تحقيق: إلهام طالب برز بمجتمعنا في السنوات الأخيرة نوع جديد من الإدمان و هو الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي و استخدام التطبيقات الإلكترونية المتنوعة، لضمان الاتصال المجاني و السري بأشخاص من الجنسين ،بمختلف أرجاء المعمورة في أي وقت و مكان ، ليس بالتغريدات، و الرسائل القصيرة فقط، بل أيضا بالصوت و الصورة و الفيديوهات المباشرة ، ما أوقع الكثير من الزوجات و الأزواج، خاصة الشباب منهم، في شباك شكل تكنولوجي عصري من الخيانة الزوجية، يعرف بالخيانة الزوجية الافتراضية أو الإلكترونية. المختصون يؤكدون بأن هذا النوع من الخيانة الزوجية الذي يمارس في البداية على سبيل الفضول أو التسلية و الترفيه ، يؤدي تدريجيا إلى الإصابة بالاضطرابات و الأمراض النفسية و السلوكية و الاجتماعية، و يمكن أن يقود في العديد من الحالات إلى نشوب فضائح و ارتكاب جرائم و اللجوء إلى أبغض الحلال، وما خفي أعظم ، لأن كل أنواع الخيانة الزوجية ،و ما بالك بالافتراضية لا تزال تصنف ضمن الطابوهات المحاصرة بأسوار من الصمت و الكبت بمجتمعنا و من الصعب جدا إثباتها قانونيا ،إذا تم رفع قضايا أمام المحكمة. الملفت أن شريحة واسعة من المتزوجين ،من الجنسين، تتجاوز الخطوط الحمراء، باستغلال الهواتف الذكية و اللوحات الرقمية و أجهزة الكمبيوتر في تكوين علاقات عاطفية ، و أحيانا جنسية سرية، في غفلة عن الشركاء ،ما يؤدي تدريجيا إلى حدوث شرخ عميق في العلاقات الزوجية، أو يؤدي إلى ما لا يحمد عقباه و قد يصل إلى القتل. لقاءات سرية مجانية بالصوت و الصورة و الفيديو بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي العديدة ، هناك تطبيقات عديدة يمكن تحميلها على الأجهزة المذكورة بالمجان، تمكن مستعمليها من الحديث بالصوت و الصورة و حتى الفيديو على المباشر، من بينها تطبيقات مخصصة للتعارف و المغازلة و الحب ، و أخرى مخصصة للقاءات الجنسية الافتراضية . كما توجد تطبيقات تشجع جهارا نهارا على الشذوذ الجنسي، و الأخطر أن هناك تطبيق بنفسجي يمكن استغلاله دون تحميله،عن طريق فتح حساب بموقع تواصل يعتبر الأول من نوعه لأنه مخصص للمتزوجين الراغبين في المغامرات و اللقاءات السرية العابرة.علما بأن هذا الموقع الذي يتهافت عليه الملايين عبر العالم، أثار مؤخرا موجة استنكار و تنديد بفرنسا من طرف جمعيات كاثوليكية و أخرى تعنى بشؤون العائلة،بعد تنظيم حملات ترويجية له. المؤكد أن العامل المشترك بين كافة مواقع التواصل الاجتماعي و التطبيقات المختلفة، أنها يمكن أن تقود بسرعة إلى إدمان مدمر يشبه الإدمان على المخدرات. حالات كثيرة تمكننا من جمعها حول هذه العلاقات الافتراضية،التي يصنفها الكثير من المدمنين عليها في خانة التسلية و الترفيه،خاصة و أنها قادت العديد من الأزواج إلى الطلاق و الخلع و حتى القتل، ناهيك عن الاضطرابات النفسية و السلوكية و الجنسية و الاجتماعية. زوجة تخلع زوجها لأنها ضبطته متلبسا..! . سماح في الثلاثين من عمرها، تزوجت منذ ست سنوات، بعد قصة حب