طرحت الأسواق مؤخراً كتابا مثيراً للجدل ومهما للغاية حول أبعاد »العلاقة التاريخية« بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، مستعرضا بشكل تفصيلي دور الرئيس الأمريكي هاري ترومان في تأسيس ودعم »دولة« أسرائيل وجعلها من صلب السياسة الخارجية والأمن القومي للولايات المتحدةالأمريكية! ويعود بنا الكاتبان آليس ورونالد رادوش إلى تاريخ 14 ماي 1948، حيث أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحت قيادة الرئيس هاري ترومان، أول أمة ودولة تعترف بدولة إسرائيل، وذلك بعد دقائق قليلة من أعلان سيطرتها على القدس! الأكثر تعقيداً ولكن، يكشف الكاتبان، أنه بينما كانت هذه النتيجة متوقعة سلفا بأن أمريكا سوف ترحب بتشكيل هذه الدولة الجديدة، فإن الرئيس هاري ترومان أقر في السنوات الأخيرة من ولايته أنه برغم من يعتبر قراره الاعتراف بدولة إسرائيل أنه من أكثر اللحظات فخراً له، إلا أنه لم يكن هناك موضوع »أكثر جدلية أو أكثر تعقيدا من مشكلة إسرائيل«. وكان قد أخبر مستشاريه المقربين بأن هذه المحاولات لحل موضوع »الوطن اليهودي« قد خلفه في حالة من »تعب المعركة السياسية«. ضغط اللوبيات واعتمادا على مادة أرشيفية لم يسبق أبداً أن تم استخدامها، فإن كتاب »الملاذ الآمن« يعد السرد الأكمل حتى اليوم عن الأحداث التي أدت إلى اعتراف أمريكا بإسرائيل. ويكشف كل من آليس ورونالد رادوش الضغوط القومية والعالمية التي تحملها ترومان من الناس، بما في ذلك جماعة الضغط واللوبيات الموالية لليهود في العالم، وبعض المستشارين الرئيسيين في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، وكذلك من البريطانيين وممثلي الأممالمتحدة الجدد الذي تركوا أثارهم على الطرفين وأدوا إلى قرار ترومان. ويروي الكتابان بطريقة مشوقة، لحظة بلحظة إعادة تشكيل هذه الدروب المتقاطعة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية والسياسات الشرق أوسطية. والكتاب بمجمله يتمحور حول ذكر دور الرئيس الأمريكي هاري ترومان بالتفصيل في تجزئة وتقسيم فلسطين وتأسيس دولة إسرائيل. وعلى الرغم من أن مؤلفي الكتاب يبدوان متعاطفين مع القضية الصهيونية وترومان، فإنهما يشيران بالتفصيل إلى مواقف وأعمال »الإرهاب الصهيوني« في فلسطين. ويوثق الكاتبان بالشواهد تأثير جماعات الضغط واللوبيات غير الاعتيادية من قبل المجموعات اليهودية على الإدارة والكونغرس، ويصوران خليط الحوافز الذي شكل سياسة ترومان وخياره باتجاه تطوير الأزمة. رفض هجرة كبيرة ويصف الكاتبان دوافع ترومان بأن تكون أمريكا أول دولة تعترف بإسرائيل بأنها مزيج من عدة عوامل منها: تعاطفه الشخصي القوي مع القضية اليهودية، إساءة لمأزق اليهود اللاجئين في أعقاب الهولوكوست، وإدراكه بأن عامة الشعب الأمريكي سوف يقاوم أي هجرة كبيرة جديدة إلى الولاياتالمتحدة من أوروبا، واعتقاده بأن وزارة الخارجية كانت تبالغ في مخاطر سياسة منحازة لليهود في الشرق الأوسط، وإحساسه بأنه يتعين على المملكة المتحدة أن تلتزم بالتزاماتها السابقة حول وعد بلفور، كل هذه الأمور والأفكار يبدو أنها قد دارت في ذهن ترومان حسب الوثائق والمراسلات والأحاديث التي يرويها الكتاب. ويجادل المؤلفان في أنه يبدو أن حسابات ترومان السياسية حول هذا الموضوع لم تكن للحصول على مكاسب بقدر ما كانت لتجنب الخسائر، إذ أن أي إشارة للتردد في دعمه »للدولة العبرية« سيجلب له التهديد من كل من اليسار واليمين وسيسقطه وحزبه من الرهانات السياسية في واشنطن وما وراءها. وفي حال كانت سياسته للفوز بتصويت اليهود، قد فشلت، فقد تأهل ترومان بأعجوبة في انتخابات 1948 من دون أصوات الناخبين من نيويورك وبنسلفانيا.