هو من النجوم الكبار الذين حفروا أسماءهم في تاريخ كرة القدم الألمانية، ويكفي أن نقول إنه عاصر العديد من النجوم وتفوّق على آخرين مازالوا يحلمون بالنسج على منواله، هو النجم الألماني ميروسلاف كلوزه الذي خير وضع حد لمسيرته الكروية ليتفرغ إلى عالم الإشراف وقيادة المنتخب الألماني كمعاون ليواخيم لوف. حين تدق ساعة الصفر معلنة النهاية تنتهي معها جميع التكهنات وينطلق سيل جارف من الأسئلة والاستفسارات وأحيانا يفتح المعجم للتثبت من كنه الحديث وطبيعة مصادره الرسمية وما شابه ذلك، ولكن وحده صاحب القرار من يكون له الحسم في كل ما سبق ذكره. قد يطال الشرح وتتفرع المعاني لذكر الأسباب ومستوى مآلاتها وتداعياتها، ولكن ما هو مؤكد أن المصير في النهاية واحد، ينتهي إليه الجميع حتى دون رغبة منهم في ذلك. لغة الألغاز هذا حدها لتتكشف بعدها حقيقة خبر اعتزال النجم الألماني ميروسلاف كلوزه الذي قدم مسيرة رائعة مع المنتخب الألماني والفرق التي لعب لها. الإنطلاقة من أوبولي ولد ميروسلاف كلوزه في أوبولي في بولندا، وانتقل إلى ألمانيا عندما كان في الثامنة من عمره، وكان يعتبر من أكثر العناصر خبرة في صفوف منتخب المانشافت خلال مونديال 2014 الذي انتهى بتتويج منتخب بلاده بطلا. يلقب النجم الألماني ب ميرو الذي بدأ مسيرته الاحترافية في عمر العشرين في الدرجة الثالثة مع الفريق الرديف لأف سي 08 هومبورغ ولعب معه 18 مباراة وسجل هدفا واحدا، وبعد 12 شهرا انضم لصفوف فريق الاحتياطيين في كايزر سلاوترن. ولم ينتظر طويلا حتى تمت ترقيته إلى صفوف الفريق المحترف وخاض معه 49 مباراة سجل خلالها 25 هدفا. لفت هذا الطموح الأنظار خلال موسم 2001-2002، قبل أن ينتقل إلى صفوف فيردر بريمن في العام 2004، حيث ضرب بقوة في موسمه الثاني مع الفريق الأخضر عندما سجل 25 هدفا في 26 مباراة، لينهي الدوري هدافا ل البوندسليغا في العام 2006 ويتوج كأفضل لاعب للموسم ونال مع بريمن لقب كأس ألمانيا في العام ذاته. لكنّ الغرور لم يعرف طريقه إليه لأنه بقي شخصا بعيدا عن الأضواء ونجح في الحفاظ على تواضعه بالرغم من النجاحات الكبيرة التي حققها، ما زاد من رصيده الشعبي لدى أنصار المنتخب الألماني. برز كلوزه إلى الأضواء العالمية خلال مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان حين سجل خمسة أهداف، لكن لقب الهداف حينها ذهب إلى البرازيلي رونالدو صاحب ال8 أهداف والتي من بينها ثنائيته في مرمى المانشافت في المباراة النهائية (2-0). التاريخ يحفظ لكلوزه أنه يلازم هدوءه دائما ولا يرد على الحملات التي تطاله في وسائل الإعلام وتكون الإجابة على أرضية الملاعب تابع كلوزه تألقه مع منتخب بلاده وتحديدا في المونديال الذي أقيم على الأراضي الألمانية، حيث توج هدافا برصيد 5 أهداف بينها ثنائية في المباراة الأولى أمام كوستاريكا (4-2) وأخرى في المباراة الثالثة أمام الإكوادور (3-0)، ثم أدرك التعادل للمانشافت أمام الأرجنتين في الدور ربع النهائي عندما احتاج فريقه إلى ركلات الترجيح لبلوغ دور الأربعة عندما خرج على يد إيطاليا 0-2 بعد التمديد. انتقل إلى صفوف بايرن ميونيخ صيف العام 2007، حيث شكل ثنائيا خطيرا في خط