ملتهبة من فارس أحلامها وحيد الذي يكبرها بسنتين فقط، و أنجبا طفلين و عاشا في منتهى السعادة و الانسجام، لكن قبل ستة أشهر تقريبا، انقلبت حياتهما رأسا على عقب. لقد فوجئت الزوجة بزوجها يبتعد عنها تدريجيا، و يغير سلوكاته و معاملته لها و اجتاح دفء علاقتهما صقيع مخيف. لاحظت بأنه يتسلل من غرفة نومهما كل ليلة، و لا يعود إلا بعد ثلاث أو أربع ساعات. في إحدى الليالي قررت بعد ساعة من مغادرته الفراش، أن تلحق به. ضبطته في الغرفة المجاورة أمام جهاز الكمبيوتر، و هو يلهث في حالة هيجان جنسي كامل، و لم يبال بوجودها أمامه و تابع ما هو فيه. قالت: "صدمتي كانت هائلة، و كأنني أمام شخص لا أعرفه، تحطم كل شيء في أعماقي. منحته كل شيء و لم أقصر في واجباتي نحوه قط، فلماذا خانني بهذه الطريقة الحيوانية البشعة؟ من المستحيل أن أقبل به زوجا بعد هذه الفاجعة." و بالرغم من تدخل أسرة زوجها لمحاولة جبر ما انكسر، إلا أنها حملت ابنيها الصغيرين و توجهت إلى منزل عائلتها ثم طلبت التطليق للضرر، و لأنها لم تتمكن من إثبات الضرر، رفعت قضية خلع. مواقع التواصل الاجتماعي تحوله إلى شيخ متصاب إطاران متقاعدان في العقد السادس من العمر، تزوج كافة أبنائهما و لديهما مجموعة من الأحفاد. اكتشفت أم محمد بأن زوجها بدأ يتغير منذ سنة تقريبا، أصبح يهتم بمظهره، و يقتني ملابس شبابية، و كلما تلقى اتصالات هاتفية يهرع بعيدا عنها للرد عليها. و يقضي ساعات طويلة من النهار و الليل في مكتبه أمام جهاز الكمبيوتر. ذات يوم حضرت إحدى كناتهما لزيارتهما و كانت حاملا في الشهر التاسع، و في الليل شعرت بآلام المخاض ، فنقلها حماها على جناح السرعة إلى عيادة التوليد.و قبل أن تتصل أم محمد بابنها لتعلمه بما حدث ، توجهت إلى مكتب شريك حياتها، فوجدت أمامها صورا و فيديوهات لشابات عربيات و أجنبيات بملابس فاضحة في وضعيات خليعة على شاشة الكمبيوتر، و أصيبت بالذهول عندما قرأت رسائل و تعليقات زوجها المتصابي عليها . فكرت هنيهة، ثم قررت أن تلتزم الصمت، و تترك زوجها يعيش حياته الثانية، فلو طلبت التطليق هي تعلم بأنه لا يوجد قانون يصنف هذه الممارسات في إطار الخيانة الزوجية، و لا يمكنها إلا أن تخسر حياة الرفاهية و الاستقرار، و كذا إرثها لاحقا. طلاق بسبب الهاتف الذكي . ندى و ناصر ، توجا قصة حبهما الجميلة منذ سنوات بالزواج، و قضيا معا حياة سعيدة و مستقرة، إلى أن لاحظ الزوج بأن زوجته ابتعدت عنه باهتمامها و عواطفها و أصبحت تكذب عليه في أمور كثيرة، و كلما كان يتصل بها هاتفيا يجد الخط مشغولا. راود الشك ناصر، لكنه لم يستطع أن يصل إلى مرحلة اليقين، إلا بعد شهور طويلة. ذات يوم حضر على غير عادته ليتناول وجبة الغذاء في البيت، رن هاتف زوجته، فلم ترد، و استمر في رنينه، لم يتمالك عندئذ نفسه فأمسك الهاتف و رد فلم يجبه أحد. تضاعف شكه فخرج من البيت غير مبال بصرخات زوجته. و انكشفت أمامه الحقيقة: من كان يعتقد أنها توأم روحه على علاقة منذ ستة أشهر برجل آخر، تبادلا خلالها المكالمات الهاتفية، و