عاد الشاعر الفلسطيني، فايق خالد أبو شاويش، إلى أرض الجزائر بعد 18 سنة من الغياب، قادما إليها من غزة المقاومة في عز حرب الثمانية أيام الأخيرة، كشاهد على ما اقترفته يد المستدمر الغاصب، فوجد الجزائر قد تغيرت وتطورت وهو الذي كان يدرس بالمدية اللغة الانجليزية لمدة 11 سنة، التقيناه في أمسية شعرية بمكتبة الشباب بشارع ديدوش مراد، التابعة لمؤسسة فنون وثقافة بدعوة من الشاعرة فوزية لرادي، التي تشرف على الفضاء الثقافي، والتي تعرفت على الشاعر في بغداد، وأسس معها ومع ثلة من الشعراء العرب «اتحاد الأدباء الشعبيين العرب» في بغداد شهر ديسمبر 2012، في رصيد الشاعر أربعة دواوين بالعامية عناوينها هي «خبر عاجل»، «بلاغ للنائب العام»، «الحردون»، «قاعود النوم»، بالإضافة إلى ديوانين بصدد البحث عن ناشر بالفصحى، توجه للشعر الشعبي لأهميته ولوثوق صلته بالهوية والوطن والدولة، مثلما قال، سألناه عن تجربته الشعرية، البدايات ومواضيع قصائده ومساره الفني، تابعوا إجاباته. * حبذا سيدي الكريم في بداية حديثنا لوعرفت قراء الجريدة عن شخصكم الكريم وعن مساركم؟
- يشرفني في البداية أن ألتقي بقراء جريدتكم الغراء، ولا تعرف كم أنا جد سعيد، أنا فايق خالد أبو شاويش قادم من غزة الآن بعد المعركة الأخيرة التي دامت 8 أيام، بداية رحلتي مع الشعر كانت في المدية في عام 1993، في هذا العام ولد في القبيلة شاعر جديد، قدري أن أتحمل نصيبي من الشتات والحرمان ودوما يوشوشني القلم «إن لم تجد ورقا أحفر على الحيطان»، أعشق مغامرة البوح عندما يسكت الكثيرون، فأنا أقول دوما إذا جبن المثقف فعلى الدنيا السلام، بدأت بالفصحى لما عدت إلى ارض الوطن في 1995، التقيت بأحد أصدقائي وكان أستاذا جامعيا فقال لي ممازحا «أنتم الشعراء تجيدون فن الكذب، وأنت قاص جيّد فلم لا تكتب الشعر الشعبي؟»، خاصة وان الساحة الفلسطينية قليل من يكتب فيها بالعامية، أعجبت بالفكرة ورحت اكتب بالعامية إلى أن خرجت قصيدة «أكتب سطرا واترك سطرا» عرضتها عليه فأعجب بها، ثم أقول لا خوف على الفصحى، لأنها لغة القرآن والقرآن باق وخالد، وما جعلني أحب الشعر الشعبي حقيقته ونظمه، لأنه يقودك أردت أم لم ترد إلى التراث، هذا التراث الذي يحمله قلة من الناس، فإذا ذهب هؤلاء ذهب معهم الكثير من كنوز ودرر التراث الشعبي الفلسطيني، ثم أن جرافات الاحتلال عام 1948 دمرت 418 قرية وواصلت عام 1967 ولا تزال تدمر وتزرع المستوطنات، هنا يأتي دور الذاكرة التراثية لتحفظ لنا كل ذلك، من أجل ذلك عشقت الشعر الشعبي، فقرأت كتب التراث كلها ولم أترك عجوزا أو شيخا كبيرا إلا وسألته إلى أن استوت وخرجت معي قصيدتي «أكتب سطرا واترك سطرا».
* تجربتك التي بدأت في الجزائر وتكرسّت في غزة مع منعرج الشعر الشعبي، كيف توالت الإبداعات عبر مسيرة كل هذه السنوات؟
- طلقني شيطان الفصحى واستلمني شيطان العامية وإن كان هناك اختلاف في تسميته، ودعني أسمي ذلك بالاستدعاء الغيبي أو بالإلهام، بقيت سبع سنوات وأنا أكتب الشعر الشعبي، فخرج معي أربعة دواوين: «خبر عاجل»، «بلاغ للنائب العام»، «الحردون»، (السحلية)، وأخيرا «قاعود النوم»، وكلها دواوين في الشعر الشعبي تتحدث عن التراث الفلسطيني، وعاد اليّ بعدها إلهام الفصحى وبدأت أكمل سيرتي معها، فكتبت ديوانين مخطوطين «في ظل شك» بطريقة شعرالتفعيلة مثل درويش وسميح القاسم، و«الصعلوك» في الشعر العمودي.
* كنت مقيما في الجزائر مدرسا للغة الإنجليزية، رحلت بعدها مضطرا وعدت بعد 18 سنة، فكيف وجدت الجزائر بعد هذه الرحلة الطويلة؟
- هذا السؤال جميل ورائع جدا، الجزائر رأيتها كما هي جميلة ببحرها بهوائها، وأنا دائما عندما أذكر الجزائر أقول «لكل شعب ثائر ما ينصر المظلوم بهذا الزمن غير الجزائر»، فالحقيقة أن الجزائر لي فيها ذكريات جميلة ولها عندي منزلة كبيرة، رائعة في كل شيء بشعبها بتراثها بأرضها ببحرها بهوائها بسمائها، لو تحدثت طويلا لا يمكنني أن أكتفي بشيء.
