إدمان استعمال مواقع التواصل الاجتماعي أدى إلى فراغ عاطفي بين الأزواج كل واحد منهما يعيش في عزلة عن الآخر، يمضي فيها ساعات طويلة يتصفح فيها المواقع الالكترونية، فالدردشة عبر غرف الحوار جعلت الانفلات والتحرر ميزة أساسية في عصرنا وأصبح يستهوي الأزواج في شبكات الأنترنت، فكسر بذلك كل الطابوهات والقيود التي تفرضها التقاليد والأعراف الاجتماعية. وحتى نتعرف أكثر على تأثير هذه التكنولوجيات الحديثة على العلاقة التي تربط الزوج والزوجة اقتربت ''الشعب'' من المواطنين لنقل آرائهم في الموضوع. @ شفيقة سيدة في عقدها الثالث هي عاملة بإحدى المؤسسات العمومية تقول عن الموضوع: ''الحقيقة منحت التكنولوجيا الحديثة فرصا جديدة للأزواج من أجل توطيد العلاقة الزوجية لما توفره من اتصال مباشر بين الطرفين لأنها اختزلت المكان والزمان وحولته في جهاز صغير أصبح بإمكان الزوج أو الزوجة أن يتصل الواحد منهما بالآخر في أي وقت وفي أي مكان، بل تجاوز هذا التواصل الصوت وأصبحت الصورة لها دور مهم في نقل حالة كل واحد منهما. ولكن كما أن لهذه التكنولوجيا إيجابياتها لها أيضا سلبياتها التي طفت على السطح. ونغصت في كثير من الأحيان الحياة الزوجية وأصبحت تلعب دورا مهما في إشعال نار الفتنة بين الزوجين بل تصل الى حد الطلاق بسبب اتصال هاتفي أو رسالة نصية أو حتى رسالة على الفايس بوك''. @أمينة سيدة في الأربعين من عمرها متزوجة وأم لطفلين اقتربت منها ''الشعب'' وسألتها عن تأثير التكنولوجيا الحديثة على العلاقة الزوجية، فقالت: ''هذه التكنولوجيا استطاعت منح العلاقات الاجتماعية عامة والزوجية خاصة بعدا جديدا يمكن كل واحد التواصل مع الآخر لينقل في سرعة فائقة الإنسان من جسد إلى كتلة من الشحن السالبة والموجبة تجتمع في نظام خارق لتشكل كتلة الأحاسيس التي نشعر بها وترسلها في كتل كهربائية إلى الطرف الثاني''. وأضافت أمينة أكثر من ذلك أصبح الاتصال بين الزوجين سهلا ويسيرا مع كل ما تقدمه ''الوسائل التكنولوجية الحديثة من تطور، وأنا شخصيا قد سمح لي ''الفايس بوك ''التعرف على زوجي الذي تقدم لخطبتي بعد تبادل رسائل إلكترونية عرضنا وجهات النظر التي مكنت كل واحد منا التعرف على شخصية الآخر وكانت النتيجة حسن ختام توّجت بالزواج، ولولاه لما تمكنت من ذلك خاصة وإن عائلتي كانت محافظة ترفض أي علاقة بين الرجل والمرأة''. طلاق بسبب الفايس بوك @رضا محاسب في شركة خاصة كانت له وجهة نظر مختلفة عن الموضوع، قال في إجابته عن سؤال ''الشعب'' :« إن كان البعض يعتبر الإضافة التي قدمتها التكنولوجيا الحديثة للعلاقة الزوجية ايجابية فأنا أرى العكس، لأنها مكنت كل من يريد تحطيم الرابطة الزوجية من امتلاك الأدلة والبراهين لفعل ذلك ف ''الفايس بوك'' و''الكام ويب'' أصبحا وسيلة للخيانة الالكترونية التي صار البعض يقبلها لأنها في النهاية ليست حقيقية لغياب الاتصال الجسدي بين الرجل والمرأة التي اعتبرها أول ضحايا هذه التكنولوجيا وأول الخاسرين في لعبة العالم الافتراضي. من منا لم يسمع عن الابتزاز الذي تتعرض له بعض السيدات بسبب صور تمت قرصنتها من صفحتهن على ''الفايس بوك''، كما حدث مع زميلة لي في العمل التي كادت أن تتطلق من زوجها، لأنه وجد صورتها مع زميل لها في العمل على احدى صفحات شبكة التواصل الاجتماعي، ولم يصدق زوجها التبرير الذي قدمته له رغم أن الصورة التي جمعتها مع زميلها كانت في مناسبة خاصة بالشركة ولكن اشتعال نار الشك والغيرة جعله يساوم تلك الزميلة يخيرها بين العمل أو الطلاق وبالفعل قدمت استقالتها لتحافظ على بيت الزوجية''. @ '' سميرة'' سيدة في الخامسة والثلاثين من عمرها تقول عن تأثير التكنولوجيا الحديثة على العلاقة الزوجية: ''بداية أخبركم أنني سيدة مطلقة بسبب ''الفايس بوك''، فبعد ثلاث سنوات من ارتباطي اكتشفت أن زوجي يخونني مع فتاة في الثامنة عشر من عمرها على موقع التواصل الاجتماعي. والأدهى والأمر أنه لم ينكر، فطلقني وتزوج بها ولولا أهلي لكنت الآن في الشارع. هذا الانقلاب في حياتي جعلني أقتنع أننا كمجتمع نسيء استعمال وسائل التكنولوجيا الجديدة حولناها إلى وسيلة لتخريب البيوت وكسر الرباط المقدس الذي يجمع بين الزوجين''. وتواصل سميرة حديثها: ''أرى أنها سلاح ذو حدين على مستعمله الحذر من الوقوع في هذا النوع من الإدمان الذي يسلب صاحبه كل إرادة في التواصل مع المحيط ويجعله يعيش في عزلة ووحدة موحشة تسرق منه مع مرور الوقت إنسانيته التي يحياها مع الآخر''. اتصال خلق انفصال... حتى نُلم بالموضوع اتصلت ''الشعب'' بأستاذ علم الاجتماع توفيق قطوش الذي أكد أن الحياة الزوجية استفادت من الرقمنة بصفة ايجابية للتواصل بين الطرفين وتغلبت المرأة بفضل ذلك على الكثير من مآزق و معوقات المجتمع، وأصبحت العلاقات داخل الأسرة تتسم بالسرعة، ففي أي وقت وفي أي مكان يمكن للمرأة أو الرجل أن يتصل بشريكه. ولكن في المقابل هناك تأثير سلبي للرقمنة أو التكنولوجيا الحديثة التي جعلت من الزوجين يقعان في إدمان رهيب عليها وأصبح التواصل الافتراضي هو الواقع المعاش للزوجيين رغم أننا لم نصل إلى التطور الذي وصلت إليه الدول الأروبية لذلك يمكن اعتبار هذا التأثير أقل من الذي تعرفه تلك المجتمعات. أما بشأن الانعكاسات السلبية لهذه الوسائل، فقد أكد الأستاذ توفيق الناتجة عن التسارع الكبير الذي أحدثته كثافة الاتصال (أنترنيت، شبكات التواصل الاجتماعي، هاتف نقال)، فقدان المجتمع للروابط التي كانت تنشأ بين الجيران وأبناء الحي الواحد بسبب إدمان استعمال هذه الوسائل التكنولوجية عزل مستعملها في دوامة مغلقة ما أدى ببعض المفكرين إلى وصفه بالاتصال الذي أنتج انفصال. كما ساهمت الرقمنة في القضاء على الحميمية وكسرت الطابوهات التي وضعتها التقاليد والأعراف الاجتماعية أما بشأن الخيانة الزوجية الالكترونية، فهي ظواهر موجودة قبل تلك الوسائل التكنولوجية هي فقط زادت في حدتها، لأنها تحولت من الواقع المعاش إلى واقع افتراضي تحكمه قوانين خاصة. القانون الجزائري لا يتماشى والتكنولوجيا الحديثة من جهتها، أكدت القانونية «نزيهة .