الرسائل الملتهبة، مدعمة بالصور و الفيديوهات. عاد إلى البيت و قد سبقته دموعه، فوجدها قد غادرت بيت الزوجية. هرع ناصر إلى أقرب «مقهى للنت» و طبع كل تلك الرسائل الصادمة، ليدرجها ضمن ملف طلب الطلاق من زوجته. الفضاءات الافتراضية تؤدي إلى جريمة قتل . لم تكن سناء تتصور أن حياتها مع زوجها نبيل يمكن أن تتخذ منعرجا آخر غير الحب و السعادة و الاستقرار، لكن عمل زوجها الذي كان يحتم عليه التنقل و الابتعاد عنها في معظم ساعات الليل و النهار ، جعلها تشعر بالتعاسة و الفراغ ، ما دفعها إلى البحث عن طريقة لقتل الوقت، لم تكن لتعلم أنها ستؤدي إلى قتلها. لقد استعملت هاتفها المتطور، و هو هدية من زوجها، من أجل تشكيل شبكة من العلاقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي و تطبيقات اكتشفتها صدفة و قامت بتحميلها، في البداية اكتفت سناء بتبادل الأحاديث و وصفات الطبخ مع بنات جنسها، لكن سرعان ما تعرفت على مجموعة من الرجال و جرفها التيار بعيدا. ذات يوم عاد نبيل إلى بيته في ساعة متأخرة من الليل، فوجد زوجته نائمة و بين أحضانها هاتفها. لم يشأ أن يوقظها، فأمسك الهاتف ليضعه فوق الطاولة، و إذا به يلمح على الشاشة صورا لها في وضعيات يندى لها الجبين، و قرأ تعليقات أحد عشاقها الافتراضيين، ما جعله يتصفح أكثر مضمون الهاتف، فكاد يسقط من هول الصدمات. أخرج مسدسه و أطلق عليها النار، فأرداها قتيلة.
النفسانيون : طابو إدمان يحطم القلوب و يهدم البيوت أكدت النفسانية و المعالجة السلوكية وردة بن رحلة، بأنها تمنت كثيرا أن تتاح لها الفرصة لتكسير طابو الخيانة الزوجية بمجتمعنا، و التي اتخذت شكلا إلكترونيا في عالم افتراضي،و لا تملك ،كما أكدت، إلا أن تدق ناقوس الخطر أمام الارتفاع الملحوظ لأعداد من يمارسون هذا النوع من الإدمان الذي يشبه،حسبها، الإدمان على المخدرات سواء في البيوت أو أماكن العمل .مؤكدة بأن هذين النوعين من الإدمان لهما نفس الأعراض من الشعور بالذنب و التبعية إلى عدم القدرة على كبح النفس و التوقف عن الممارسة و الركض أمام نشوة وهمية مدمرة. و من يصاب بإحدى الآفتين، على حد تعبيرها، لا يكن واعيا بالأضرار التي تتربص به و بعائلته، فيتمادى أكثر فأكثر. و شددت بأن الإدمان على الخيانة الإلكترونية سلوك نفسي مرضي،و يمكن تصنيفه كشذوذ عاطفي و جنسي ، يؤثر بمرور الوقت على العلاقات بين الزوجين و يهزها في العمق،كما ينخر عقل المدمن و يدمر علاقاته العائلية و الاجتماعية. و أشارت إلى أن شخصية من يتعاطى هذا النوع من الخيانة تكون في الغالب غير متوازنة و مضطربة، أو أنها تعكس المعاناة من فراغ أو انفصال نفسي أو جسدي و جنسي مع الطرف الآخر. و يحتاج صاحبها إلى استشارة و مساعدة مختصين، لكي يصل إلى مرحلة الوعي بما هي فيه، ثم يتم التكفل به نفسيا و سلوكيا . و يرى النفساني رابح لوصيف من جهته، بأن اللجوء إلى الخيانة الافتراضية التي تعتمد أساسا على الخيال و الوهم أكثر من الواقع، عملية تعويضية لما يعانيه الزوج أو الزوجة من فراغ أو نقص في جانب معين من علاقته بالطرف الآخر، خاصة في ما يتعلق بالحنان و الاهتمام و كذا النقص في العلاقات الحميمية، مشيرا إلى أنها تبدأ بدافع الفضول و الرغبة في الهروب من الواقع، ثم يتعود عليها الشخص إلى أن يدمنها. و قد تعكس، حسبه، في حالات كثيرة إصابة هذا المدمن، بمشاكل جنسية، مثل العجز الجنسي أو سرعة القذف.