يبدأ الكاتب قوله في هذا الباب أنه في 29 ماي 1991 وبعد انتهاء حرب الخليج الثانية بثلاثة أشهر تقريباً، كانت الخطة أو المشروع حسب تعبير المصادر تتلخص بما يلي: دعوة الدول الخمس الكبرى أعضاء مجلس الأمن باعتبارها أكبر مورّدي السلاح التقليدي في العالم إلى العمل على وضع قيود على توريد الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط باستثناء ما تحتاجه للدفاع عن نفسها. تجميد حيازة وامتلاك وإنتاج واختبار صواريخ (أرض أرض) ومنع توريدها إلى دول الشرق الأوسط. حظر عملية إنتاج وحيازة المواد النووية التي يمكن أن تستخدم في صناعة السلاح النووي المتطور وتشمل (البلوتونيوم واليورانيوم المخصّب) وضرورة أن تلتحق كل دول الشرق الأوسط بمعاهدة 1967 للحد من انتشار الأسلحة، ويفرض على الدول الأخرى الموقعة أن توقع على بروتوكولات إضافية بموجبها يتم إبقاء وإخضاع منشآتها النووية للرقابة والتفتيش الخاصتين ب (الوكالة الدولية للطاقة الذرية). كل ذلك من أجل إقامة شرق أوسط خال من الأسلحة النووية، وهذا الكلام لا تخضِع المفاعلات الذرية في ديمونه له، بل تبقى إسرائيل اكبر قوة نووية في الشرق الأوسط() التقيد الكامل بمعاهدة الأسلحة الكيميائية. وهنا يلفت الكاتب النظر إلى أن أمريكا لم تُعلن مبادرتها هذه فقط لتفردها بإدارة العالم بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي وتفككه، بل أطلقتها بعد حرب الخليج الثانية بالتحديد، وهذا يعود للانتصار الكاسح الذي حققته دبلوماسياً في تشكيل حلف عسكري سياسي لتبرير حربها والدخول إلى المنطقة، مضافاً إلى الانتصار العسكري الكاسح الذي حققته، والذي أدى إلى تدعيم مركز الولاياتالمتحدة باعتبارها القوة العظمى الوحيدة بالمعنى الاستراتيجي، وذلك من خلال استخدامها أقصى ما بحوزتها من آلة عسكرية متطورة تقوم على تكنولوجيا رفيعة بقصد إرسال رسالة تقول: إِن النصر على العراق في هذه المعركة يستبطن الحسم والانتصار على المنافسين المحتملين كاليابان وأوربا. وإن سيطرتها على دول الخليج بشكل مباشر أو غير مباشر على النفط تمثل أحد المداخل لإعادة صياغة علاقتها بأوربا واليابان، فإنهما وإن كانا قوة بالمعيار الاقتصادي، إلا إنهما من حيث القدرة العسكرية التي تعتبر مقوماً أساسياً لدولة مّا تريد أن تلعب دوراً قطبياً، ليسا موفقين بعد، لأن اليابان لا تنتج الأسلحة النووية ولا تسمح القوانين الدولية بدخولها لأراضيها، كما أن هناك قيوداً دستورية على إِنفاقها الدفاعي، أما القدرات النووية لدول أوربا الغربية بأسرها فتعتبر محدودة قياساً ومكانةً بقدرات الولاياتالأمريكية في هذا المجال. وهنا يضيف الكاتب أن البحوث والمراقبين والمراكز الإستراتيجية تعد العالم ثلاثي القطبية اقتصادياً، ويتكون من الولاياتالمتحدة، وأوربا، واليابان حيث تتحكم هذه الدول بثلثي الإنتاج العالمي، أما من جهة القوة العسكرية فالأمر مختلف، وعليه فبعد الوصول إلى المياه الدافئة بعد حرب الخليج الثانية من قبل الولاياتالمتحدة أو الكينونة على شواطئ المياه يحتاج إلى فاعلية أكثر للوقوف على آبار البترول، كي يتم عزل أوربا واليابان من التحكم بها، وبالتالي تكون أمريكا الدولة الوحيدة بلا منافس بعدما تتمكن اقتصادياً وعسكرياً، حينها ستكون أمام اليابان عراقيل تمنع أخذها حاجتها من المواد الأولية الضرورية لصناعتها، وهكذا أوربا. لذا بعد حرب الخليج الثانية، وبعد أن أظهرت أمريكا قوتها في حسم المعركة لصالحها، رأت أنها لابد أنْ ترسم أطروحتها كاملةً وخارطة الطريق للتحكم بالشرق الأوسط، فأطلقت المبادرة المذكورة، والتي هي في جوهرها ذات مصالح أمريكية من جهة كي تبقى القطب الأوحد من خلال الهيمنة على الشرق الأوسط