* قال صديقك الأستاذ الجامعي أنك قاص جيّد، فهل كتبت القصة؟
- لديّ في الحقيقة نص مسرحي لم ير النور بعد وهي عندي في غزة، لكنني أعتبر أن الشعر هو فاكهة الأدب وسيد الكلام.
* لقبت ب«أبنودي فلسطين»، لكننا لمسنا أنك لا ترضى بهذا اللقب وتفضّل انفرادك وتميزك باسمك؟
- كنت في أحد اللقاءات مع إحدى الفضائيات في فلسطين، فاتصل بنا أحد الصحفيين وقال لي: أرجو أن تخرج من عباءة الأبنودي، فأجبته بأن لي الشرف أن ألقب باسمه وأن أكون متأثرا به، وأكاد ألتقي معه لسبب واحد كونه من الصعيد وأنا ابن المخيم، فنلتقي في اللهجة في العادات والتقاليد تقريبا وننطق القاف المثلثة، لكن الشاعر يحب أن يشتهر باسمه على كل حال.
- الإبداع واحد من حيث هو، فسواء كتبت القصيدة بالفصحى أو بالعامية، ثم أن الكثير يحسب أن الشاعر يكتب ببساطة ولا يدرون أن الشعر مخاض طويل وعسير، فمن لم يتعرض للضغط والحرارة الشديدة لا يعرف الماس، فالماس قبل تعرضه للضغط والحرارة كان فحما، ومع دوام التعرض لهما أضحى ماسا غالي الثمن، والمثقف سواء أكان شاعرا أو روائيا أوقاصا، حاله كحال الماس.
* بالرجوع إلى نصوصك التي كتبتها، أيها أقرب إلى قلبك؟ وأي بيت هو أقرب إلى وجدانك؟
- قبل أن أجيبك عن هذا السؤال، أريد فقط أن أذكّر بأمر مهم للغاية ولسن تشرشل قال إن بريطانيا مستعدة أن تتنازل عن جميع مستوطناتها إلا عن شكسبير، ونحن للأسف الأديب لدينا هو ثانوي، أما بخصوص القصائد وعلاقتي بها، فأرى بأن كل القصائد هي بمثابة أبنائي سواء كتبتها بالفصحى أو بالعامية.
* مَن مِن الشعراء الفلسطينين والعرب الذين تأثرت بهم؟
- لابد أن يكون الشاعر قارئا جيّدا، وقد قرأت لفحول الشعراء القدامى والمحدثين، فقرأت لسميح قاسم ودرويش طبعا وتأثرت به كما تأثرت بشعراء من غير العرب، فقرأت لإليوت وشعراء المرحلة الرومانسية، وقد بدأ تأثري بالأدب الإنجليزي في قصيدتي «الجنسية بدون»، التي أقول فيها: هاملت يقول إما أكون أو لا أكون، وأنا لو قلت زيه أخون، أصلي أنا لازم أكون لازم أكون.
ومَن مِن الجيل الجديد استقطب اهتمامك ورأيت فيه حامل مشعل التجديد؟
- كل أبناء جيل الشباب من الشعراء أحبائي وإخواني، ولا أحب البعض وأنسى البعض الآخر.
- بالنسبة لشعراء الجزائر، التقيت بالأخت الشاعرة فوزية لرادي في بغداد، حيث جاءت تمثل الجزائر في ملتقى كبير للشعر الشعبي للدول العربية، وتم خلال المناسبة إنشاء اتحاد الأدباء الشعبيين العرب ضم شاعرا من كل بلد، وكنت ممثلا لفلسطين، فعند ذكر الشعراء، لا أحد ينكر الشاعر مفدي زكرياء صاحب النشيد الوطني «قسما»، كما أسمع وأتمنى أن ألتقي بالشاعر الحداثي أزراج عمر، وسليمان جوادي، ومن الشعر الشعبي توفيق ومان، ممثل رابطة الشعراء الشعبيين.
* ما رأيك فيما أصبح يشاع عن هذا الجنس الجديد من الشعر المسمى «الشعر الحداثي»؟ حدثنا عنه.
- أقول أن أي الفساتين ترتدي العروس تبقى عروسا، كما القصيدة التي يوجد فيها سحر البيان، فحقيقة «الشعر الحداثي» أنه ليس شعرا بل مجرد كلام، فأيا كان فهو كلام منمق، وهناك إرادة خارجية لتدمير الأدب، فهم لم يقدروا على تدمير الدين واللغة العربية، وهم يلعبون هذه اللعبة مع الشعر، لكن أقول أن الصالح يبقى دائما صالحا والعكس صحيح.
* وهل صحيح أن الشعر تراجع وأصبح الزمن زمن الرواية بامتياز؟
- لا ليس صحيحا، فالرواية هي الرواية وكذا القصة، ويبقى الشعر شعرا، وهو فاكهة الأدب وسيد الكلام.
* قال أحد الشعراء الشباب خلال الأيام الثقافية لدولة فلسطين في تلمسان، ذكر أمامه درويش، فأعقب بأن هذا الشاعر غطى على الجميع ولابد من الخروج من عباءته ما تعليقك؟
- رحم اللّه درويش، كان هامة وقامة كبيرة، وهو عندي علم فلسطين مثلما قلت في إحدى قصائدي، ولا ننس سميح قاسم، فدوى طوقان وكل الشعراء الآخرين.
* كلمة أخيرة لقراء الجريدة؟
- أختم فأقول: إذا صمتت الأمة عن الجور، فعلى الشاعر أن يصدح، وإذا اشتعلت الفتنة، فعلى الشاعر أن يصلح، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك، فالأمة لعدوها تنبح.