تسبب فوز الروائي التركي الشهير أورهان باموك بجائزة نوبل لهذا العام 2006 في حرج كبير لسلطة بلاده، على اعتبار أن هذا الروائي ذو الشخصية المثيرة للجدل سيمثل للمحاكمة في 16 ديسمبر المقبل بتهمة إهانة الأمة التركية، وقد تصل عقوبة مثل هذه التهمة إلى 3 سنوات سجنا نافذة، وكان باموك قد صرّح في حوار أجرته معه الصحفية السويسرية »تاغسأ نتسايغ« نشر شهر فيفري ذكر فيه مقتل مليون أرميني و 30 ألف كردي خلال الحرب العالمية الأولى، وهناك قضية أخرى متابع فيها حول الجيش التركي الذي اتهمه باموك، في حوار أدلى به للصحيفة الألمانية ,Die Welt بأنه يعيق التطور الديمقراطي في بلده. رشيد فيلالي الجدير بالذكر أن الروائي أورهان باموك (54 سنة) كان اسمه قد تصدّر جميع أخبار وسائل الإعلام التركية بما فيها الأكثر قومية ومقتا له عند الإعلان عن فوزه بنوبل، وكان بيان صدر من وزارة الثقافة التركية أعربت فيه عن غبطتها بهذا الفوز، مؤكدة بأنه فوز أدبي وليس سياسيا، ومن دون شك فإن السلطات التركية في ورطة من أمرها، فهي، ممثلة في سلطتها القضائية، تريد معاقبة هذا الولد العاق الذي تطاول عليها بالنقد اللاذع وتجرمه وفق الفقرة 301 من القانون التركي على غرار أكثر من 60 كاتبا وناشرا من كافة القوميات بتركيا لنفس التهمة، ومن جهة أخرى فهي لا تخفي سرورها وفرحها البالغ بالفوز رغم ما يشوبه من قراءات سياسية ذات مواقف مضادة لها ومعارضة بقوة، وما ينبغي الإشارة إليه في هذا السياق أن الروائي أورهان باموك يمثل نموذجا حيا للشخصية الإنفصامية الموزعة بين ثقافة الشرق والغرب، فهذا الكاتب الكبير المولود عام 1952 باستنبول، درس في ثانوية أمريكية ببلاده وهو من عائلة فرونكوفونية، وتخصص في الهندسة والصحافة قبل أن يتجه للعمل الروائي، حيث نشرت له عام 1980 رواية »القلعة البيضاء« و»الكتاب الأسود«، وكان باموك ولا يزال مولعا بالنبش في دفاتر التاريخ العثماني والأساطير الصوفية والكلاسيكيات الفارسية كما كتب عنه أحد النقاد الفرنسي، الذي أسدى له مدحا كبيرا حال صدور روايته »الثلج« التي ألّفها بالفرنسية مباشرة وصدرت عن دار نشر غاليمار وهي تطرح الإشكالية الأزلية للمثقفين العرب والمسلمين المتعلقة بصراع الشرق والغرب، لكن باموك الشهير بمساندته الشديدة لحقوق الإنسان، أبدى تطرفا في مواقفه العلمانية المناهضة للحركات الإسلامية، ووصل به الشأن إلى نبذ الفتوى الصادرة ضد سلمان رشدي بشكل يوحي بالاستفزاز أكثر من المعارضة الثقافية المحضة، ومع ذلك فإن هذا الروائي الذي ترجمت بعض رواياته الثمانية إلى العربية وصدرت عن دار الجمل بألمانيا، له عوالمه الخاصة وجماليات نادرة في معالجة القضايا الإنسانية بطريقة متميزة ومثيرة، ولهذا السبب فإن هذه الروايات الثمانية ترجمت إلى 20 لغة عالمية، وكانت قد نالت انتشارا واسعا في تركيا ذاتها.