كان الأشراف من الفئات المتميزة في المجتمع ولهم أوقافهم الخاصة بهم، وهي الفئات التي تتعاطف مع العثمانيين، وقد ظهر ادعاء الشرف في بعض الأحيان في المدن والأرياف لتحقيق بعض المنافع العاجلة ولبلوغ الحظوة لدى بعض الحكام العثمانيين· لكن لا يجوز لنقيب الأشراف أن يتدخل في شؤون الزاوية، ذلك أن وضعه بالنسبة لها هو وضع أعيان الأشراف الذين عليهم أن يجتمعوا مع الوكيل مرة في السنة في الزاوية للنظر في إدارة الوكيل وأحوال الوقف، وهؤلاء كانوا يمثلون المجلس الذي له البت في كل أمور الزاوية وحاجاتها· في نهاية القرن 41م وبداية القرن 51م، خرج أحد أبناء الخليفة أبي بكر الصديق (محمد بن سليمان العلي) - لعله يقصد سيدي معمر بن سليمان بالعالية- من تونس، بعدما ترك الحجاز، فاستقر في المنطقة التي نسميها ما بين عين الصفراء وبشار -بجريفيل- (البيض الحالية)، هذا الشخص لم يكن جد هاته السلالة، وإنما جمع بعض قبائل الغرب الجزائري كالطرافي وحميان الشراقة والرزاينة وعكرمة (وهنا مغالطة تاريخية واضحة في الخلط بين القبائل التابعة والجد المؤسس للقبيلة المرابطة!) فهو جد بوسماحة الذي عاش بفجيج ودفن في بني ونيف سنة 9351م (خطأ ثاني حيث أن سيدي بوسماحة مدفون في تبو بجوار تيميمون، قبل هذا التاريخ) وسيدي سليمان كما قلنا مدفون في الشلالة )خطأ آخر، حيث أن سيدي سليمان هو المدفون في -بني ونيف- بشار)· سيدي سليمان كان له ثلاثة أولاد: محمد أب سيدي الشيخ، وأحمد المجدوب جد قبيلة تحل بعين الصفراء أخيراً بنت تُدعى ''لالة صفية'' مدفونة بتيوت· نرجع إلى سيدي عبد القادر بن بوسماحة المعروف بسيدي الشيخ، ولد سنة 4451م، أصبح تلميذاً لمول السهول، لقد كان شاباً يافعاً، فدفعه حماسه إلى السياحة في غرب المغرب لغاية الساقية الحمراء، حين زارهم سيدي عبدالجبار في الشلالة وكان رفقة أبيه (سيدي محمد بن سليمان) أظهر تفوقه على هذا الأخير، حيث حفر حفرة تحت رجليه فامتلأت بالتراب، وذهب كل في طريقه، فهو ولي صالح تخدمه الطبيعة، في يوم من الأيام تبعه أحد أقاربه (مذكورة في المقابلات) وأراد اغتياله، لم ينج من جموح فرسه فوق الساقية إلا بأعجوبة، وأثر الحوافر ما زال باقياً للآن، كان هذا الفارس الشجاع يعيش في كهوف تحت الأرض، تبلغ خلواته عشر (01) خلوات· كيف أصبح اسمه سيدي الشيخ؟ لقد كان ذلك بمرسوم لأحد كبار أولياء الله الصالحين الذي له نفس الإسم ''عبد القادر الجيلاني'' صاحب بغداد، الحكاية هي أن إحدى النساء أهملت ابنها، فسقط في البئر صاحت ''يا رجال النوبة!'' فسارعوا لإغاثتها وعلى رأسهم عبد القادر البغدادي، الذي التقى بعبد القادر بن بوسماحة في قعر البئر، والذي تلقى الطفل بين ذراعيه، فلم يلبث أن أمر رئيس القادرية أن يُسمى هذا المغربي ''سيدي الشيخ''، وهذا اسم عجيب وصعب، تركه هذا الولي ونطق به· وبما أنه أخذ صفة الشيخ، فإنه واصل مهمته الإرسالية، وأخذ في توجيهها نحو الشرق، أي ''بايلك الجزائر''·· في 2161م أسس زاويته، فترة الاستقرار بالنسبة للمؤسسة، وفترة البعد الثوري بالنسبة لمناوئه أبي المحلي اتسعت شهرته وطبقت الآفاق عن من كان قبله بجيلين أو ثلاثة و هو سيدي أحمد بن يوسف الملياني ·· وقد وجد نفسه تجاه شيخ ملقن للشاذلية في أعلى ''وادي غير'' بجنب سبوذنيب سيدي عبد الرحمن ''مول السهول'' (المذابيح السبعة ) ، وهو الذي قبل بالذبح مثل إسحاق مع سيدنا إبراهيم، نفس الأمر بالنسبة لسيدي سليمان جد سيدي الشيخ (4)· ظاهرة شخصية ابن أبي المحلي والصراع على المجال الحيوي: من هو ابن أبي المحلي؟ هو أحمد بن عبدالله بن القاضي، ولد في سجلماسة (تافيلالت) سنة 0651م، وهي المرحلة التي بدأت فيها السلطة السعدية في التوسع ، ينتمي إلى سلالة مشهورة بخصائصها الدينية: الفقه/ البركة ، هذا الصحراوي ذو الروح العنيفة أخذ عن والده منذ طفولته تنشئة تنم عن صرامة دينية، وفي 2751م ظهر بفاس، أصبح ''طالب'' مع الطُلبة داخل مدرسة في ''حي العطارين''، يُتابع معهم الدروس في المسجد الكبير، هذا التعليم استمر من 5- 6 سنوات عانى من تهكم الحضر، مثله مثل الذين جاؤوا من الآفاق البعيدة (الأفاقيون) ففي يوم من الأيام في أحد شوارع المدينة طرح عليه تلميذ مثله سؤال في النحو، فلم يستطع الإجابة، فأخذوا يسخرون منه، الأكيد هو حفظه للقرآن الكريم، لكنه لم يستطع أن يصل إلى مستوى أهل العاصمة غير أنه أخذ في إصلاح تأخره عنهم· لقد كان ابن أبي المحلي في سن القتال، ولكنه لم يُشارك في قتال البرتغاليين، واختار اللجوء إلى قرية داخل البلد، أين تنعم بأكل الزبدة والعسل· في تلك الفترة لم يكن قد اختار شيخه، وكان الشيخ الصوفي الشاذلي أنذاك يُدعى ''أبو محاسن الفاسي'' الذي وفد جديداً على فاس، حمل السلاح وشارك في معركة ''وادي المخازن'' 8751م، بعد 2951/3951م، أصبح مريداً للولي الصالح لبلدة الزاير الريفية محمد بن مبارك الطسطاوتي والذي كان مثقفاً وكانت له سلطات عجيبة·هنا اكتسب النفحات الصوفية التي يذكرها فيما بعد، وقد استر على ذلك لمدة سنتين، هذه العزلة الملهمة جعلته يتمتم: ''أنا السلطان! أنا السلطان! ''، إنه يتحادث مع ''الروحاني''· أخبره شيخه عن مصيره المؤلم بعد تردده عليه إحدى عشرة مرة: ''إن الله سيصيبك ببلاء أكثر مما أصابني!'' أعطاه معطفه وجزءاً من شعر رأسه، وهمس له بعبارات وألغاز جعلت المريد يرتعد فرقاً، عاد إلى تافيلالت وبعد ذلك ذهب لاجئاً إلى ''بني عباس'' حيث احتفظ به أحد الرؤساء المحليين مدة ثلاثة أشهر، وزوجه ابنته، وذهب إلى الحج للمرة الأولى وشيخه الطسطاوتي ما زال على قيد الحياة· أخذ بسلوك الصعاليك مُرغماً وليس اختياراً مما جعل مساره كارثياً، عرج على فجيج التي مكث بها ثلاثة أيام فقط، ثم اتبع خط الهضاب العليا الذي أوصله على الزيبان (بسكرة) التي مكث بها عدة أسابيع مستمعاً للدروس ومكتسباً للتقدير، ثم توجه إلى بلاد الجريد (تونس)· اقترب من سيرت التي كانت تعيش اضطرابات آنذاك ولم يستطع الدخول إلى توزر، ولكنه خيم بالقرب من المدينة تحت حماية الولي الصالح، ثم توجه من خلال المنطقة الجافة من بلاد الجريد إلى قابس حيث هاجمته من اللصوص ولم يتخلص منهم إلا بعد خوف وعناء وسمي بالسائح، وهي ممارسة صوفية عند العرب والأتراك ·· حسب كتابه ''الإصليت'' فقد هيمن على المنطقة الساحلية الممتدة من قابس إلى طرابلس، وقد عاش أحداث الثورة الثانية التي قادها الثائر السائح عبد العزيز ضد الأتراك والكراغلة، بعد غزوة فزان التي قادها جعفر باشا سنة 7751م· لقد وصل ابن أبي المحلي إلى ليبيا ولكنه لم يستطع الوصول إلى طرابلس، هذا السائح الذي كان يدعي أنه المهدي المنتظر يُساعده قس من مالطا ويدفع له هبات، وقد حاول هذا القس اختبار هذه المهدوية من خلال الجفر لكنه لم يصل إلى نتيجة ·· هذا المغربي (ابن أبي