أضحت موضة إقامة حفلات الزواج شيئا رائجا إلى درجة أن أعراس المنازل تراجعت إلا في حالات نادرة، مما أدى إلى ازدهار قطاع الحفلات، بحيث تحول إلى عامل ضاغط ينغص صفو العائلات الجزائرية التي تدفع أموالا طائلة، لحجز الصالات، فإذا حدث طارئ وتأجل الموعد، يبقى إرجاع العربون أو المبلغ حلم بعيد المنال مما يؤدي إلى إقامة عرس بتكلفة مضاعفة، وتبقى الضحية العائلات الجزائرية التي تجمع مصاريف الأعراس لسنوات ربما، لتضيع إثر حادث أو مصاب لا يتحكم فيه سوى الله، فلا ضمانات ولا أطر قانونية تنظم علاقة ملاّك قاعات الحفلات بزبائنهم. قاعات الحفلات تثقل كاهل المقبلين على الزواج بات اللجوء لحجز قاعات الحفلات تقليدا محببا لدى العديد من العائلات الجزائرية عموما والعاصمية خصوصا، التي تفضّل إحياء أعراسها بها إما طلبا للمزيد من الرحابة في البيوت والشقق العاصمية نظرا للعدد الكبير من المدعوين الذين لا يمكن استيعابهم بالمنزل أو على سطحه، أو للمباهاة وسط الجيران والأحباب، رغم غلاء تكلفة الحجز، لتجد بعض العائلات حلولا وسطى، من خلال لجوئها إلى كراء قاعات حفلات بسيطة، أو إقامة أعراسها ببعض دور الشباب والقاعات الرياضية الجوارية، على أن يتم الحجز أشهرا قبل العرس. الا ان هذه الأخيرة يبدو أنها قد فرضت منطقها أين أصبح الدفع الكلي لحجز الصالات إجباريا وهو ما أثار استياء العديد من الشباب المقبلين على الزواج، وهو ما عبّر عنه العديد من الشباب ممن التقت بهم السياسي خلال جولتها الاستطلاعية أين اعتبر البعض منهم ظاهرة الدفع المسبّق لقاعات الحفلات ابتزازا، بحيث كان الزبون يدفع عربونا وينتظر موعدا، مقارنة مع الوقت الحالي أين يفرض أصحاب القاعات دفع الحقوق كاملة، مما يجعل الزبون مجبرا على إقامة العرس في موعده أو إلغائه مع ضياع مبلغ الدفع، وهذا ما يحدث في غالب الأحيان، حيث اضطرت عائلات لإلغاء مواعيد الزفاف لأسباب قاهرة أو التأجيل، خاصة قبيل الشهر الفضيل، حيث ارتأت بعض العائلات أن تؤجل الموعد إلى ما بعد رمضان، الأمر الذي روته لنا لويزة أين حجزت لزفاف ابنها في إحدى قاعات الحفلات بالعاصمة، على أساس أن يتم حفل الزفاف بعد رمضان، وتقول: دفعت كل ما عليّ من حقوق، حتى أفاجأ باتصال من إدارة القاعة ليخبروني بأن القاعة شاغرة ويمكنك إجراء الحفل الأسبوع القادم ، لتضيف: لم أرتب أموري على هذا النحو وذهبت من أجل الاستفسار حول ما إذا كان هناك خطأ أو خلط ما ، فتقول بأن أصحاب القاعة حدّدوا التاريخ ورتبوا لكل شيء دون إخباري أو علمي ، لتجد نفسها مخيّرة بإجراء العرس في الموعد المحدّد أو إلغائه مع ضياع الحقوق، ويقول ربيع في ذات السياق: أجبرت على إجراء حفل زفافي رغم ظروف عائلية قاهرة تتعلق بحالة وفاة، حيث قدّمت طلبا لتأجيل الزفاف لأفاجأ بالرفض من طرف أصحاب القاعة، أو ضياع ما دفعت من أموال، الأمر الذي عارضته ورفضته لكن كنت خائفا من ضياع حقوق الدفع لأجد نفسي موافقا طواعية ، وعند حجز قاعات الحفلات من طرف المواطنين، نادرا ما يحدّد الزبون تاريخ إجراء الزفاف، إذ يفرض أصحاب القاعات منطقهم بحكم شغور القاعة، التي اتخذها هؤلاء أداة ضغط ووسيلة ناجعة، ليصطدم الزبون حينها بالأمر الواقع والذي يكون عادة ضد إرادته، حيث في الكثير من الأحيان تطرأ تغييرات على ظروف العائلات، كحالات الوفاة أو الحوادث المفاجئة أو إلغاء فكرة الزواج من أساسها، كحالة نسرين التي خططت لإجراء حفل زواجها ثنائيا مع أهل زوجها، حيث دفع الطرفان مبالغ طائلة تحسبا للزواج في العطلة الصيفية، لكن ما لبث أن اختلف الطرفان لأسباب شخصية، لتضيف نسرين: تحديد الموعد من طرف أصحاب القاعة خلط حساباتنا، وحال دون ترتيباتنا . وتفضّل العائلات الجزائرية عادة إجراء الأعراس بقاعات الحفلات نظرا لوضع المنازل وما يفرضه من ضيق، حيث تكون صالة الحفلات الحل البديل من أجل تفادي الفوضى، وبالرغم مما توفره من فضاء رحب وجو مريح، إلا أن ما تفرضه من قوانين صارمة وقواعد غير معقولة، جعلت بعض المواطنين يتجنّبون التعامل معها في إجراء الحفلات. ولم تخف بعض العائلات أسفها من الظروف التي تقام فيها الأعراس اليوم، إذ ذهب ذلك التكافل الاجتماعي واكتنفت البرودة العلاقات الإنسانية، فضلا عن بعض الصدامات بين الأفراد، وتهافت بعضهم على المباهاة بإقامة أفراحهم في القاعات الكبيرة رغم التبعات الثقيلة لعملية تأجير هذه الأخيرة التي تتواصل لشهور لحين تسديد كل الديون العالقة ولو على حساب المصروف الشهري للعائلات. ..والمؤسسات التربوية تتحول إلى حلبة للغناء والرقص في الصيف وفي خضم هذا الواقع الذي فرضت فيه بعض قاعات الحفلات منطقها على المقبلين على الزواج، استفحلت في المجتمع الجزائري ظاهرة تحويل مطاعم بعض المدارس الابتدائية والمتوسطة إلى قاعات للحفلات، فرغم وجود تعليمة تخص وزارة التربية الوطنية تمنع مثل هذه الخروقات، نجد هذه التصرفات في المؤسسات التي تتواجد في الأحياء الشعبية، حيث يتجرأ بعض المواطنين على إقامة أعراسهم داخل المؤسسات التربوية، إذ تستغل هذه العائلات المطاعم والكراسي وطاولات المدرسة لهذا الغرض. ومن بين هذه العائلات، عائلة ب. بوعلام بالرغاية التي تحضّر لإقامة عرس ابنتهم داخل مدرسة ابتدائية، إذ أكدت لنا بأن كل أعراسها أقامتها في ذات المؤسسة كون المدير قريب جدا من العائلة، الأمر الذي سهّل لهم المهمة وأصبحوا يوجهون جيرانهم وأقاربهم إلى إقامة الأعراس في هذه المؤسسة، ضاربين بالقانون عرض الحائط، حيث تستغل جميع الأجهزة الخاصة بالمؤسسات التربوية لإقامة الأعراس، بتواطؤ مديري هذه المؤسسات الذين يسهلون لهم الأمر؛ بينما تتحول هذه المؤسسات طوال العطلة الصيفية إلى حلبات للرقص والغناء في ظل توافد العائلات عليها بقوة مستغلة فرصة تواجد التلاميذ في العطلة. نفس الشيء بالنسبة للمؤسسات الثقافية مثل دار الشباب، أو قاعات الرياضة، وهو ما أصبح يحدث في الكثير من البلديات للتخلص من مشكلة قاعات الأفراح ومواعيدها التي جعلت الجزائريين يلجأون إلى بعض العادات لتخلصهم من هذة المشكلة، وهو ما أعربت عنه مريم من بلدية الرغاية أول من حدثتنا عنه، فهي تقيم في عمارة ولاحظت أن اثنين من جيرانها أقاما الأعراس السنة الفارطة في إحدى الابتدائيات بالرغاية ونظرا لغلاء تكلفة القاعات، فهي تعتزم إقامة عرس ابنتها بنفس الطريقة، فهي توضّح ان جشع بعض أصحاب قاعات الحفلات وإجبار المقبلين على الزواج الدفع الكلي والمسبق ضروري والتي أصبح يطلب أصحابها أسعارا خيالية، أجبر العديد من الشباب للبحث عن مستودع او أي قاعة أخرى لإقامة أفراحها.