«الشيخ الحضري».. خبير المياه الذي لم يدخل كلية الري ظافري حفيظ أو «الشيخ الحضري» كما يسمى بالمنطقة الجبلية بوعاتي محمود شمال ولاية قالمة، تاجر المواشي الذي ذاع صيته عبر كل ولايات الوطن، من حوض الشمال القسنطيني إلى تامنراست بأقصى الجنوب، و من البويرة و المدية بالوسط إلى بشار و غيرها من الربوع الجزائرية الواسعة التي تعيش أزمة مياه في ظل تغيرات مناخية مدمرة بدأت آثارها تظهر بوضوح بعد التراجع المستمر لمعدلات التساقط بين سنة و أخرى، تعلم مهنة التنقيب عن المياه بالطرق التقليدية منذ أكثر من 30 سنة و صار اسم الشيخ الحضري حاضرا كلما دعت الحاجة إلى منبع مياه للشرب أو سقي المواشي و المحاصيل الزراعية الموسمية التي تعد مصدر المعيشة لآلاف المواطنين عبر الوطن. ألتقته النصر بالمعرض المحلي للإنتاج الزراعي المقام بمدينة وادي الزناتي يوم الخميس أين أقيم له جناح خاص بين خبراء الزراعة و المياه و المزارعين و مؤسسات العتاد و البنوك في إشارة واضحة إلى المكانة التي أعطيت للرجل و لثروة المياه التي تعد عصب الحياة و النشاط الزراعي على وجه الخصوص. كان جناحه بسيطا فيه عود زيتون متفرعا و سلسلة معدنية و ألبوم صور يحمل ذكريات الرجل و هو يجوب الأقاليم الجافة بحثا عن مصادر مياه قد تعيد الحياة للكائنات العطشى من بشر و نبات و حيوان. سألناه عن بدايته مع مهنة التنقيب عن المياه و النتائج التي حققها حتى الآن و الصعوبات التي تواجهه في الميدان و مواقف صعبة مر بها الرجل و أثرت فيه كثيرا و كادت أن تكسر عزيمته و توقف نشاطه بعد أن تعرض لما وصف بالظلم و الاحتيال مرات كثيرة كما حدث له مع أحد ولاة ولاية سكيكدة أين عثر الشيخ الحضري على عشرات الآبار و أنقذ عدة مناطق من الجفاف بطلب من الوالي لكنه لم يقبض دينارا واحدا حتى الآن. الشيخ الحضري لم يدرس علم المياه و لم يدخل كلية الري ربما الصدفة و حب المغامرة وحدهما هما من صنعا منه منقبا بارعا عن المياه الجوفية بطرق تقليدية أثبتت فعاليتها في الكثير من المرات و أدهشت مهندسي المياه. من تجارة المواشي إلى صيد المنابع المائية الخفية يقول الرجل بأنه بدأ مهنته الصعبة سنة 1984 بمنطقة بوعاتي محمود أين كان يعيش من تجارة المواشي رفقة عائلته حيث دفعته أزمة العطش المزمن الذي تعيشه المنطقة إلى اليوم لتعلم حرفة التنقيب بالطرق التقليدية التي سمع عنها الكثير و استهوته و بلغت به حد الهوس. و كانت البداية بتجارب بسيطة بالمنزل العائلي و في كل مرة يمسك بعود زيتون متفرع أو سلسلة معدنية ثم يسير ببطء باتجاه معين بحثا عن ما يشبه المجال المغناطيسي أو الكهربائي الذي يحرك عود الزيتون بين يديه أو يجعل السلسلة المعدنية تدور راسمة دائرة مركزها اليد الممسكة بها. يقول الشيخ الحضري» كانت البداية مثيرة و مدهشة عندما اقتربت من قناة مياه كانت تحت أرضية المنزل حيث تحرك عمود الزيتون بقوة و فاستبدلته بالسلسة المعدنية و كررت التجربة و دارت السلسلة بقوة أيضا عندما أصبحت فوق قناة المياه، حينها أدركت بان طريقة التنقيب التقليدية صحيحة و ربما أكون قد دخلت عالما جديدا سينقض الكثيرين من الجفاف و العطش و هو ما تحقق بالفعل عندما قررت الخروج إلى الميدان الصعب و تكرار التجربة بمواقع محددة حيث كنت حذرا للغاية و ربما لم أكن مصدقا بوجود الماء بهذا المكان أو ذاك عندما كان عمود الزيتون و السلسة المعدنية يتحركان بقوة بين يداي و يضغطان على جسدي و يهزانه بعنف، و كنت مخيرا في كل مرة إما بتكرار التجربة عدة مرات بالموقع