بدأت القرية الريفية الصغيرة صالح صرفاني النائمة أسفل الجبل الأخضر غرب قالمة، تشد إليها الأنظار و تجلب إليها مزيدا من الاهتمام، بعد أن ظلت قرية ريفية منسية يسكنها نازحون قدموا من عدة أقاليم للعمل بالمصانع و شركات البناء بمدينة قالمة زمن النهضة الصناعية و الرخاء الاقتصادي الذي استمر سنوات طويلة، قبل حدوث الانهيار الذي قذف بآلاف العمال في الشوارع و أعاد أهالي صرفاني إلى أكواخهم القصديرية المتداعية. فتحول الكثير منهم إلى رعاة بقر و أغنام و بعضهم فضل الهجرة إلى مدينة عنابة الصناعية، والبعض الآخر فضل العمل بالبساتين و الحقول الزراعية بسهل سيبوس الكبير الذي يبدأ من قرية صالح صرفاني أو «الباسانج» كما يسميها أهلها إلى غاية مومنة على الحدود مع ولاية الطارف بأقصى الشرق، تفرقوا في كل مكان بحثا عن مصادر الرزق لكنهم يعودون في كل مرة إلى قريتهم الصغيرة التي لم يكن أحد يرغب بالعيش فيها، فهي لم تكن تصلح لشيء رغم موقعها الاستراتيجي على الطريق الوطني 20 عصب الحركة و التجارة بالمنطقة و قربها من مدينة قالمة و تجمعات حضرية أخرى عين أحسياينة، الفجوج، هليوبوليس و مجاز عمار، ظلت هكذا منسية، مهمشة يعشش الفقر بين بيوتها القصديرية المختفية وراء بساتين التين الشوكي التي صارت في ما بعد موردا اقتصاديا كبيرا إلى جانب قطعان البقر و الأغنام و حقول البطاطا و الطماطم الصناعية. أزمة العقار ببلديات حوض سيبوس جلبت الاهتمام إلى صالح صرفاني الاهتمام المتزايد بالقرية الريفية المنسية لم يكن صدفة بل فرضته عوامل قاهرة و في مقدمتها أزمة العقار التي دفعت بالمسؤولين المتعاقبين على ولاية قالمة و بلدية مجاز عمار على وجه الخصوص إلى البحث عن ملاذات جديدة يمكنها استيعاب مشاريع الإعمار التي تواجه تحديات كبيرة بحوض سيبوس الزراعي الذي لم يعد يتسع لمزيد من الخرسانة التي أكلت منه مساحات واسعة قبل وقف عمليات البناء بالأراضي الزراعية. صارت أعين المسؤولين المحليين على القرية الصغيرة التي تتوسط احتياطات عقارية هامة تبدأ من الطريق الوطني 20 إلى غاية الجبل الأخضر الواقع على الحدود المشتركة بين بلديات قالمة، بن جراح و مجاز عمار و بدأت العمارات السكنية تعلو بسفح الجبل مؤذنة ببداية قطب حضاري جديد سيكون ملاذا للهاربين من أزمة عقار خانقة تطوق عدة مدن قريبة من القرية. و قد رحل العشرات من سكان بلدية مجاز عمار مؤخرا إلى حي جديد بصالح صرفاني تم إنجازه في إطار المخطط الوطني للقضاء على السكن الهش و قبل ذالك أنجز المئات من المواطنين سكنات ريفية جميلة بدأت هي الأخرى تغير وجه التجمع الريفي الصغير و تبعث فيه الحيوية و النشاط. و يتوقع المهتمون بقطاع العمران بقالمة ضخ المزيد من مشاريع السكن بالقرية في ظل أزمة الاحتياطات العقارية التي تعرفها مدن المنطقة الممتدة على طول سهل سيبوس الكبير و لا يستبعد ترحيل المزيد من طالبي السكن إلى صالح صرفاني من خارج بلدية مجاز عمار خلال السنوات القادمة