كثير منا يرى أن الغربة سبيل لتحقيق الأحلام والآمال التي تراود معظم شباب اليوم من أجل تغيير الحال، الثراء، العيش الرغيد والمكانة المرموقة، لتغرس بذلك هذه الآمال حب الغربة وتحقيق الأحلام وراء البحار في نفسية الكثيرين، رغم جهلهم بالقساوة والمرارة التي يتكبدها الكثير من المغتربين الذين اختاروا ديار الغربة لتحقيق أوهامهم، حيث يراهن العديد من المغتربين بحياتهم حتى يتمكّنوا من الوصول إلى الضفة الأخرى أو أرض الأحلام، كما تلقب، وهو ما عاشه عبد الحكيم، الذي قرر الهروب من المشاكل العائلية والعيش بين أحضان الغربة، متجاهلا مشاكل الطيور المهاجرة التي تحط على ارض الغربة وموطن الاحلام، فتصطدم الآمال بآلام لم تكن في الحسبان ولم تراودهم حتى في الاحلام بعيدا عن الاهل والخلان، ويروي عبد الحكيم ل السياسي مشوار حياته في بلاد المهجر، بعد أن حتمت عليه الظروف الاجتماعية القاسية مغادرة أرض الوطن منذ سنة 1997آملا في تحسين أوضاعه، غير أن الأقدار شاءت أن يبقى عبد الحكيم إلى يومنا هذا وحيدا بين أحضان مدينة ليل الفرنسية، بعد أن حط رحاله بإيطاليا. بدأت حكاية عبد الحكيم مع الغربة في سن ال26 سنة بعد ان هاجر الى ايطاليا هروبا من المشاكل العائلية الكثيرة التي فرّقت الاسرة الكبيرة، ليشاء الله ان يكون 15 جوان 1997 يوم انطلاق الطائرة من مطار الجزائر الى ايطاليا في رحلة دامت سنة، لكن وبحكم الظروف السائدة في عائلة عبد الحكيم، دفعته ل الحرڤة والمكوث في ايطاليا لفترة أطول ثم يرحل بعد ذلك الى فرنسا، ظنا منه ان هروبه من المشاكل العائلية سيجنّبه مشاكل اخرى غير ان حياة عبد الحكيم زادت تعقيدا بين احضان الغربة، ويقول عن وضعيته هناك الله غالب، الظروف حتمت عليّ تحمل عذاب الغربة على ان ارى اسرتي تتشتت بين اعيني وانا عاجز على إنقاذها من الدمار، وهناك بدأت حياة جديدة مليئة بالأسرار والمفاجآت . انقطاع أخبار عائلتي.. ضاعف مأساتي بعد أن رحلت إلى فرنسا، انقطعت أخباري واتصالاتي بعائلتي لمدة 3 سنوات، حتى ظن أهلي أنني فارقت الحياة بسبب غيابي لفترة طويلة، شعرت بالوحدة وآلام الغربة خاصة انني لم أملك وثائق تثبت إقامتي في هذا البلد، فعشت مهموما أفتقد للنوم من شدة الخوف والتفكير، فقررت البحث عن اقاربي بفرنسا لأطلب المساعدة، فكان ابن عم والدي هو من مد لي يد العون وزود عائلتي بأخباري، بما أنني كنت في عداد الموتى لانقطاع اخباري التي من شأنها إثبات انني على قيد الحياة، أقمت رفقة قريبي حوالي 7 اشهر حيث ساعدني في الحصول على بطاقة بطاقة هوية وشهادة إقامة مزورة من اجل ضمان تنقلي في بلاد الغربة دون خوف، وبعد ذلك، قررت ترك بيت قريبي حتى لا يمل مني ويطردني طبقا للمقولة الشهيرة لا تكثر على الملوك.. ليملوك ، فقررت ان اتوكل على نفسي دون نكران الجميل الذي وجدته في قريبي بعد الضياع والوحدة التي عشتها هناك بما أنني كنت مجهول الهوية في بلاد الغربة . التمرميد والنوم في الكرطون تركت بيت قريبي عازما في نفسي على صنع مستقب زاخر، فكانت ايامي تحت قر الشتاء وحر الصيف مفترشا الكرطون وهذا لعدم تحصلي على عمل أقتات منه، قضيت أيامي في ضيق وشدة، فاضطررت الى غسل الاواني في احد محلات الفاست فود، الا ان الاستغلال الذي كنت اعانيه عجّل من نفاد صبري، فقررت بعد ذلك، بيع الملابس في السوق بطرق غير شرعية وهذا من اجل الاسترزاق بالحلال وعدم إثارة المشاكل، فكنت كالمجاهد أعمل ليل، نهار من اجل توفير بعض الدنانير وادخارها من اجل تأمين أجرة منزل يأويني ويقيني من المشاكل التي كانت تعترض طريقي كلما لمحت جدران الغربة بين افرشة الكرطون، وبعد مرور شهور عديدة على هذا الوضع، قمت انا واحد الأصدقاء المقيمين هناك باستئجار احد المحلات لمزاولة عملنا بطريقة قانونية وإلى غاية اليوم لازلت اعمل مع صديقي دون أي مخاوف من مصادرة المصالح الامنية لسلعتنا أو حتى إحالتنا على البطالة، ولكنني لازلت أعاني