المحلي) سوف يجد في صحراء برقة المجاعة والضياع، عثر عليه أحد البدو وأنقذه من هلاك محقق ثم وصل إلى القاهرة أين التقى بالشيخ السنهوري، والذي تلقى عنه تعليماً حفظه بسرعة· في الحجاز بمكة والمدينة شاهد أحداثاً عجيبة هذا البعض منها: ففي الحجاز، وفي مكان ما، كان الجو حاراً، أخذ يبحث عن الظل تحت أحد الجدران، طلب منه أحد ''المجانين'' والذي كان شبه عاري الدراهم، فأعطاه سبعة دراهم، وهي كل ما كان يملك، قذف بها عالياً دون أن تسقط على الأرض، وضع له في فمه سبع حصيات التي تحولت إلى سكر أولاً ثم إلى زعفران· في يوم آخر توجه ابن أبي المحلي إلى بعض الحجاج يتحادث معهم، أخذ أحد الزهاد الآتي من بُخارى يذكر كرامات الأولياء، أحد المستمعين المنكرين للكرامات تحدى الزاهد أن يُحول الحصى إلى ذهب، عندئذ نفذ هذا الزاهد ذلك على الفور· ثم رجع إلى سجلماسة بلده الأصلي والتي تركها مُبكراً ليرجع إلى فجيج، وهنا وجد أحد العلماء المحليين أبو القاسم بن عبدالجبار (عائلة أولاد سيدي عبد الجبار عائلة علم وفضل !) الذي ساعده على الانتهاء من قراءة كتاب الشفاء للقاضي عياض في 11 نوفمبر 0061م، وهنا بدأت مرحلة جديدة من حياته وتفكيره ·· في الشلالة الظهرانية، تمت زيارة ابن أبي المحلي لسيدي الشيخ تحت الخيمة لمدة ثلاثة أيام حسب التقليد البدوي وتحت إشراف سيدي بلقاسم بن عبد الجبار، الذي أخذ عنه سيدي الشيخ الشعر الصوفي - قد تكون قصيدة الياقوت - وفي دراسته لكتاب الشفاء للقاضي عياض كان رفقة ابن سيدي الشيخ ومريديه معه، وهذا ما حرك فيه رغبة اللقاء به· لقد أخبرنا عن لقائه فقد استضافه بعد وفاة شيخه الطسطاوتي وظن أنها بركة وفضل إلهي وأعطاه هدية (عمامة وعباءة وفرس) مما يُظهر كرمه وجوده وبعد ذلك تركه· اللقاء الثاني تم في 2061 / 3061م، بينه وبين الزروقي ابن سيدي الشيخ، وهذا أكرمه وفضله وضيفه، جعل منه حليفاً وأعطاه أجمل بناته، وفي مراسلات ابن أبي المحلي نُلاحظ الثناء والمدح لهاته الفضائل عبر مراسلاته لمؤيديه·هذه الحالة من الثناء المتبادل استمرت مدة شهر ونصف، ثم أخذت الشكوك المتبادلة والدسائس، والحقد الخفي والظاهر، مكان التفاهم والتآلف· أخذ ابن المحلي يستقصي أخبار سيدي الشيخ، يستمع ويضع تقارير حوله، ثم يُطلق أحكاماً غير حذرة منها ما كتبه في منزله ''القسطاس''، اتهمه لعدة سنوات بأنه ''بدعي''، أخذ في نشر هذه الإشاعة التي كلفته المخاطرة بحياته، من خلال التهديد والتسمم - حسب قوله - الذي أخطأه فبقي حياً، ثم هرب نحو الجنوب، وتوقف برهة عند شيخه عبد الجبار· في الوقت الذي أراد فيه الإجابة عن تهمة سبقه بها مناوئه سيدي الشيخ، إلا أن البقاء في فجيج أو سجلماسة أصبحت خطراً عليه، فلم يتوقف إلا في وادي الساورة في بني عباس حيث حدثت سياسة خطيرة بموت أحمد المنصور (3061 م)، بقي هنالك ثمانية أشهر، لا هو ميت ولا هو حي، وقد وصل لغاية قورارة، ثم ذهب لأداء فريضة الحج ثانية بعد أربعة أشهر، لكنه لم يكن في صحة جيدة ( 4061-5061م)، سار على طريق فزان، ثم رجع وقد تماثل للشفاء، وبنى بيتاً في برة، في واحة بني قومي قرب بني عباس، بعد خمس سنوات سوف يقدم سيرته الذاتية في مؤلف واحد ومذهبه وسجالاته الشعرية وغير ذلك· وقد ترك من ورائه عدداً من الكتب، أغلبها أمكن الاحتفاظ بها، هذه القراءة تسمح لنا بالتدقيق في شخصية مبهمة· ؟ إعداد: الدكتور عبد العزيز رأسمال