المقدمة إلى جانب الإيطالي العملاق لوكا توني ونجح خلال موسمه الأول في الحصول على لقب الدوري والكأس المحليين، مسجلا 21 هدفا في جميع المسابقات، ثم حافظ على وتيرته التهديفية في الموسم التالي مسجلا 20 هدفا لفريقه الذي خرج خالي الوفاض، ما دفعه إلى التعاقد مع المدرب الهولندي لويس فان غال الذي أطاح بتوني من الفريق وأبقى كلوزه على مقاعد الاحتياط في الغالبية العظمى من المباريات، ليكتفي الأخير بتسجيل ثلاثة أهداف فقط في الدوري و6 في جميع المسابقات. وعلى الرغم من أنه قدم موسما مخيبا للآمال مع بايرن ميونيخ، إلا أن مدرب المنتخب يواكيم لوف استمر في منحه الثقة بسبب الخبرة التي جناها في صفوف المنتخب الوطني الألماني والدور الثمين الذي يلعبه في صفوفه ووجّه له الدعوة إلى مونديال جنوب أفريقيا 2010 على الرغم من الانتقادات التي واجهها من وسائل الإعلام المحلية التي طالبت بالاعتماد على المهاجم البرازيلي الأصل كاكاو. حافظ كلوزه على هدوئه المعهود ولم يرد على الحملات التي طالته في وسائل الإعلام الألمانية وكانت الإجابة على أرضية ملاعب المونديال الجنوب أفريقي عندما سجل رباعية رفع بها رصيده إلى 14 هدفا في تاريخ مشاركاته في العرس العالمي قبل أن يسقط الرقم المسجل باسم البرازيلي رونالدو في المونديال الأخير عندما رفع رصيده إلى 16 هدفا، وتمكن من تحطيم الرقم القياسي في عدد الأهداف المسجلة مع المنتخب (71 هدفا في 137 مباراة)، متفوقا على غيرد مولر (68 في 62 مباراة). واعتبر كلوزه الذي انتقل إلى لاتسيو الإيطالي في العام 2011، أنه حقق حلم الطفولة بإحرازه كأس العالم في البرازيل. كان كلوزه قريبا جدا من التتويج مع بلاده وفي أكثر من مناسبة، أولها عام 2002 حين ساهمت أهدافه الخمسة في قيادة ألمانيا إلى نهائي مونديال 2002 قبل أن تسقط في الأمتار الأخيرة أمام البرازيل بالذات، ثم أضاف 5 أهداف أخرى في 2006 في ألمانيا حين وصل المانشافت إلى نصف النهائي قبل أن ينتهي مشواره على يد إيطاليا التي توجت لاحقا باللقب. وتكرر المركز الثالث مجددا في مونديال جنوب أفريقيا 2010 الذي ساهم فيه النجم الألماني بأربعة أهداف مقابل خمسة لمواطنه توماس مولر، إضافة إلى وصوله لنهائي كأس أوروبا 2008 (سجل هدفين) والدور نصف النهائي من كأس أوروبا 2012 (سجل هدفا واحدا). سجل حافل بدأ كلوزه مسيرته في صفوف المنتخب الألماني في مارس 2001 خلال مباراة ضد ألبانيا في تصفيات كأس العالم في ليفركوزن، حيث تألق من خلال تسجيله هدف الفوز قبل نهاية المباراة بدقيقتين، أي بعد ربع ساعة من نزوله إلى أرض الملعب، ثم فرض نفسه من العناصر الأساسية في التشكيلة حتى وصل إلى مباراته الدولية ال137 قبل اعتزاله بعامين، وهو سادس لاعب يتخطى المئة مباراة دولية في تاريخ المنتخب الألماني إلى جانب لوثار ماتيوس (150) ويورغن كلينسمان (108) ويورغن كولر (105) وفرانتس بكنباور (103) وتوماس هاسلر (101). قد لا يكون كلوزه بحجم نجومية الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو، والإنكليزي واين روني أو ربما حتى الفرنسي فرانك ريبيري، لكنه تفوّق عليهم من خلال إحرازه اللقب العالمي في حين لم ينجح أيّ من هؤلاء في