]فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ الله وَصَدَفَ عَنْهَا[، إذا عرفتم يا كفار مكة هذا الكتاب وأنه منزل لكم وبلسان عربي مبين وفهمتم أحكامه، وعرفتم حدوده و أيقنتم عقائده التي يدعو لها وتشريعاته التي أتى بها، إذا عرفتم كل هذا فالويل لمن يكذب به، ومعنى ]فمن أظلم[، أي: لا أحد أظلم وأشد في كفره ممن كذب بآيات الله تعالى وأعرض عنها. ومعنى : وصدف عنها أى : أعرض عنها غير متفكر فيها ، أو صرف الناس عنها ، يعني هو أعرض بنفسه وصد غيره عن سبيلها فجمع بين الضلال والإضلال، أي لا آمن بها في خاصة نفسه ولا عمل بها،لا ترك غيره يعمل بها وهذا نظير قول الله تعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي لا هو صدق بآيات الله، ولا عمل بها فكذب بقلبه وترك العمل بجوارحه ففي هذا المقطع تقريع من الله، وتهديد منه بعدما جاءت البينة، وبعدما نزلت الحجة، فربنا لا يعاقب العبد حتى يقيم عليه الحجة، ثم قال { سَنَجْزِي الذين يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سوء العذاب بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ } أى : سنجزيهم أسوأ العذاب وأشده بسبب تكذيبهم لآياتنا وإعراضهم عنها .فالآية الكريمة تقطع كل عذر قد يتعلل به يوم القيامة المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللقرآن الكريم ، وتتوعدهم بأشد ألوان العذاب والذي يستفاد من الآيات الكريمات قانون إلهي صريح، وحكم رباني عادل وقرار سماوي منصف وهو أن الله لا يعذب عباده حتى يرسل لهم كتاب وحتى يرسل لهم رسولا وحتى يقيم عليهم الحجة، لأنه إن لم يفعل ذلك يكون قد ظلم عباده وحاشا لله أن يكون ظالما لعياله وهو الذي يقول في الحديث القدسي، يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، ولأنه إن لم يفعل سيحتج البشر يوم القيامة ويقولوا ما أنزلت لنا بشيرا يرشدنا إليك ولا نذيرا يدلنا عليك، وما أنزلت لنا كتابا يعلمنا هديك، وحاشا لله أن يفعل ذلك،أيضا بل لله الحجة البالغة والدليل الدامغ والبرهان الساطع، ولا يترك الفرصة لعباده حتى يقولوا في حقه مثلَ هذا الكلام، وهذا القانون أكد الباري عز وجل عليه في آيات كثيرة في التنزيل، ومواطن عديدة في القرآن،منها قوله ] وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [في سورة النساء، ]رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرسل } فصرح في هذه الآية الكريمة : بأنه لا بد من أن يقطع حجة كل أحد بإرسال الرسل ، مبشرين من أطاعهم بالجنة ، ومنذرين من عصاهم النار . د.سمير جاب الله أستاذ الفقه والقراءات القرآنية بجامعة الأمير