آلاما في قلبي بما أنني عشت حياة الذل والهوان بعيدا عن ارض اجدادي التي حرمتني منها المشاكل العائلية، رغم أنها كانت ستحل يوما ما غير ان الضغوط النفسية املت عليّ الهجرة وحرمتني من طعم الاعياد والمناسبات التي كانت تلم شملنا، فبعدي عن وطني، ابعدني عن طعم اللمات العائلية في الأعياد وبالخصوص خلال الأيام الرمضانية وطعمها الخاص في ارض الوطن وهذا دون الحديث عن عيد الفطر وعيد الاضحى الذي تعودت ان اقضيه مع والدي، الا أن الأقدار شاءت ان تحرمني من هذه الحياة بعد ان غادرت وطني الحبيب . تغيّبت عن جنازة أمي.. بسبب عدم تسوية وضعيتي بعد انقطاع اخباري عن عائلتي، اتصلت لاطمئن عنهم، فاصطدمت بوفاة امي، خاصة أنني لم اسمع بوفاتها الا بعد مرور شهور عديدة، فكان نبأ وفاة امي الغالية التي سهرت الليالي وتعبت لاجلي حتى أصير رجلا، بمثابة صاعقة، فاكتفيت بالبكاء عبر الهاتف، فعانقتني ايام الحزن والآلام لشهور عدة بسبب غياب الرفيق المؤنس لي في الغربة، فتيتمي بعيدا عن الاهل والاقارب زادني عذابا وهذا كله بسبب عدم تسوية وضعيتي قانونيا لأعيش بذلك حالة هيستيرية حقيقية في ظل حياة مجهولة العادات والتقاليد لاتمت مجتمعنا بأي صلة، وامام هذه الاوضاع التي عشتها، تألمت وحيدا ما حفزني على تسوية وضعيتي في أقرب وقت، لأتمكن من رؤية تراب امي قبل ان يجف . سويّت وضعيتي بعد 13 سنة من المعاناة بعد إصرار وتحدٍّ، عزمت على عمل المستحيل للعودة إلى أرض وطني لاستنشاق هواء بلدي، فكانت سنة 2010 إشراقة شمس وطني في وجهي بعد غياب طويل دام 13 سنة وبعزم مني وإرادة، قمت بتسوية وضعيتي، رجعت الى ارض الوطن وكان هذا اليوم ميلادا جديدا لي خاصة وأنني حرمت من رؤية أمي قبل موتها، فحرمت من ذاك الوجه والصدر الحنون الذي سقتني به لأكبر ، وامام هذه العبارات القاسية والمؤلمة التي تلفظ بها عبد الحكيم بعيون دامعة، يسترسل كلامه، داعيا المولى، عزوجل، ان يفسح جنانه ويتغمد بنعمته الواسعة روح امه ويواصل كلامه بالقول مادريت يا لميمة تروحي وتخليني محروق، نطلب تسامحني الظروف هي لرمانتي للغربة . مشاكل عائلتي لم تحل.. فأجبرت على تحمل الغربة ثانية عدت إلى أرض وطني وأسرتي ثانية حتى أتمكّن من العيش رفقة أفراد عائلتي، لكن إستمرار المشاكل العائلية تحت سقف بيتنا جعلني أعدل عن الفكرة وأقرر الهجرة ثانية ووجدت نفسي مجبرا على تحمل معاناة ثانية رغم حيازتي على وثائق الإقامة بإيطاليا، وجهتي الأولى، فارقت وطني مدة 18 سنة لكن لا مستقبل لديّ لم اتزوج ولم أتمكّن من حتى شراء سيارة، فطيلة تلك المدة والى غاية يومنا هذا، لازلت اعيش وحيدا بين احضان الغربة، لتبقى حياتي مجهولة إلى غاية وفاتي بما أنني فقدت طعم الحياة وقست عليّ الايام نتيجة غياب الاهل والخلان، فتفكك العائلة وغياب الدفء والحنان العاطفي حوّل حياتي إلى تعاسة بالرغم من تسوية أوضاعي بالمهجر، لكن الامل ضاع بين جدران الغربة، لتبقى الآلام مغروسة في قلبي ، ووسط هذه القساوة والخيبة التي ملأت حياة عبد الحكيم وأجبرته على البقاء في المهجر، يقول المغترب أن اسباب العودة الى احضان الغربة هي مشاكل عائلته المتواصلة، ويشير بالقول حنيني وشوقي الى ارض بلادي، جعلني أقرر العودة إلى أرض الوطن، لكن فقداني لحنان والدتي وتشتت عائلتي زاد آلامي، فقررت العودة والتألم بين احضان الغربة وحيدا، بعد مرور 18 سنة على هجرتي، شعرت بنفس الإحساس يوم رحيلي، فزادت بداخلي آلام الغربة والتي حفرت جروحها بأعماق قلبي وغرست بداخلي اوجاع وحنين الاحبة وحنين الوطن، بما أن نفسيتي لم تشف من آلام ثناثرت اوجاعها بين الماضي والحاضر وهو ما دفع بي للعودة الى فرنسا والمكوث بها . كثير منا يظن ان الغربة هي احسن سبيل لتغيير الاوضاع المعيشية والنهوض بالحياة الاجتماعية والرقي بها وهذا لجهل الكثيرين بآلام الغربة بعيدا عن الاهل والاحبة، الا ان حياة عبد الكريم تبرز لنا أن اعتقاد الكثيرين خاطئ.