الواحد أو تحمل المسؤولية بشجاعة و جرأة و التصريح بوجود الماء و إعطاء الضوء الأخضر لصاحب البئر ببداية عملية الحفر، لكن الصعوبة الأخرى التي واجهتني هي عمق المنبع المائي و نوعية المياه هل هي مالحة أو عذبة، باردة أو ساخنة و هو التحدي الكبير الذي يواجه خبراء المياه أيضا». و أضاف المتحدث « قمت بعدة تجارب لتحديد نوع المياه و بعدها عن سطح الأرض حيث اكتشفت بان حركة السلسلة و عود الزيتون تختلف باختلاف نوع المياه و العمق الذي توجد فيه و كان هذا مدهشا و مثيرا في نفس الوقت خاصة عندما تتأكد النتيجة و تتدفق المياه من باطن الأرض غير بعيد عن النتائج المتوصل إليها و تعم الفرحة سكان المنطقة و يحتفلون بالبئر الجديد رمز الخير و العطاء». عثرت على أكثر من ألف بئر عبر الوطن و تعرضت للمكر و الاحتيال عدة مرات يحصي الشيخ الحضري أكثر من ألف بئر عثر عليها عبر العديد من ولايات الوطن بينها تامنراست، بشار، قسنطينة، قالمة، البويرة، المدية، عنابة و سكيكدة التي يحتفظ بذكريات محزنة فيها حيث قال بأنه تعرض لما وصفه بالظلم و الاحتيال من طرف مصالح مديرية الري عندما دعاه أحد الولاة السابقين لسكيكدة للتنقيب عن مصادر المياه بعدة بلديات، مضيفا بأنه تمكن بالفعل من العثور على عدة منابع مائية عذبة بمواقع التنقيب و انهى الأزمة التي تعيشها تلك المناطق و لم يبق له سوى الحصول على مستحقاته المالية و العودة إلى عائلته ببلدية بوعاتي محمود بقالمة لكنه صدم عندما دخل مديرية الري بولاية سكيكدة صاحبة المشروع حيث رفض مديرها دفع مستحقاته و اشتكى الرجل إلى الوالي الذي وقف إلى جانبه لكن مدير الري رفض تسديد المستحقات فقرر الشيخ الحضري توكيل أمره إلى الله كما قال و عاد إلى بلدته الريفية الصغيرة حزينا منكسرا لكنه لم يفقد الأمل و واصل عمله مع العشرات من المواطنين عبر الولايات منهم من كان عند وعده و دفع مستحقات التنقيب و منهم من كان كمديرية الري بسكيكدة و أنكر الجميل بالتهرب و الوعود الكاذبة و الاحتيال الصريح، «الدنيا فيها المليح و القبيح في الإدارة و خارجها» يقول ظافري حفيظ البالغ من العمر نحو 60 سنة قضى نصفها في صيد المنابع المائية النائمة تحت سطح الأرض. و حسب الشيخ الحضري فإن التنقيب التقليدي باستعمال عود الزيتون و السلسلة المعدنية لا يقتصر على المياه فقط بل يصلح أيضا للكشف عن بعث الثروات المعدنية الباطنية كالنفط الذي قال بأنه متواجد بكثرة في ولاية قالمة و خاصة بمناطق مجاز عمار، ماونة، عين رقادة و برج صباط، مؤكدا بأنه مر بمواقع النفط عدة مرات عندما كان ينقب عن المياه بتلك المناطق حيث تمكن من التمييز بين منابع المياه و أبار النفط قبل أن تقوم شركات تنقيب كبرى بمسح المنطقة في السنوات الأخيرة حيث مرت بنفس المواقع التي اعتقد الحضري بوجود النفط فيها. و قام الرجل بتجربة تنقيب حية في معرض الإنتاج الفلاحي المقام بالقاعة الرياضية وسط مدينة وادي الزناتي حيث أمسك في البداية بعود زيتون متفرع و مشى داخل القاعة و بعد لحظات قليلة اهتز عود الزيتون بين يديه بقوة و حرك جسمه و تبين من عمال القاعة بان أنبوب مياه كبير يمر تحت أرضية القاعة و هو ممتلئ بالمياه في تلك الأثناء، و كرر الرجل التجربة بالسلسلة الحديدية و عندما صار فوق أنبوب المياه دارت السلسلة بسرعة راسمة دائرة منتظمة وسط دهشة الحاضرين من مسؤولين محليين و مواطنين و مزارعين قرروا الاستفادة من تجربة الرجل و الاستعانة به في التغلب على مشاكل الجفاف و ندرة المياه بعدة أقاليم جبلية بقالمة.