بالنظر إلى توفر مساحات معتبرة من الأراضي المخصصة لبناء العمارات الجماعية و السكنات الفردية. قطاعات عديدة بدأت تقيم مشاريعها بالتجمع الريفي الصغير بالإضافة إلى قطاع السكن بدأت مشاريع أخرى تظهر بقرية صالح صرفاني و التحقت قطاعات أخرى بحركية إعمار القطب الحضري الجديد حيث أطلقت شركة الكهرباء و الغاز مشروعا كبيرا لربط القرية بشبكة الغاز الطبيعي و إنهاء معاناة السكان مع قارورات الغاز، و يتوقع تشغيل الشبكة في وقت قريب. قطاع التجارة تدعم هو الآخر بمحلات جديدة تقع بين القرية و الطريق الوطني 20 و هو موقع هام سيحول هذه المحلات إلى سوق يومي كبير يجلب إليه التجار و المتسوقين العابرين للطريق المعروف بكثافة التدفق المروري على مدار الساعة. و أطلق مواطنون عدة استثمارات و مشاريع تجارية بينها مطاعم تقدم خدماتها لسكان القرية و عابري الطريق الوطني الذي أصبحوا يفضلون الاستراحة بالقرية بعد سفر طويل و خاصة سائقي الوزن الثقيل. و بنت مديرية التربية مدرسة ابتدائية بصالح صرفاني تقع بجانب مركز صحي و مسجد بني بهندسة راقية و صار مركز هدي و إشعاع بالمنطقة يقصده المئات من السكان و عابري الطريق الوطني 20. و تم تزويد القرية بمياه الشرب من قناة سد بوحمدان التي تمر بالقرب منها باتجاه مدينة قالمة المجاورة و ودع السكان أزمة عطش حادة استمرت سنوات طويلة. النقل.. مشكل قائم و مصدر للاحتجاجات خرج سكان قرية صالح صرفاني مرات عديدة إلى الطريق الوطني 20 مستعملين المتاريس و العجلات المطاطية المشتعلة احتجاجا على أزمة نقل مستديمة ليس بسبب نقص الحافلات و سيارات الأجرة التي تملأ الطريق الوطني 20 على مدار الساعة بل بسبب سوء التنظيم و بعض الممارسات التي يقوم بها الناقلون الخواص الذين يرفض البعض منهم التوقف بالقرية بحجة انعدام المقاعد و انخفاض ثمن التذاكر المخصصة للمقطع الذي يربط القرية بمدينة قالمة على مسافة لا تتعد 5 كلم. و ظل أصحاب الحافلات مصدر قلق و استفزاز للسكان الذين لم يترددوا في التعرض لهم و إلحاق الأذى بهم مع كل موجة احتجاج مطالبين بإجبار الناقلين على التوقف بالقرية حتى و إن لم تكن هناك مقاعد شاغرة داخل هذه الحافلة أو تلك. و قد خصصت مديرية النقل خطا لقرى مجاز عمار كالزعرورة، بن طابوش و صالح صرفاني لكن أصحاب الحافلات يرفضون استغلاله بحجة انعدام المردودية و المنافسة المفروضة عليهم من قبل حافلات العبور. و مع تحسن الأوضاع المادية لسكان صالح صرفاني أصبح الكثير منهم يعتمد على إمكاناته الخاصة للتنقل إلى قالمة و غيرها من المدن الأخرى لكن المشكل الأكبر يواجهه تلاميذ المتوسط و الثانوي و طلاب الجامعة و البعض من العمال الذين مازالوا يشتغلون بمدينة قالمة و الحل حسب سكان صالح صرفاني هو تخصيص خط قصير يربط قريتهم مباشرة بمدينة قالمة التي تعد المقصد الرئيسي لأهالي القرية الصغيرة التي بدأت تكبر و تتوجه بقوة إلى مستقبل واعد قد يجعلها القلب النابض لقرى سهل سيبوس الكبير.