وآباره، ومن جهة إسرائيلية في تحطيم السلاح النووي والمتطور في الشرق، بعدما وضع هدف حساس في صلب المشروع الأمريكي. من أجل أمن إسرائيل وإبقائها القوة النووية الفاعلة الوحيدة في الشرق الأوسط، يرافق هذا تنامي الشعور لدى إسرائيل بالخوف من تطور السلاح في البلدان الإسلامية والعربية، وتنامي شعور الرفض إسلامياً لإسرائيل، وضعف إسرائيل وهزيمتها أمام الشعور العربي القومي والوطني لدى العرب والفلسطينيين وهزيمتهم في جنوب لبنان، وتصاعد المواجهة من داخل فلسطين بأطر إسلامية مدعومةٍ من دولٍ إسلامية، وهذا هو الذي أسموه الإرهاب، فلا سبيل إذاً إلا إطلاق مبادرة الحد من انتشار الأسلحة مقدمةً لصياغات كبرى مرسومة للمنطقة من مشاريع ذات قوة وفاعلية لإسرائيل، وهي تتمثل بمشروع الشرق الأوسط الكبير. ونلاحظ أيضاً أنه في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن مبادرة بوش عام 1992م المذكورة بشأن تجريد الشرق من السلاح النووي، لا يتم التطرق إلى إسرائيل، مع أنها قبل (16) عاماً كانت تمتلك حدود (100200) قنبلة نووية، وأنها تقوم بتطوير قنبلة نيوترونية وأسلحة كافية لتهديد الشرق الأوسط بأكمله، كل ذلك في مجمعات (ديمونة)، وهذا ما تحدث عنه المواطن اليهودي فعنونو، وهو أول من أفشى سر القدرات النووية الإسرائيلية، ولأنه كان احدَ العاملين في المفاعل، وفوجئ بما شاهده، وما تحدث عنه الباحث وجدي عبد الفتاح، خبير تكنولوجيا الجينات بالمركز القومي للبحوث في محاضرة ألقاها في أبو ظبي، أكد أن إسرائيل استخدمت العقاقير الكيماوية وسائل للتعذيب ضد بعض الفلسطينيين، وهكذا الأوبئة والفيروسات والسموم لوقف مقاومة الجسم لتلك الأمراض. قرارات بوش حيّز التنفيذ ولقد صدرت عن الرئيس الأمريكي وثيقة وجهها إلى مجلس الأمن القومي للولايات المتحدة، تعتبر بكل بنودها تركيزاً على نشاط الولاياتالمتحدة لمنع انتشار الأسلحة النووية والكيماوية وغيرها من أسلحة واسعة الدمار، وركزت على دول العالم الثالث. و قد انعكست هذه المبادرات على مفاوضات التسوية بين العرب وإسرائيل في مؤتمر مدريد في 30 / 10 / 91 وهنا يخلص الكاتب إلى ما يلي: إن سياسة ضبط التسلح التي مارستها الولايات بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبعَدْ حرب الخليج الثانية، إنما تهدف في محصلتها إلى رسم عالم جديد وإبراز معالم لنظام دولي جديد يرتكز على نزع السلاح في الشرق الأوسط لإبقاء التفوق لإسرائيل على حساب الأمن القومي العربي والإسلامي على حد سواء. إذاً النظام الدولي الجديد أدخل في جوهر حركته: 1 - الهيمنة على آبار البترول لعزل القوى الاقتصادية الواعدة، كاليابان وأوربا، من أن تلعب دوراً قطبياً جديداً لتبقى الولاياتالمتحدة وحدها تتحكم بمصائر البلدان والشعوب. 2 - تحقيق أمن إسرائيل من خلال نزع الأسلحة في الشرق الأوسط وإبقاء إسرائيل قوة نووية لا منافس لها. 3 - آليات ما ذكرناه من أسس النظام الذي بشرّ به اليمين الأمريكي نشر الديمقراطية التي يريدون فرضها بحَد السلاح وتصديرها على حاملات الطائرات، بينما الديمقراطية عبر مسيرتها هي إنجاز داخلي تمارسه الأمة، وأكدنا أنهم من أجل أهدافهم لا يمانعون بل جاهروا عملاً وقولاً باستخدام القوة واستعمال الآلية العسكرية، فكان احتلال العراق المحطة الأساسية في تحقيق الهدف والانطلاق منه إلى أهداف إستراتيجية كبرى تعزز بنحو لا عودة فيه الاستقرار للنظام الدولي بكل أيديولوجيّته الجديدة ومن أجل أمن إسرائيل أخذت أمريكا تعمق تحالفاتها الإستراتيجية مع إسرائيل. ملامح التحالف الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي في ظل النظام الدولي الجديد وهنا يشير الدكتور محمد صادق الهاشمي إلى إن