رغم أن الحكومة صادقت في فيفري 2012 على المرسوم التنفيذي المتعلق بالمخطط الدائم لحماية قصبة الجزائر العاصمة التي تم تصنيفها عام 1992 ضمن التراث العالمي، وعلى قانون « المخطّط الاستعجالي» الذي تبلغ تكلفته الإجمالية 56 مليار دينار، يستمر مسلسل إهمال وتساقط القصبة على إيقاع الخطابات الترميم الرنانة في ضل غياب إرادة حقيقية لدى صانعي القرار لحماية وإنقاذ ما تبقى من قلعة المحروسة. تحيي الجزائر اليوم المصادف ل23 فيفري اليوم الوطني للقصبة وكلها آمال أن تتوقف عمليات الاغتصاب اليومي للقصبة من تهديم عشوائي للبنايات من طرف بعض سكانها من أجل الظفر بسكن وتشويه الجانب العمراني والمعماري أو من طرف قرارات الترميم العشوائي التي تغيب عنها إستراتيجية حقيقة وما يطبعها من ارتجال في الترميم الذي لا يراعي الخصوصية الثقافية والقيم الاجتماعية التي تختزنها القصبة جوهرة المتوسط البيضاء التي يغطيها الوحل . وربما نجتر ككل سنة نفس الآمال وتقام الأيام الدراسية لمدة 24 ساعة فقط ليذهب الجميع من حيث أتى دون أي جديد، ويتعمق حرج القصبة النازف في صمت القصبة التي تمتد على مساحة 105 هكتارات بنيت في القرن السادس عشر من طرف الإخوة خير الدين وبابا عروج بربروس، أدرجت على لائحة التراث العالمي للبشرية منذ ,1992 من طرف اليونيسكو ل»قيمتها الاستثنائية» و»شهادة على تناسق العديد من التوجهات في فنون العمارة في نظام معقد وفريد عرف كيف يتأقلم مع أرضية صعبة» تقع في الهضبة المطلة على البحر. أنين المدينة البيضاء في زيارتنا الميدانية لبعض ما تبقى من أحياء القصبة خلق لدينا الوحشة والخوف من الغوص أكثر في ما تبقى من روح القصبة الذي طاله الإهمال والنكران، بسبب تهدم وانهيار أجزاء كبيرة من الأحياء ونحن نمشي في أزقتها البالية القريبة من زنقة بعقاشة غير بعيد عن ضريح الولي سيدي عبد الرحمان الثعالبي الذي ما يزال يعج بالزوار الذين يحنون إلى يوميات القصبة في الماضي، شعرنا بكل أسف ما آلت إليه المدينة البيضاء التي كانت تعبق في الماضي القريب بالتاريخ والتراث، المدينة التي قال عنها الجنرال ماسي « مدينة التعذيب في العالم « تئن في صمت هي التي آوت واحتضنت قادة الثورة وأبطالها حالها اليوم يمزق قلوب أبناؤها الذين غادر بعضهم برغما ليدخلها الغرباء ويحولوها إلى وكر كبير للعبث ، القصبة أو القلعة، المدينة المحصنة الممتدة من البحر إلى ربوة يزيد ارتفاعها عن 100متر، كانت ولاتزال تحفة معمارية، القصبة العتيقة التي وإن هناك العديد من أحياءها اندثرت مع مرور السنوات غيرأنه ما تزال تحتوي على دويرات على غرار قصري «خداوج العمياء» و»مصطفى باشا» ومساجد عتيقة كجامع سيدي رمضان، ومسجد كتشاوة وأضرحة الأولياء الصالحين من بينهم ضريح سيدي عبد الرحمان الثعالبي. تضم قصبة الجزائر 554 بناية في حالة تدهور كبير من بينها 188 في «حالة كارثية» وهي تشكل تهديدا لسكانها حسبما أفاد به تقرير ديوان تسيير واستغلال الممتلكات الثقافية