمات الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا. المدنيون في إدلب على شفا كارثة إنسانية مع اشتداد المعارك، تزداد مؤشرات وقوع أزمة إنسانية كبيرة في ادلب، فسكان العشرات من القرى فروا من منازلهم، ما جعل تركيا تستشعر خطر موجة نزوح جديدة إلى أراضيها، وهذا ما دفعها ربما للإعلان عن عزمها استضافة قمة تجمعها مع روسيا وإيران لبحث هذه المعضلة. ويرتدي الوضع أبعاداً أخطر على ضوء إغلاق تركيا لحدودها، ما يمنع فرار المدنيين من أتون العنف. وتواصل تركيا إغلاق حدودها في وجه الفارّين من الصراع، وسط توقعات بان يتكبّد المدنيون المحاصرون في إدلب والبالغ تكاليف باهظة. وأدت أعمال العنف الأخيرة إلى المزيد من موجات الترحيل، إذ إن بعض السكان انتقلوا من مكان إلى اخر من خمس إلى عشر مرات خلال فترة الصراع، بحيث تواجه المنظمات الدولية صعوبة في مواكبة تحرّكهم. في غضون ذلك، يعيق وجود هيئة تحرير الشام الارهابية في إدلب وسط ارتفاع الهجمات ضد المنشآت الإنسانية، قدرة القطاع الإنساني المُستنزَف أصلاً على الاستجابة للأزمة المُستفحلة، وسط تحذيرات من ان يولّد تدفق للاجئين القابعين تحت وطاة الهجمات، حدود الاتحاد الأوروبي. وفي خضم هذه التوترات، أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، عن اقتراب الأممالمتحدة من التوصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية بخصوص تشكيل اللجنة الدستورية. وأوضح بيدرسون، بأنه أجرى بناء إيجابية وبناءة مع الحكومة السورية، مؤكداً اقترابه من التوصل الى اتفاق معه حول تشكيل اللجنة، ومشددا على ضرورة عودة الاستقرار إلى محافظة إدلب والعودة للعمل باتفاق سوتشي .