و بدل العلاج الطبي يبحث عن الإثارة الالكترونية. و ينصح النفساني الزوجة التي تضبط زوجها يمارس هذا النوع من الخيانة، بأن تفكر بشكل إيجابي و لا تحطم أسرتها و بيتها ،لأن الصور و ما تمثله من علاقات عابرة لا يمكن أن تعوض الواقع مهما كانت. و من هنا تسعى إلى تدارك الانفصال العاطفي الذي حصل ،ربما لانشغالها بأبنائها و عملها و غياب الحوار و «اللمة» و الالتحام الأسري، و اقتحام التكنولوجيا ، و يمكن أن تسترجع زوجها بالحب و تسانده إذا كان بحاجة إلى علاج. و نفس الشيء إذا كانت المدمنة هي الزوجة. و ترى النفسانية وهيبة حازرلي بأن غياب الثقافة الجنسية الصحيحة و عدم تلقين التربية الجنسية في المقررات التعليمية في الصغر، من أهم العوامل المؤدية إلى الإدمان على الخيانة الافتراضية و السعي للعلاقات المحظورة الأخرى و انتشار مختلف الأمراض المتنقلة عن طريق الجنس بمجتمعنا و ارتفاع حالات الطلاق.متأسفة لأن العديد من الأزواج يتخذون من الرباط المقدس، واجهة لإخفاء الانحرافات و الشذوذ و الأمراض في حين هم بحاجة ماسة إلى تكفل نفسي. المحامية فتيحة بغدادي ترعي: القانون الجزائري لا يجرم مقترفي الخيانة الالكترونية أوضحت مندوبة الشرق في اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان و رئيسة جمعية نور لحماية و ترقية الأسرة، المحامية فتيحة بغدادي ترعي، بأنها حاولت معالجة قضيتين تصنفان في خانة الخيانة الافتراضية التي اعتبرتها ظاهرة مسكوت عنها بمجتمعنا، رغم انتشارها الخطير. مضيفة بأن الزوجتين اللائي لجأتا إليها عجزتا عن إثبات الضرر الذي لحق بهما من زوجيهما، و تقديم الأدلة اللازمة للمطالبة بالتطليق،فالقانون الجزائري ،كما أكدت ، لم يخصص مادة حول هذا النوع من الخيانة العصرية الناجمة عن الاستغلال الضار و اللاأخلاقي للتكنولوجيا. كما أن الأئمة و رجال الدين لم يبادروا إلى تحريم هذا النوع من العلاقات التي تجعل الزوج يتخذ عالمه الخاص و يهمل زوجته و أبناءه ما يؤدي في الغالب إلى أبغض الحلال.مشيرة إلى صعوبة إثبات جريمة الزنا و الخيانة الزوجية الواقعية و ما بالك بالافتراضية، مشددة بأن هناك ثغرة قانونية كبيرة في قانون العقوبات الجزائري،في ما يتعلق بإثبات الخيانة الزوجية عموما، فمن الصعب جدا أن يضبط رجال الأمن الزوج أو الزوجة في حالة تلبس،أو يتم إحضار شهود عيان ليتم تسليط عقوبة الحبس لمدة سنة أو سنتين على الخائن أو الخائنة،استنادا للمادة339 من قانون العقوبات، لهذا تتحول معظم هذه القضايا إلى قضايا طلاق. و يكفي أن نشير بأن دراسة أجريت مؤخرا ببريطانيا ،أثبتت بأن 33 بالمائة من حالات الطلاق بالمجتمعات المعاصرة سببها الإدمان على الفايسبوك.