السنة الماضية وأفاد التقرير بأن كل البنايات المسكونة واقعة في منطقة السكن التقليدية وهي تمثل 30 من القطاع المحفوظ بالقصبة الذي تشهد علية تطبيقه تذبذا بعذما تمت المصادقة عليه في فبراير2012 وأشار التقرير إلى أن المحيط المعني بالمخطط فقد 17 من الحظيرة السكنية أي 373 مسكنا مسح من الموقع ما يشكل تهديدا لباقي البنايات حيث ينص المخطط على إعادة بناء البنايات المهدومة بالشكل الذي كانت عليه. حين يغزو القصدير جوهرة الجزائر أضاف ذات التقرير أن درجة تدهور 908 بناية أخرى «متوسطة» في حين تعتبر 120 بناية تحطمت و120 مغلقة، مشيرا إلى أن هذه البنايات آهلة بالسكان، ما يعيق عمليات الترميم، حيث ذكر بأن الديوان طلب من الولاية توفير 514 سكن مؤقت و793 سكن نهائي دون أن يتم الرد على هذه الطلبات كما أشار التقرير إلى إدراج تحويلات على 1816 بناية، مما أدى إلى انهيار أغلبها. ومن جهة أخرى أكد التقرير وجود 72 بناية غير قانونية من سكنات إلى بنايات قصديرية في قلب القصبة علاوة على حفر أبيار بداخل السكنات وقد ضع الديوان الوطني لتسيير واستغلال الممتلكات الثقافية المحمية بالجزائر مخططا لحمايتها وترميمها ويتضمن المخطط ثلاث مراحل أولها المخطط الإستعجالي الذي مس 343 مبنى بالقصبة وكذا المرحلة الثانية التي تعلقت بالدراسات من خلال التحليل التاريخي والطوبوغرافي لما قبل المخطط. كما تخص المرحلة الثالثة الضبط النهائي لمختلف الأسس التي يقوم عليها المخطط وقد عكفت الجهات المعنية منذ ثلاثة عقود من الزمن على وضع مخططات إنقاذ أو ترميم القصبة واستنزفت ميزانيات ضخمة يجهل كيفية تسييرها ويعود تاريخ المهمة الإنقاذية الأولى إلى 1981 حينما دعت الحكومة لإجراء دراسات لوضع خطة إنقاذية وبعد مرور ثمانية عشر شهرا عن ذلك عهد بالمهمة إلى المركز الوطني للدراسات والأبحاث التطبيقية والحضرية ومرة أخرى لم تسفر الخطة عن أي نتائج ملموسة رغم أن القصبة صنفت سنة 1991 كتراث وطني كما صنفت في 1992 كتراث عالمي من طرف اليونيسكو قبل أن يسحدث لها يوم وطني المصادف ل 23 فبراير من كل سنة. وفي مقال نشره موقع « باب زمان» بعنوان « قصبة الجزائر: حالة طوارئ « يرى الباحث بلقاسم باباسي رئيس جمعية القصبة أنّ لا شيء ملموس تحقّق سنة ,2013 بمعنى أن منذ ثلاث سنوات لا توجد آفاق واضحة المعالم، خاصة في عملية ترميم حقيقية تبنّتها وزارة الثقافة، حيث أن الأشغال الاستعجالية التي انطلقت لتدعيم البنايات الهشة بالقصبة تتضاءل يوما بعد الآخرالباحث بلقاسم باباسي تأسف على بقاء الأحوال على حالها وأكثر على عدم الالتزام بالمقاييس الفنية في ترميم الدويرات، حيث أوكلت مهمة الترميم إلى حرفيين غير مؤهلين لهذه العملية، إذ غالبا ما يغادرون ورشات العمل فور الحصول على مستحقاتهم، حتى وإن لم تنته المهمة بشكل كامل، ويواصلون العمل، فمعظمهم لا يملك الصنعة، بالتالي أصيب بعضهم أو توفي نتيجة جهله لأسس العمل وتساءل رئيس جمعية القصبة بمرارة عن العدد الهائل