تتواجد المقابر التي تعدّ فضاء حقيقيا للترحم على الأموات في وضعية جد سيئة بقسنطينة، استدعت من المصالح المعنية إعداد خارطة طريق من أجل إعادة الاعتبار لهذا التراث وإعادة الحياة إليه، حيث أضحت المقابر في قسنطينة التي تعاني من التشبع والتدهور وغياب الصيانة والاعتداءات وعدم نزع الأعشاب الضارة وغياب النظافة وانتشار الأوحال بمجرد تساقط قطرات قليلة من الأمطار، تلحق الضرر بالموتى في قبورهم. وبعد تقييمهم لحالة التدهور التي لحقت بهذه الأماكن، يسعى مسؤولو عاصمة الولاية لإطلاق برنامج لإعادة تأهيل متعدد الجوانب لهذه الأماكن مع العمل على إنشاء مقبرة جديدة مختلفة تماما عن تلك المقابر القديمة، حسبما علم. وفي هذا الصدد، أكد مدير المؤسسة العمومية البلدية لتسيير المقابر ببلدية قسنطينة، عبد المجيد عامر، أنه تجري دراسة مشروع تهيئة مقبرة جديدة متواجدة بضواحي غرب عاصمة الولاية وتم إرساله لمجلس الإدارة. وبعد أن سلط الضوء على ضرورة التنظيم الجيد للمربعات المخصصة للدفن، أوضح عامر أن هذه المقبرة المزمعة خلال السنة الجارية ستستفيد من تسيير معلوماتي يتماشى مع نظام ترقيم القبور، علاوة على مشروع الربط بالكهرباء وتنصيب كاميرات مراقبة من أجل السهر على عدم انتهاك حرمتها. وفي انتظار أن يرى هذا المشروع النور، يعد مدير المؤسسة العمومية البلدية لتسيير المقابر ببلدية قسنطينة وهي مؤسسة تم إنشاؤها في جويلية 2016 ودخلت حيز الخدمة في جانفي 2017، بإعطاء وجه جديد للمقابر القديمة التي يعود تاريخها إلى الحقبة الاستعمارية، والتي تتعرض للتدهور منذ عدة سنوات. وفي هذا الصدد، يتمنى عامر أن تتمكن عملية تزفيت ممرات الجزء السفلي من المقبرة المركزية للمدينة وتقليم الأشجار من طرف المؤسسة العمومية البلدية لتسيير المقابر من إضفاء منظر أفضل لهذا المكان، في انتظار عمليات أخرى مثل إحصاء عدد القبور من أجل إعداد قائمة شاملة للأشخاص المدفونين. ومع ذلك، لا يمكن لهذه العمليات إصلاح الرصف العشوائي للقبور الذي يتم من خلاله الاعتداء في غالب الأحيان على المساحات الضيقة التي تسمح للزوار من السير، لا سيما بسبب -وفقا لما أفاد به- الخروقات التي حررتها البلدية في حق العائلات التي تطمح في مواراة أحد الأقرباء في مكان يمكن الوصول إليه بسرعة أو بالقرب من قبر شخص آخر متوفى. الإهمال يطال مقبرة زواغي وتسبب هذا التدهور في إثارة رد فعل رئيس الجهاز التنفيذي المحلي الذي لاحظ الحالة المزرية لمقبرة حي زواغي سليمان، الواقعة على الطريق المؤدي نحو مطار محمد بوضياف والتي تطل قبورها على الطريق، وذلك منذ حلوله بالولاية في شهر أكتوبر المنصرم. وسعيا لإخفاء واجهة المقبرة المقابلة للطريق، تستعد المصالح المختصة لإطلاق أشغال إعادة الاعتبار لها من خلال الشروع -يقول عامر- في وضع ستارة نباتي خضراء ، وهي عبارة سياج يتكون من أشجار السرو إضافة إلى أشغال إعادة تهيئة أخرى. ومن خلال إعانة من البلدية بقيمة 50 مليون د.ج، تعتزم مؤسسة تسيير المقابر لمدينة الجسور المعلقة أيضا القيام بعدة عمليات تستهدف ضمان صيانة أفضل للمقابر المسيجة، والتي تتم حراستها 24 ساعة على 24، إستنادا للمتحدث. وفي انتظار تجسيد برنامج العمل، تجد مليكة -وهي سيدة في عقدها السادس تظهر على محياها آثار حزن حديث- أن الوضعية الحالية لمقبرة زواغي تبعث على الحزن، حيث يضاعف -حسبها- تدهور المكان من حجم الحزن على فقدان شخص عزيز. وتشاطرها نفس الرأي سلمى -وهي مختصة في الإلكترونيك 43 سنة- حيث صرحت عن حزنها الشديد لعدم تمكنها من الترحم خلال الشهر المنصرم على قبر خالتها المتوفاة غداة مواراتها الثرى بالمقبرة المركزية للمدينة، بسبب تساقط الأمطار الذي جعل الأرضية موحلة وزلقة. سكان يطالبون بفتح مقابر جديدة وتسجل بلدية قسنطينة التي تحصي 11 مقبرة للمسلمين و1 مسيحية وأخرى يهودية يشغلون مساحة إجمالية بحوالي 70 هكتارا ما معدله 12 عملية دفن يوميا، في حين أن أغلبية هذه المقابر تكاد تكون مشبعةو كما استفيد من مصالح هذه البلدية. وعلاوة على كونها تشكل المثوى الأخير لسكان المدينة، تعد مقابر قسنطينة أيضا المأوى الأخير للمرحلين إلى المدينة الجديدة علي منجلي التابعة لبلدية الخروب، حيث يعرب عدد معتبر منهم عن رغبتهم في أن تتم مواراتهم الثرى بعاصمة الولاية، مثلما تمت الإشارة إليه. وفي ظل عدم وجود مقبرة على مستوى مدينة كبيرة مثل علي منجلي بعد أكثر من 16 سنة من الشروع في تعميرها، يجد 80 بالمائة من قاطنيها الذين تم ترحيلهم من عاصمة الولاية أنفسهم مجبرين على مواراة أقربائهم الثرى بقسنطينة، حسبما تمّ إيضاحه. ووفقا للخضر بن عمار، نائب رئيس المجلس الشعبي البلدي للخروب مكلف بالإدارة، فإن الأرضية موجودة بالفعل لكن ثبت أنها غير قابلة للاستغلال و جد حصوية، معتبرا بأنه تم إعطاء تعليمات لمصالح مديرية التعمير من طرف الوالي من أجل إيجاد أرضية أكثر ملاءمة. وعلى اعتبار أن مقبرة مدينة الخروب مشبعة بأكثر من 95 بالمائة، أكد بن عمار أن المشكل صعب على اعتبار أن هذه البلدية تسجل نموا ديمغرافيا كبيرا من خلال مناطقها الحضرية الجديدة (علي منجلي وماسينيسا وعين النحاس) وتحتاج إلى أرضيتين للتمكن من مواراة موتاها بشكل لائق وتقليص الضغط على مقابر عاصمة الولاية. وتحصي مصالح مديرية الإدارة المحلية، 104 مقابر عبر إقليم ولاية قسنطينة منها 22 ببلدية ابن زياد التي تحصي عديد المشاتي.