العلاقة الأكيدة بين أمريكا وإسرائيل وإن كانت مستحكمة، إلا أنه يمكن القول: إنها تركزت وأخذت بعداً إستراتيجيا واحدا على يد هنري كيسنجر عام ,1973 بعد حرب تشرين الأول أكتوبر؛ بغية إنشاء قاعدة ضخمة جنوب الاتحاد السوفيتي، ولتحويل إسرائيل إلى قوة تدخل سريع لمقاومة التحركات السوفيتية، فقد وجدنا أن الاتحاد السوفيتي قد زود العرب يوماً بمساعدات عسكرية في صراعهم وحروبهم مع إسرائيل. وهنا يعتقد فريق من المحللين أنّ العلاقات بين الولايات وإسرائيل اشتدت أثر الظروف الدولية آنذاك، ووجود القطب السوفيتي، ودخول إسرائيل حليفاً مهمّاً للولايات المتحدة مقابل السوفيت الذين وقفوا إلى جانب العرب في صراعهم ضد إسرائيل. لهذا يرون: أنه بزوال هذه الظروف الدولية وانحلال الاتحاد كقطب منافس في الصراع الدولي يرون أنه يمكن أن يتأثر التحالف بين الدولتين سلباً. إلا أن الذي أكدته الأحداث أنه بالرغم من انتهاء الحرب الباردة وزوال الاتحاد السوفيتي، كقطب استراتيجي منافس للولايات المتحدة، وخروجه عن دائرة الصراع، بالرغم من كل ذلك لم تتأثر العلاقة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل سلبيّاً؛ لأن العلاقة ترتبط بالأهمية الإستراتيجية القائمة والمحتملة لإسرائيل في المستقبل. وما يعزز هذا الاعتقاد تلك التأثيرات التي أعلنها بيل كلينتون في سياق حملته الانتخابية لرئاسة الولاياتالمتحدة 1992 مرشّحاً للحزب الديمقراطي، وهي أول انتخابات رئاسية في الولاياتالمتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وأطلق بيل كلينتون مقولته الشهيرة: (لن نخذل إسرائيل أبداً). وممّا يعزز هذا الاعتقاد صياغة الإستراتيجية الأمريكيةالجديدة المسماة بالضربة الاستباقية، وهذه الدراسة أنجزت استناداً إلى ما جاء في تقرير تنت رئيس المخابرات الأمريكي لسنة 2002 والتي حددت مصادر الخطر بما يلي: 1 الإرهاب. 2 انتشار أسلحة الدمار الشامل. 3 تطور القدرات القتالية لدى دول كثيرة، ومنها من تطمح لدخول النادي النووي. وهذا ما أكدته صحيفة واشنطن بوست في 10 / 6 / .2002 وأيضاً شهد البنتاغون في شهر يونيه 2002 مناقشة طويلة حول مبدأ جديد للسياسة الخارجية وإستراتيجية الولاياتالمتحدة في العالم والذي أقر سياسة الضربة الوقائية، وتلازم الدفاع بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل. واللافت إن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تستند منذ (50) عاماً ولا تزال إلى فكرة الضربة أو الحرب الاستباقية أو الوقائية، وهي طورت من أجل هذا الغرض سلسلة طويلة من قواعد العمل، وأنماط الأسلحة وغرف التخطيط التي يمكن أن تفيد منها للغاية المؤسسة العسكرية الأمريكية. وهذا لا يعني أنَّ العراق فقط هو الهدف الأول والأخير، بل ستكون هناك دول أخرى خاصة مع تطابق كامل بين التوجهات الإستراتيجية الأمريكيةالجديدة، والتوجهات الإسرائيلية القديمة المتعلقة بمبدأ الهجوم الوقائي، وأيضاً ستكون هناك نقله في مستوى المفاهيم والعقلية العسكرية الأمريكية. وإن أدنى تأمل يظهرنا على أن ما أعلنه بوش في وثيقته المقدمة إلى الكونغرس الأمريكي بتاريخ 11 / 11 / 2002 المتضمنة جعل الشرق الأوسط منطقة منزوعة السلاح، والسياسة العملية التي مورست بعد احتلال العراق في فرض النظام التربوي والنظام الديمقراطي وسياسة التسلح الجديد ونزع السلاح المتطور، كلها أهداف لصالح المشروع الإسرائيلي في المنطقة، وأمريكا وإن كانت مستفيدة بالدرجة الأولى لمواجهة ما يتهددها، إلا أنه يمكننا القول: إِن المصالح واحدة في مشروع الاحتلال بينها وبين إسرائيل، وذلك تنفيذاً لمشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يؤمّن مصلحة الطرفين. ... / ... يتبع