»فتاة جيمس بوند« هو الاسم الذي أطلقته الصحافة الغربية على »آنا تشابمان«، أحد أعضاء شبكة »التجسس« الروسية في الولاياتالمتحدة. ويبدو أن للتسمية ما يبررها. فالفتاة التي لا يزيد عمرها على 28 عاما جمعت كل مواصفات »الجاسوسة الناجحة«، من جمال أخّاذ أقرّ به كل من عرفها عن قرب، وقدرة على الإقناع وكسب قلوب من حولها، إلى مهارة في تولي المهمات الصعبة، واتخاذ القرارات الصحيحة في اللحظات الحرجة، وقوة التركيز، وتمكنها من نسج شبكة علاقات واسعة. السنوات الخمس الأخيرة كانت زاخرة بالأحداث بالنسبة إلى »آنا« التي تنقلت خلالها بين بريطانيا وروسياونيويورك، فاتحة الأبواب في كل مكان لتطوير مشاريعها كسيدة أعمال من الطراز الأول. رغم ذلك يصرّ كل من عرف »الجاسوسة الحسناء« في روسيا أنها لا يمكن أن تكون عميلة لجهاز استخبارات، إذ وضعت دائماً عملها فوق كل اعتبار، وكانت في كل مجال دخلته »سيدة أعمال من الطراز الأول«، كما قال أحد زملائها السابقين. هي بالأصل، »آنا كوشينكو« التي تخلت بعد الزواج عن لقبها الذي يدل إلى أصول أوكرانية. نشأت في مقاطعة كاليننغراد الروسية، ووصلت إلى موسكو نهاية تسعينات القرن العشرين طالبة في جامعة الصداقة بين الشعوب في كلية الاقتصاد. وقال مصدر في الجامعة إنها حصلت على شهادة ليسانس في الاقتصاد، لكنها لم تلبث بعد ذلك أن فُصِلت من الجامعة العام 2005 بسبب تأخرها في تقديم رسالة الماجستير. ويبدو أن هذا التطور كان حافزاً لانطلاقتها بقوة، إذ تزوجت في تلك الفترة ببريطاني، وانتقلت إلى لندن للعمل في إحدى الشركات المتخصصة في بيع الطائرات الخاصة قبل أن تعمل في مصرف »باركليز«. وتفيد روايات بأنها عملت في مناطق مختلفة في العاصمة البريطانية، ويبدو أن هذا واحد من الأسباب التي دفعت جهاز الاستخبارات البريطاني إلى الشروع بعد كشف فضيحة »التجسس«، في تحري نشاطها في لندن قبل الانتقال إلى نيويورك. وثمة علامات استفهام أحاطت بفترة إقامة »الجاسوسة الحسناء« في العاصمة البريطانية، بينها أن عدداً من أماكن عملها، بينها المصرف، لم يجد ما يثبت أن فتاة بهذا الاسم كانت بين موظفيه آنذاك، كما أن قصة زواجها القصير الأمد بمواطن بريطاني، ما زالت محاطة بالغموض. ويشير مقربون منها إلى أنها اشترت قبل شهور، شقة جديدة في حي راقٍ في موسكو، ما يعني أنها كانت تعد للعودة والاستقرار في بلادها. المهم أن »آنا« انتقلت إلى نيويورك باسمها الجديد »تشابمان«، قبل نصف سنة فقط كما يؤكد معارفها في موسكو، وهناك أسست وكالة خاصة للخدمات العقارية تعمل بين روسياوالولاياتالمتحدة، وموجهة بالدرجة الأولى لخدمة العملاء الناطقين بالروسية. وبالنسبة إلى »جاسوسة« فإن حجم المعلومات الذي توافر فجأة عنها يبدو مريباً، خصوصاً أن أشخاصاً عديدين ظهروا وأدلوا بتصريحات عن مسار حياتها ومراحل صعودها سلم الأعمال، ونجاحاتها في مشاريع مالية. ويعزو بعضهم ذلك إلى »طغيان شخصيتها وحضورها الأخّاذ، ما يجعل أي شخص عرفها ولو مصادفة لا ينساها أبداً«، كما قال أحد زملائها السابقين. وتبين أن الفتاة كانت من أنشط السيدات الأعضاء في »نادي رجال الأعمال الشباب في موسكو«، وهو تابع لرابطة »رجال الأعمال الروس« التي تضم نخبة الاقتصاديين ورجال المال في روسيا. ووصف رئيس النادي ديمتري بورتشكين »آنا« بأنها »مديرة ناجحة لأي مشروع، قادرة على إدارة أصعب الأزمات وتتمتع بشخصية قوية وجاذبية كبيرة«. وأضاف أنها كانت »تعرف دائماً ماذا تريد، وكيف تصل إلى أهدافها بسرعة. هي باختصار سيدة أعمال من الطراز الأول«. لكنه لاحظ »ضعف اهتمامها بالسياسة، وعدم ظهورها في أي من الفعاليات السياسية«. والملاحظة الأخيرة مهمة إذا عرفنا أن النادي موالٍ تماماً لحزب »روسيا الموحدة« الحاكم، ويشارك في كل نشاطاته. في المقابل كانت »آنا« دائمة الحضور في كل المؤتمرات والفعاليات والندوات الخاصة بإدارة الأعمال وتطوير شؤون »البزنس«. وعلى رغم عزوفها عن النشاط السياسي في روسيا، تشير معلومات زملائها إلى أن »آنا تشابمان« عمدت منذ وصولها إلى الولاياتالمتحدة إلى توسيع اتصالاتها بقوة، ليس فقط في أوساط رجال المال والأعمال بل كذلك في الأوساط السياسية ومع موظفي الدولة والفعاليات الاجتماعية، ويعتقد بعضهم بأن هذا الأمر لفت أنظار الأجهزة المختصة إليها. ولا يستبعد أحد زملائها أن يكون عمل والدها في السلك الديبلوماسي الروسي أحد الأسباب المهمة ل »معاقبتها«. فأبوها عمل سفيراً لبلاده في عواصم إفريقية، بينها كينيا. وهناك من اعتبر أن نشاطه الديبلوماسي »لم يكن بعيداً تماماً من نشاط الأجهزة«. إحدى زميلات »آنا«، وهي »تاتيانا شوميلينا«، استبعدت أن تكون الأولى عميلة للاستخبارات الروسية، لسبب بسيط فآنا »لو كانت عميلة لتفادت هفوات صغيرة مثل التي أعلنت عنها النيابة الأمريكية. إنها أذكى من ذلك«.