من المؤسسات ومكاتب الدراسات التي تعمل في هذا المشروع، حيث وصل عددها إلى 142 مؤسسة و22 مكتب دراسات متواجد في الميدان، مع ذلك، لم يتحقّق الملموس، وهنا يعلّق متهكما « لنحسب العملية بالمنطق فلو أنّ حرفيا يرمم أو ينقذ ولو جزئيا بناية في مدة سنة كاملة لوجدنا في نهاية السنة 142 بناية في حالة جيدة، وهذا الرقم سيضرب في ,3 أي منذ انطلاق العملية ليصل إلى 426 دويرة يتم إنقاذها كليا، حيث تمثّل 50 بالمائة من النتيجة النهائية، وضمن هذه الوتيرة، من المفترض أن في الثلاث سنوات القادمة، سيتم ترميم كل دويرات القصبة «. تفاصيل عن المخطّط الاستعجالي لإنقاذ القصبة في نفس السياق، وضمن نفس العمليات الموجهة للترميم، والتي اعتبرها باباسي غير مكثّفة حتى في اجتهادها لتجنيد مختلف القطاعات قصد حلّ مشاكل الملكية بوضع اليد ومشكل النفايات، الكهرباء، التهيئة العمرانية وخلق النشاط الحرفي، إذ بقي موقف اللامبالاة سيد الموقف ، ليبقى الغبار المشهد السائد وتبقى بنايات القصبة تعاني مرض الفتق والنزيف الذي يسمح بسرقة بعض وسائل الترميم والأسس الخشبية الموضوعة لدعم البنايات ويؤكد باباسي أن هذه الوضعية ساهمت في نهب تراثنا بوحشية وبيعه بالقطعة في كل مكان، إثر الترميمات التي يقوم بها الخواص لدويرات المواطنين، بالتالي ضياع البلاط، الأعمدة، الرخام، الفسيفساء وغيرها. «المخطّط الاستعجالي « المسجّل ضمن إطار أوسع لمخطّط دائم خاص بحماية القصبة، تبلغ تكلفته الإجمالية 56 مليار دينار، ليؤكّد أنّ قانون هذا المخطط يضمن التمويل حسب ترميم وإعادة هيكلة البيوت والمباني، لذلك تستفيد البيوت من الدعم المتمثّل في أسس خشبية تسندها، لكن أمام نقص التوعية والإعلام عند المواطنين، يلجأ الكثير منهم إلى نزع هذه الدعامات كي تسقط، بالتالي الاستفادة من السكنات الاجتماعية. في المقابل، أشاد رئيس مؤسسة القصبة بخدمات الولاية المجسّدة على أرض الواقع، كذلك الحال بالنسبة لشباب القصبة، خاصة من سيدي بوغدور وجمعة سفير الذين تجندوا لتنظيف الشوارع، ويقرّ بأنّ المخطط صعب لأنه يشبه العملية الجراحية الدقيقة، لكن ذلك حسبه لا يمنع الالتزام وسرعة التدخّل، لأنّ جدران هذا الحي العتيق تسقط يوما بعد الآخر، لتنهار معها المعالم والحومات، مثل باشارا، بودريس، سمالا وغيرها من الشوارع والحومات التي تعتبر نسيجا عمرانيا متكاملا وتأسف الباحث بلقاسم باباسي على موقف المنتخبين المحليين الذين تملصوا من المسؤولية، مناشدا الوالي زوخ تخصيص جولة إلى القصبة كي يقف على الوضعية أكثر، ويخلص الابحث بلقاسم باباسي إلى أنّ كلّ ما يقدم لسكان الدويرات أحاديث بيزنطية وأن قانون 9804 يبقى مجرد رسالة ميتة في غياب التطبيق. لتذكيرأعلن كاتب الدولة المكلف بالسياحة لدى وزارة السياحة والصناعة التقليدية، محمد أمين حاج سعيد،قبل أشهرعقب زيارته لمدينة القصبة أن الحكومة خصّصت مبلغا ماليا يقدر ب 26 مليار دج لإعادة تهيئة وترميم مرافق وبنايات القصبة العتيقة.