ذلك، كما أنه اللاعب الوحيد في التاريخ الذي بلغ دور الأربعة للمونديال 4 مرات. كما أنه يتقاسم رقما قياسيا آخر مع الملك بيليه لأنهما اللاعبان الوحيدان اللذان خاضا مباراتين نهائيتين للمونديال على مدى 12 عاما (لكن بيليه توج باللقب فيهما معا عامي 1958 و1970). نهاية المسيرة فاجأ ميروسلاف كلوزه الهداف التاريخي للمنتخب الألماني والفائز معه بلقب كأس العالم 2014 لكرة القدم جميع متابعيه والمهووسين به، بالإعلان عن إنهاء مسيرته الاحترافية كلاعب وبداية عمله التدريبي ضمن الجهاز الفني للمنتخب الألماني الذي يقوده المدير الفني يواخيم لوف. وتأكد بذلك ما ذكره تقرير صحيفة بيلد الألمانية في وقت سابق. وبدوره، أوضح الاتحاد الألماني للعبة أن كلوزه سيعمل تحت إشراف لوف اعتبارا من المباراة المقررة أمام سان مارينو في 11 نوفمبر الجاري ضمن التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، وكذلك المباراة الودية التالية المقررة بعدها بأربعة أيام أمام إيطاليا في ميلانو. ولعب كلوزه لفريق لاتسيو الإيطالي حتى نهاية الموسم الماضي، ولكنه لم يرتبط بأيّ عقود بعدها. وقال كلوزه في تصريحات نشرها الاتحاد الألماني بموقعه على الإنترنت: في الأشهر الأخيرة تبلورت لديّ فكرة البقاء بالملاعب ولكن بمنظور جديد، حيث سأعمل في التدريب . وأضاف: عندما كنت لاعبا كنت مهتما بشكل دائم بقراءة المباريات والإعداد الدقيق لها وتطوير التكتيك والاستراتيجيات.. أنا ممتن للغاية ليواخيم لوف وهانسي فليك (المدير الفني للاتحاد الألماني) على منحي هذه الفرصة . وتأتي الخطوة ضمن ما يسمى برنامج التعليم والتدريب لدى الاتحاد الألماني، وسيكون على كلوزه الدراسة من أجل الحصول على رخصة التدريب. وحقق كلوزه (38 عاما) رقما قياسيا مع المنتخب الألماني بتسجيل 71 هدفا خلال 137 مباراة وقد اعتزل اللعب الدولي عقب تتويج ألمانيا بكأس العالم 2014، وقد تصدر أيضا قائمة هدافي المونديال برصيد 16 هدفا. وعلى مستوى الأندية، توج كلوزه مع بايرن ميونيخ بلقب البوندسليغا مرتين ولقب كأس ألمانيا مرتين كما أحرز مع لاتسيو لقب كأس إيطاليا، وسبق له اللعب لهامبورغ وكايزر سلاوترن وفيردر بريمن. وقال لوف: أنا سعيد بأنه سيصبح جزءا من الجهاز الفني. إنه نموذج يحتذى به كشخص وكرياضي، وهو ما يوفر كل سبل النجاح للفريق من خلال أفكاره وخبراته، أتوقع له أن يكون مديرا فنيا جيدا في المستقبل ونحن نودّ دعمه في هذا الطريق . وواجه المنتخب الألماني في بعض الأحيان صعوبة في تعويض غياب كلوزه بعد اعتزاله اللّعب الدولي، حيث اعتمد الفريق أحيانا على لاعبي خط وسط هجوميين. والآن يعتقد لوف أن كلوزه يمكنه تقديم الدعم من جانب آخر غير الدعم الهجومي للفريق، وفي هذا السياق قال لوف: أنا واثق من أننا كمدربين سنجني الكثير من حضوره ومشاركته معنا، مثلما يستفيد اللاعبون . وأضاف: لن يكون معنا على ملعب التدريب فقط وإنما سيعمل أيضا، على سبيل المثال، في دراسة الفرق المنافسة وتحليل المباريات . وبدوره أبدى أوليفر بيرهوف، مدير المنتخب الألماني والذي كان قد لعب في نهاية مسيرته الدولية إلى جانب كلوزه ضمن صفوف المنتخب، ترحيبه بشريكه الهجومي السابق.