محمود خلفاوي حرفي فنان يجمع بين العزف و التلحين و صناعة الآلات الموسيقية اسمه أشهر من نار على علم في أوساط العازفين، و الموسيقيين، لا لشيء سوى لكونه من القلة القليلة الممتهنة لحرفة صناعة و تصليح الآلات الموسيقية، بعضهم يلقبونه بطبيب الآلات و بعضهم الآخر يفضل تسميته بزرياب الجزائري، إنه الأستاذ محمود خلفاوي الذي اجتمعت لديه كل المواهب التي لها علاقة بسحر الموسيقى من عزف و تأليف و تلحين و التي اختار أن يتممها بصناعة و تصليح الآلات الموسيقية. ورشة أستاذ الموسيقى المتقاعد و عازف القانون و العود محمود خلفاوي تعد مقصدا للموسيقيين الجزائريين المحترفين منهم و الهواة، الذين يأتون من كل مناطق الوطن بحثا عن محترف خبير و عازف ماهر و مثقف يشبع فضول المولعين بالموسيقى، النصر اتصلت بالحرفي الفنان ابن مدينة تقرت و لخصت تجربة قلما من يصمد فيها. محدثنا اختار في البداية التطرّق إلى مشروعه الفتي الخاص بتأسيس مدرسة موسيقية خاصة بالبنات، التي قال أنها تجربة استحقت المراهنة و التحدي، لما لمسه من مواهب و مهارات و طاقات إبداعية لدى فتيات عشقن الموسيقى و احتجن إلى من يدعمهن لمواصلة تحقيق أمنيتهن في صقل مواهبهن و الانضمام إلى فرقة موسيقية محترفة و هو ما يسعى حسبه لتجسيده، من خلال مشروع تخت نسوي، قرّر بعثه بعد نجاح تجربته الفنية البسيطة في فتح فرع موسيقي خاص بالبنات بزاوية التيجانية بتقرت، أين لمس اهتمام الكثير من الفتيات بالموسيقى و تشجيع أوليائهم لهن باقتحام هذا المجال الراقي. المشروع مثلما قال الفنان خلفاوي، بات قريب المنال، لأن ما طمحوا لتحقيقه في سنتين تمكنوا من تجسيده في مدة لم تتجاوز 10أشهر مع مجموعة نسوية تتكوّن من 20فتاة، أظهرن تفوّقا ملفتا في العزف و الآداء، موضحا بأن أغلب الآلات التي سجلت إقبالا كبيرا من قبل الفتيات تصنّف ضمن الوترية العود و القانون و الكمان و كلها آلات تعكس الحس الموسيقي و الفني العالي لهن. أستاذ الموسيقى المتقاعد بعد مشوار 28سنة قضاها في تدريس التربية الموسيقية، و عازف القانون في فرقة الأصدقاء، أكد الفنان بأن خبرته و معرفته بالآلات الموسيقية و رغبته الشديدة في إبداع آلات موسيقية أو تعريب آلات غربية تحوّل إلى هاجس لإدراكه لحاجة الموسيقيين الجزائريين إلى من يرمم و يصلح آلاتهم التي غالبا ما يتعبون لأجل الحصول عليها، لأنهم يقتنونها من الخارج عادة، فكانت الانطلاقة بتصليح الأدوات الموسيقية، قبل خوض تجربة صناعة أول عود يحمل بصمته، معتمدا في ذلك على قوة الملاحظة و تشريح كل آلة مشرقية و عربية تدخل ورشته بدافع التصليح، و بعد مرور الوقت اكتسب المهارة الكافية التي شجعته على توسيع حرفته إلى صناعة مختلف الآلات، على ضوء الصدى الذي لاقته العيدان التي جسدها لعشرات العازفين و التي أكد بأنها وجدت طريقها حتى خارج الوطن و هي اليوم موجودة ببريطانيا و تونس و فرنسا وغيرها من الدول بفضل ثقة و وفاء الموسيقيين الجزائريين للكفاءة الوطنية. محمود خلفاوي أكد لنا بأن خبرته في مجال صناعة العود، منحته فرصة صناعة آلات وترية أخرى كالقانون الذي يعرف إقبالا كبيرا من قبل عشاق هذه الآلة باعتبارها أغنى الآلات الموسيقية أنغاما و أطربها صوتا، بالإضافة إلى تجربته في صناعة