في روايته الأولى اشفيت وأبناؤه ، الصادرة مؤخراً في ترجمة فرنسيّة، والتي كتبها بنَفَس واقعي على طريقة بالزاك وستاندال ونجيب محفوظ، يصّور أورهان باموك مصير عائلة بورجوازية من اسطنبول على مدى ثلاثة أجيال. وتبدأ أحداث هذه الرواية عام 1905، أي عندما تمرّدت النخب التركيّة المستنيرة على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، ثم تلقي الضوء على فترة كمال أتاورك الذي توفي عام 1983، وتكون النهاية عام 1970، أي عندما يقوم الجيش بانقلاب عسكري للسيطرة على السلطة. وفي حوار أجرته معه الأسبوعية الفرنسيّة لونوفال أوبسارفتور ، قال أورهان باموك إن هدفه من روايته المذكورة رسم خصائص البورجوازية التركية التي كانت حليفة لمصطفى كمال أتاتورك، والتي كانت مثله ملائكيّة، ومعجبة بالثقافة الغربية، لذلك كانت تساند كلّ الإجراءات الحداثية والإصلاحية في أول جمهورية تركية. ورغم القوّة والصلابة التي أظهرتها في تلك الفترة، فإن هذا البورجوازية كانت لها جوانب ضعف برزت بالخصوص في تعاملها مع الطبقات الفقيرة والمهمشة، من ذلك مثلًا أنها كانت تتصرف بصلافة مع هذه الطبقات، مظهرة لها الاحتقار تماماً مثلما كانت تفعل الطبقة الأرستقراطية في العهد العثماني. وعن الصراع بين الثقافة الشرقية، والثقافة الغربيّة في تركيا، قال اورهان باموك إن تاريخ تركيا المعاصر يستند إلى رغبة قويّة في الحداثة، وفي فصل الدين عن الدولة، وفي الاقتراب من أوروبا ومن ثقافتها، غير أن هذه الرغبة غالباً ما تكون مرفوقة بشعور بالعجز عن بلوغها، وتحقيقها، غير أنه يعتقد أن المشكلة الحقيقية تكمن راهناً في الهوّة العميقة بين الأغنياء والفقراء، وبين بورجوازية المد، وسكّان الأرياف. وانتقد اورهان باموك سياسة أردوغان قائلاً: إن عدداً من الأحداث التي عاشتها تركيا مؤخرا دلّت بما لا يدعو للشك أنه عاجز عن إدارة شؤون البلاد، وأنه يلجأ إلى العنف والصلابة كلما وجد نفسه وحكومته أمام مأزق صعب. كما أنه -أي أردوغان- يسعى دائماً إلى إحداث الانقسامات بين الأتراك لكي يتمكن من فرض سلطته، ومواجهة خصومه السياسيين. وناعتا إيّاه ب الشعبوي ، قال أورهان باموك، إن أردوغان يكنّ حقداً كبيراً للنخب الحداثية، ويرفض رفضاً قاطعاً التحالف معها. أما نجاح حزبه في الانتخابات الأخيرة، فيعود بحسب رأيه إلى الطفرة الاقتصادية المهمة التي عرفتها بلاده في فترة حكمه. وفي الحوار المذكور، لم يسلم اليسار التركي من انتقادات اورهان باموك، إذ إنه اعتبر أن هذا اليسار فشل فشلاً ذريعاً في ربط علاقات وثيقة مع الطبقات الفقيرة. وربما يعود ذلك بحسب رأيه إلى أنه لم يأخذ بعين الاعتبار ثقافة هذه الطبقات، وتعلّقها بالدين. وختم اورهان باموك حواره للأسبوعية الفرنسيّة قائلاً: تخترق تركيا راهناً توتّرات ونزاعات قصوى. وثمة غضب خفيّ وانقسامات داخليّة، واردوغان يقسّم لكي يحكم. وباختلاقه للانشقاقات داخل الشعب، استطاع أن يمرّر سياسته التسلطيّة، وفساد نظامه .