الهجرة حلم يراود العديد من الشباب الجزائري خاصة أمام أوهام الغربة التي سكنت مخيلتهم، الأمر الذي دفع بالكثير من الشباب للبحث عن مختلف السبل للوصول إلى الضفة الأخرى التي صنعت آمالا كبيرة لدى العديد من هذه الطيور التي ترغب في الهجرة والإبتعاد عن جل المشاكل، فيتواصل الصراع لبلوغ الحلم المنشود لمغادرة أرض الوطن، وهو الواقع الذي يعيشه العديد من شباب اليوم أمثال الشاب ياسين الذي بدأت تراوده أفكار الحرڤة بعد انْقضاء فترة تربصه بفرنسا، فإهتدى التخطيط للبقاء في أرض فرنسا رفقة أخويه دون البحث والتفكير في المشاكل التي قد يصطدم بها في ديار الغربة بعيدا عن الأهل والخلان لتبقى الآلام تترصدهم من كل جهة طوال تواجدهم في المهجر. إلتقينا بالشاب ياسين العائد من بلاد المهجر والذي شاء أن يروي وبقلب رحب ل السياسي معاناته في الجنة الزائفة ليعبر ياسين عن معاناته قائلا: آمالي تحولت إلى أوهام لم تكن يوما في الحسبان . * أحلام جمعت بين الآمال والآلام بدأت حياة ياسين المنحدر من بلدية عين بنيان بالعاصمة في ديار الغربة وعمره لا يتجاوز ال23 سنة، بعد أن سافر رفقة أبيه بحجة الدراسة، إلا أن الأمر الذي كان مخططا له من طرف ياسين وإخوته كان غير ذلك بعد أن حطت رحاله في فرنسا يوم 12 مارس من سنة 1994، ليشاء القدر أن يكون هذا اليوم أول يوم يستنشق فيه ياسين هواء فرنسا،ويقول في هذا الصدد (كنت قد خططت رفقة إخوتي لترك أرض الوطن دون العودة أملا في تغيير حياتنا الإجتماعية بأنفسنا وعدم الاتكال على والدي الذي أمن لنا وسيلة لمغادرة أرض الوطن وتطليق حياة اليأس التي كنا نعيشها، فواقع حياتك يدفعك أن تفعل أي شيء لإيجاد مخرج ففقداني للأمل في مجتمعي دفعني للتفكير في الهجرة، وزادت أحلامي كلما كنت أسمع أن فلان نجح وفلان آخر حقق كل أمانيه في ديار الغربة.. فتمكن المغترب من الزواج نجاحٌ في حد ذاته)، ليسترسل ياسين في كلامه قائلا: (بعد إنهائي لتربص في فرنسا عاد أبي إلى أرض الوطن وأصرينتا نحن على البقاء هناك فكان شهر سبتمبر بداية حياة جديدة بعيدة كل البعد عن البلد والأهل في انتظار تحقق تلك الأحلام التي راودتنا بسبب جهلنا لحقيقة حياة الغربة وبما قد نصطدم به في بلاد المهجر، فبدأت تجربتنا في الحياة وبدأ الشعور بالوحدة يسكن فؤادي بالرغم من تواجدي مع إخوتي فمكثنا حوالي 4 سنوات مع بعضنا البعض هناك، ثم إنفصلنا بحثا عن لقمة العيش والإستقلالية الذاتية للسير نحو الأفضل، وفور إنفصالنا توجهت إلى انجلترا رفقة أحد أقاربي من أجل تسهيل أموري وكان يوم إفتراقي مع إخوتي يوم جديد في حياة الغربة، أقمت قرابة الشهرين مع قريبي ثم قررت أن أبحث عن عمل لعلّ وعسى أن يؤمن لي قوت يومي ويضمن لي سقفا يحميني من قرّ وحر الطبيعة القاسية، فعملت لبعض الوقت في إحدى الأسواق، إلا أن تفكيري اليومي في إخوتي وعائلتي دفعني مرة أخرى للبحث عنهم قصد التخفيف من عذابي اليومي الذي يلاحقني في كل مرة، وشاءت الصدف أن إلتقيت بأخي حمزة في إنجلترا، فبقيت هناك لكن فراقي لعدم إجتماعنا نحن الثلاثة مرة أخرة أثّر عليّ، وبعد اتصالات عديدة بالأصدقاء والأهل والأقارب في بلاد المهجر، تأكدت أن أخي في حالة جيدة فاطمئن قلبي لحالته رغم أن آلام الغربة بقيت منحوتة في صدري لبعدي عن خلاني، فرجعت إلى فرنسا مرة أخرى وانقطعت أخباري واتصالاتي بعائلتي لمدة 3 سنوات، أحسست حينها بالوحدة وآلام الغربة خاصة أنني لم أملك بطاقة إقامة في ذات البلد، فعشت مهموما لا أنام من شدة الخوف والتفكير، فلجأت للبحث عن قريب لي في فرنسا من أجل مساعدتي ومدّ يد العون لي كما أنه طمأن عائلتي، مكثت لدى قريبي قرابة 7 أشهر أين ساعدني على الحصول على بطاقة