البزق الذي يفضل تسميته بأنثى العود لحدة صوته و الذي أكد تزايد الاهتمام بها من قبل المولعين بالموسيقى ذات الروح الشرقية، ناهيك عن آلة الموندولين. الحرفي الذي يتعلّم و يلح على تدارك أبسط أخطائه، كمبتدئ متواضع يطمح لصقل موهبة نادرة، قال محدثنا بأن الفضل في ممارسة هذه الحرفة يعود بالدرجة الأولى إلى أستاذه بالمعهد التكنولوجي للموسيقى محمد الطبيّب عبيدي الذي علمه تشريح الآلات الموسيقية و فهم أبسط مكوناتها، مما جعله يفهم أدق التفاصيل و النقائص و المشاكل التي تعانيها أي آلة من خلال الاستماع لصوتها، و أصبح يدرك مكان الخلل بكل سهولة و يعرف بسرعة إذا كان يكمن في المفاتيح، الصندوق أو الوجه. و عن أسرار حرفته، أكد الحرفي المتميّز، بأنها تعتمد على جودة الخشب و مهارة الحرفي و خبرته الموسيقية، فصانع الآلات الموسيقية لابد أن يكون عازفا و موسيقيا و حرفيا في آن واحد، فلا يمكن أن تكتمل المهارة إلا باكتمال و وجود هذه الشروط، متوقفا عند أهمية انتقاء الخشب كمادة أولية أساسية، أسر بأنها لا زالت تشكل مشكلته الأولى و أهم صعوبة يواجهها في حرفته، قائلا بأن أجود الأنواع غير متوفرة و تصعب عملية استيرادها لما يتطلبه ذلك من إمكانيات من عملة صعبة و إجراءات ليس من السهل تحقيقها. و في سياق حديثه عن نوعية الخشب، قال بأن الآكاجو و الآرز و الجوز و الزان والفيروس..و غيرها من الأنواع تبقى من أجود الأنواع التي يتمنى استغلالها، موضحا بأن الآلة الواحدة قد تحتاج إلى أكثر من نوع لأن المفاتيح تصنع من نوع و الرقبة أو الزند ثم الصندوق و الوجه من نوع آخر و ذلك حسب ما يتطلبه أي جزء من صلابة و تحمل للانحناء مثل الصندوق و الزند ، أما الوجه فيحتاج عادة لخشب أكثر رقة لأنه هو ما يعطي للآلة صوتها باهتزازه وفقا لصوت ضربات الأوتار. و وراء صانع الآلات الموسيقية يختفي العازف الماهر الذي فرض إبداعه و طريقته الخاصة في مداعبة أوتار مختلف الآلات الموسيقية على الساحة الفنية، حيث يلجأ إليه الفنانون عند حاجتهم إلى عازف بارع في آلة القانون و كذا البزق لصعوبة العزف و قلة محترفي العزف عليها، و ليس هذا فحسب، بل اقتحم محمود خلفاوي عالم التأليف و التلحين دون إرادة منه، بعد أن تأسره النغمات و الألحان التي تأتيه عنوة بينما هو يتأمل ظاهرة أو موقف معيّن، يلهمه مثلما قال، و هو يتذكر كيف ألف مقطوعاته و تقاسيمه الموسيقية المتميّزة «دعاء القيروان»، «أزهار وادي ريغ»، «صديقي المغني»التي ألفها خصيصا لصديقه الموسيقار المعروف عبد الرحمان قماط و «ثنائي الأشواق»التي استلهمها من رائعة رياض السنباطي و غيرها من الألحان التي قال بأنه لا يبحث عنها بل تأتيه صدفة فيجسدها دون ترّدد أو تفكير. مصلح آلات كبار الموسيقيين و الفنانين كبوليفة و قماط و بن صالح و فؤاد ومان..و غيرهم و معرّب الآلات الغربية و بشكل خاص الأكورديون و الساكسوفون، قال خلفاوي بأن أحد أبنائه الثلاثة المحترفين للموسيقى يقاسمه نفس الهواية و حب تصليح و صناعة الآلات الموسيقية، معترفا بأنه تمنى تعليم هذه الحرفة لمحترفين موسيقيين يتمتعون بحس و خبرة موسيقية و مهارة في المجال الحرفي، لكن نقص طاقة تحمل و صبر بعض من أبدوا ميولا لهذه الحرفة، حال دون تكوين حرفيين جدد في هذا