تجربة رائدة لإنتاج الزيتون يتهدّدها العطش و الكساد بمنطقة سفيان تحقق ولاية باتنة الريادة في إنتاج المشمش وطنيا بفضل ما تنتجه بساتين محيط نقاوس لدرجة أن فاكهة المشمش ومستخلصاتها الصناعية التي تنتج محليا ارتبطت في ذهن المستهلك بالمنطقة لدى الكثيرين، حيث يتبين هنا أن للصناعة دور في ترويج المنتوج وهو ما أخفى عن الكثيرين بأن منطقة نقاوس وبالتحديد بلدية سفيان لا يقتصر إنتاجها على المشمش وإنما سفيان هي قطب فلاحي بامتياز في إنتاج الزيتون أيضا فضلا عن المشمش ويتطلع فلاحوها لتحقيق الريادة وطنيا في هذه الشعبة، بيد أن انعدام وحدات تحويلية للزيتون جعل الكثيرين من المستهلكين يربطون في أذهانهم علامات تجارية من الزيتون تباع في الأسواق الوطنية بأنها من إنتاج مناطق معينة وضعت علاماتها على العلب والصناديق لكن في حقيقة الأمر أن ذلك المنتوج أنتجته أرض سفيان التي تفتقد للصناعة التحويلية. روبورتاج وتصوير: ياسين عبوبو سفيان.. أرض لها حكاية تاريخية مع الزيتون تعد بلدية سفيان التابعة إداريا لدائرة نقاوس والواقعة في الجهة الجنوبية الغربية لولاية باتنة قطبا فلاحيا بامتياز خاصة في إنتاج المشمش والزيتون وتساهم هذه المنطقة لوحدها في نسبة كبيرة من الإنتاج على المستوى الولاية والوطن يفوق 20بالمائة من الإنتاج الوطني علما أن نسبة 50 من الإنتاج الوطني لفاكهة المشمش تنتج بمحيط نقاوس والمقصود هنا البلديات المجاورة لنقاوس منها سفيان، أولاد سي سليمان وتاكسلانت وبومقر. أكد لنا سكان المنطقة في جولة قادتنا لهذه البلدية الفلاحية أن شعبة غراسة وإنتاج الزيتون ليست وليدة الحاضر وإنما لها تاريخ مرتبط بالمنطقة فغراسة الزيتون بها يعود إلى ما قبل تواجد الرومان الذين وقفنا على تواجد أثارهم فالمنطقة تحكي تاريخا طويلا وما اعتماد عائلات على عصر الزيتون بالطرق التقليدية يدل فعلا على امتداد تاريخي في إنتاج الزيتون بهذه المنطقة مثلما هو حال عمي علي كريميل الذي يملك معصرة تقليدية ورثها عن والده ويعود تاريخها ل1935تعتمد على الأحمرة والبغال في عصر الزيتون. كما تتواجد بوسط البلدية شجرة بلغت من العمر عتيا حسب السكان فهي تتواجد منذ مئات السنين ويطلق عليها أهل البلدية تسمية “المسلمة" ويقولون بأنها تتواجد منذ عهد الفتوحات الإسلامية التي وصلت لشمال إفريقيا لذا تعرف بالمسلمة نسبة للدين الإسلامي الأمر الذي يؤكد فعلا على أن الأرض هي أرض الزيتون، وهذا على الرغم من أنه يقترن لدى الكثيرين في الوقت الحالي ممن يسمعون عن إنتاج مشمش نقاوس الذي بلغ كل أرجاء الوطن بأن هذه المنطقة ومنها سفيان يقتصر إنتاجها على فاكهة المشمش فقط لكن في حقيقة الأمر فإن سفيان التي ارتأينا التنقل إليها، هي قطب فلاحي بامتياز في إنتاج شعبة الزيتون الذي بلغ إنتاجه الموسم الماضي 4 آلاف طن حسب ما أكده ممثلو جمعيات الفلاحين بالمنطقة. وأكد العديد من الفلاحين التقتهم “النصر" بسفيان بأنهم يراهنون على مضاعفة إنتاج الزيتون بتوسيع غراسة أشجاره لكن عراقيل عديدة تعترضهم وفي مقدمتها المورد المائي للسقي ومشكلة تسويق المنتوج وهي عوامل أدت هذا الموسم لانخفاض الإنتاج حيث يُتوقع أن لا يتعدى 03 آلاف طن. الوحدات التحويلية الحلقة المفقودة في سلسلة معادلة الإنتاج أكد عدد من منتجي الزيتون بسفيان التقينا بهم في مكان مخصص كسوق لعرض منتوجهم الفلاحي أن المنطقة يمكن أن تتحول إلى قطب اقتصادي مادامت