تعريف وشهادة إقامة مزورة من أجل ضمان تنقلي في بلاد الغربة دون خوف، وبعد ذلك قررت ترك بيت قريبي ومواصلة السير في درب مجهول.. قررت التوكل على نفسي دون أن أنكر الجميل الذي وجدته في قريبي بعد الضياع والوحدة عشت مجهول الهوية في بلاد الغربة، ثم وجدت عملا بسيطا في أحد المطاعم التي يمتلكها جزائري بفرنسا، والذي كان له الفضل الكبير في إنتشال وضعيتي الإجتماعية إذ قدّم لي يد المساعدة في الكثير من الأمور فتمكنت من إيجار بيت صغير جمعت فيه أخواي بعد فراق دام سنة كاملة). مهدي هدية من المهجر ولكن... بعد رحلة طويلة من العمل، التعب والبحث عن الرزق الحلال، تعرفت على إحدى المبدعات في الرسم على القماش بفرنسا فقررت الزواج بها ووافقت على ذلك ولا أنكر فضلها عليّ وعلى إخوتي فعملت على تسوية أوضاعي في بلاد المهجر بعد أن كانت طريقة إقامتي هناك غير شرعية، حينها أصبحت أتمتع بكل الحقوق هناك لحيازتي على بطاقة الإقامة بذات البلد، وبعد مرور سنة كاملة على زواجي وهبني المولى عزّ وجل بصبي يشبه القمر أطلقت عليه إسم مهدي ، كان بمثابة هدية رزقني بها الله بعد تعب وحزن فاق 7 سنوات وبعدها قررت الرجوع إلى أرض الوطن لزيارة والدي ووطني الحبيب الذي إشتقت لرؤيته فعشت أحلى الأيام مع أهلي وزوجتي في بلادي وبعد انقضاء شهر كامل عدنا إلى فرنسا.. فور إنتهاء عطلتنا أنا وزوجتي، عدنا إلى فرنسا فشرعت والدة زوجتي في التردد على منزلنا ومنذ ذاك اليوم أصبحت أتخبط في مشاكل مع زوجتي التي كنت أرى فيها رفيق العمر والدرب فإنكسرت أحلامي بعد 3 سنوات من زواجي.. لتتحطم هذه الآمال بين لحظة وأخرى، وتتحول إلى آلام لم تكن يوما في الحسبان وبعد تفاقم الأمر لجأنا إلى أبغض الحلال عند الله الطلاق ، فبدأت حياتي تتعقد أكثر فأكثر مشاكل ومعاناة يومية حيث أصبت بإحباط ومشاكل نفسية بسبب كل هذه المعاناة التي جعلتني أعيش بين أحضان بلد غريب، فبقيت قرابة السنة أبحث عن حل لمشاكلي العائلية إلا أنني عجزت عن إيجاد سبيل وهو الأمر الذي جعلني أندم على إتخاذ قرار الهجرة. ... وأواصر الصبر تتحطم أمام واقع لا يعد بمستقبل (صبرت كثيرا وكنت في كل يوم أصارع نفسي حتى أستجمع قواي لأتمكن من تحمل هذا الواقع المر الذي أجبرت على معايشته، فجربت مرارا وتكرارا حضي لإيجاد حل لمأزقي ومشاكلي ولكن دون جدوى، فبالرغم من تسوية أوضاعي إلا أن غياب الإستقرار من حياتي الأسرية زاد عذابي في بلاد المهجر، فبقيت رفقة أخي الصغير حتى يتمكن من تسوية أوضاعه وبعد مرور سنة قررت العودة إلى أرض الوطن من أجل بعض الترتيبات، إلا أن هذا الأمر لم يكن حلا، فالمشاكل تواصلت على ذلك النحو ولم تتغير الأوضاع ولم تعد المياه إلى مجراها، فقررت البقاء في أرض الوطن دون الرجوع إلى ديار الغربة، فكانت أواخر سنة 2013 موعد عودتي إلى بلادي، عودتي إلى أرض الوطن مكنتني من التخلص من كل الهموم والمتاعب التي كانت تشغل بالي، وبالرغم من كل هذا إلا أن ضميري بقي يؤنبني بسبب تركي لإبني الوحيد جراء تلك المشاكل التي تسببت فيها عائلة زوجتي. فبدأت من جديد في الصراع للخروج من هذا الكابوس الذي أعيشه في مجتمع لا يعد بمستقبل واعد. ويسترسل ياسين في كلامه قائلا: (وما زاد من آلامي تضاعفت في الغربة بسبب فقداني لسند)، فكنت محسودا وكأنما التشرد مكسب وعليك أن تدفع ضريبته نقدا وحقدا، لذا أنا أقول لجميع من يرى في الغربة مقرا لتحقيق الأحلام أنها مجرد أوهام وفاجعة يتم إدراكها عبر مراحل الزمان ولا يستكمل الوعي بها إلا بإنغلاق ذلك التابوت على أسئلتك التي بقيت مفتوحة عمرا بأكمله، ولن تكون هنا يومها لتعرف كم كنت غريبا.. ولا كيف ستصبح بعدها.. لأن الغريب يبقى حزينا حيثما كان).