ب»، إن القانون الجزائري لم يصل بعد إلى تكييف مواده، حسب المستجدات الحالية، إذ ينبغي تحديثه وفقا للتطور الذي يعرفه العالم الافتراضي، فهو يرفض مثلا التصوير الرقمي وإن كان إثبات لواقعة أو دليل في قضية ما، لأنه لا يقبل إلا الأدلة المكتوبة باليد، ولعل التحفظ الذي نجده على مستوى المحكمة عند طلب تحليل الحمض النووي يعكس الصورة التي نريد إيصالها للمجتمع والمشرع في نفس الوقت . وفي سياق حديثها، قالت القانونية إن التكنولوجيا الحديثة أصبحت إحدى الأسباب التي تؤدي الى الطلاق الذي يعرف تزايدا، حيث سجلت الإحصائيات 60 ألف حالة طلاق سنويا. فالحرية وسرعة في التواصل عبر الشبكة الاجتماعية جعل القيود التي كانت تتحكم في العلاقة الزوجية تذوب وتتضاءل، حتى الزوجة التي كانت مطالبة بالابتعاد عن صداقة الرجال أصبحت اليوم تستطيع ذلك، وحتى السهولة في التلاعب بالصور وفبركتها جعل الأسرة في خطر دائم ومهددة بأن يجد أحد الزوجين صورة أو تعليق أو صداقة يرفضها أحدهما. الاستخدام السيئ أضّر بالفاعلية الايجابية للتكنولوجيا الاجتماعية الحديثة يسمي البعض التطور الذي عرفته تكنولوجيات الاتصال الحديثة بالثورة الالكترونية التي خلقت عالما افتراضيا بدا يحكم قبضته على الواقع المعاش، هذه الثورة أوجدت في المقابل مجتمعا إلكترونيا يتكون من مجموع مستعملي الأنترنيت الذي كان للبعض بمثابة العصا السحرية التي تحقق الأماني، ولأن الإنسان كتلة من المشاعر والأحاسيس وجد في العالم الافتراضي الغموض الذي سلب عقل الإنسان وأذهله، وفي سلاسة وسهولة كبيرة تحكمت مواقع التواصل الاجتماعي في مستخدميها. ورغم كل التحذيرات التي أطلقها العلماء المختصون لم يتمكن الفرد من الهروب من هذا السحر، بل كان في الاتجاه المعاكس ، فغياب الإشباع العاطفي الذي يعانيه معظم الأزواج بسبب الانشغالات والمشاكل اليومية، خلق أسرة إلكترونية يتصل أفرادها عبر مواقع التواصل. فتحولت النواة الأولى للمجتمع تدريجيا إلى عالم افتراضي جعل التكنولوجيا الحديثة تكشف الغطاء عن عيوب كانت مكبوتة ومخبأة داخل البناء الاجتماعي للأسرة ما زاد ظاهرة الشك بين الأزواج وانعدام الثقة بينهم وفي بعض الأحيان تصل إلى التفكك وانفصالهم وحتى وإن لم يطلقوا بالفعل إلا هناك طلاق وجديد مرتبط بالمجتمع والأسرة الالكترونيين لأن المختصين أعطوه اسم الطلاق العاطفي. هذه التكنولوجيا الحديثة وبسبب سوء استعمالها جعل المجتمع يعرف حالة من الانفلات والتحرر غير مسبوقين من كل المكبوتات والطابوهات التي تكرسها مجتمعات العالم الثالث خاصة العربية والإسلامية، ولعل ما نقرأه في صفحات ''الفيس بوك'' خير دليل على ذلك، بل أصبحت غرف الحوار ومواقع الدردشة طرفا ثالثا في العلاقة الزوجية التي اغترب فيها الزوج عن زوجته وإن كانت بجانبه وغابت الزوجة عن زوجها وإن تقاسمت معه الغرفة. أمر يثير الكثير من الجدل ولكن الجميع متفق حول فاعلية التكنولوجيا الاجتماعية الحديثة التي وفرت للفرد وللمجتمع طريقة جديدة من التواصل غير مرتبطة بالمشاكل العادية الذي نعيشها في حياتنا اليومية، لذلك كثيرون يربطون هذه السلبيات بالاستعمال السيئ لها، فالتطور وجد لتسهيل حياة الإنسان وليس العكس، فالمراقبة مطلوبة وأساسية ولتكن أول خطواته ضمير متيقظ يرفض أن يكون السجين والسجّان في نفس الوقت.