المادة الأولية المتمثلة في إنتاج الزيتون متوفرة وهي مطلوبة في السوق حيث يأتي التجار من مختلف أرجاء الوطن وبصفة خاصة من غرب البلاد من أجل منتوج المنطقة الذي يمتاز بالجودة بشهادة تجار التقينا بهم جاؤوا من كل حدب وصوب، حيث أن شاحنات من مختلف الأحجام تحمل لوحات ترقيم ولايات مختلفة تقطع مئات الكيلومترات لاقتناء زيتون سفيان لتوجيهه نحو وحدات تحويلية في ولايات أخرى سواء تعلق الأمر بالزيتون الموجه للمائدة أو الزيتون المخصص لإنتاج الزيت بعد عصره. ويؤكد المنتجون بهذه المنطقة بأن المستهلكين كثيرا ما يقصدون علامات تجارية من منتوج الزيتون تتواجد بالمحلات التجارية للمواد الغذائية والأسواق في عدة ولايات على أنها منتوج ولاية معينة لكن المنتوج في الأصل يعود لمنطقة سفيان وفي حقيقة الأمر تم تحويله إلى وحدات ولايات أخرى متواجدة بالخصوص بغرب البلاد ويتبادر إلى ذهن المستهلك أنه منتج تلك المنطقة. ويطالب المنتجون بسفيان بإنشاء وحدات تحويلية لأنها يؤكد هؤلاء بأنها الحلقة المفقودة في السلسلة التنموية، ويبدو طرح المنتجين منطقيا اقتصاديا مادام المصنعون في ولايات أخرى يقتنون المنتوج من التجار حيث يمر تصنيعه النهائي بمراحل ولو توفرت الوحدات التحويلية يضيف المنتجون من شأنها أن تعود بالفائدة على شباب المنطقة في توفير مناصب العمل وتسويق المنتوج مباشرة من المنطقة للتعريف به مما يفتح آفاقا اقتصادية لبلديتهم ويشير الفلاحون أن من خصائص الزيتون عدم التلف وهو ما ساهم في المحافظة على الثروة. منبع رأس العين.. المصدر الوحيد يتناوب عليه مئات الفلاحين ناهيك عن انعدام وحدات تحويلية تسمح بتسويق المنتوج مباشرة، يُجمع كافة الفلاحين ببلدية سفيان على مشكلة تعترضهم جميعا ألا وهي هاجس مورد السقي حيث أكدوا في هذا الصدد بأن غالبية فلاحي المنطقة من عرشي الخذران وأولاد سلطان وغيرهم المتواجدين بمركز البلدية يعتمدون على منبع رأس العين منذ القدم لسقي بساتينهم التي امتدت مع مضي الوقت على مئات الهكتارات. وقال الفلاحون بأن هذا المورد يعد المنبع الوحيد الذي يتداولون عليه بالسقي عن طريق نظام المناوبة (النوب) ولم يعد بإمكانهم اليوم الاعتماد عليه كمصدر وحيد خصوصا وأن مردوده تراجع بمرور السنوات، وهنا أشار رئيس جمعية الأمل للفلاحين السيد رقاعة بلقاسم إلى جفاف المنبع سنة 1969 قبل أن تعود مياهه مرة أخرى إلا أن مردودها يضيف المتحدث انخفض كثيرا كونها كانت تضخ 85 لتر في الثانية وتضخ اليوم 32 لتر في الثانية وأكد بأن منبع رأس العين هو المصدر الوحيد الذي يعتمد عليه المئات من الفلاحين وهذا بعد أن جفت منابع كثيرة كانت منتشرة بالمنطقة ويذكر منها المتحدث عين صولة،عين حميدة، عين بلحسن،عين تادقارت، اللوزة عيون جحوش، عين لمروج وعين التركي ومنابع أخرى كانت في السابق تساهم في السقي الفلاحي. ويؤكد الفلاحون الذين التقيناهم بأن كل واحد منهم يضطر للانتظار لمدة تفوق الشهر حتى يصله الدور الأمر الذي يهدد حسبهم الأشجار بالجفاف، وقد حال انعدام مصادر أخرى للسقي إلى كبح طموحاتهم بتمديد غرس الأشجار المثمرة وخاصة بالنسبة للمشمش والزيتون وعلى غرار البساتين المتواجدة بمركز البلدية فإن جميع منتجي الزيتون والمشمش بالمناطق المجاورة يطرحون نفس المشكلة كما هو الحال لمنطقة تيفران التي تتربع بدورها على مئات الهكتارات من الأشجار المثمرة . ويؤكد أحد الفلاحين بها ( مقعاش مبارك) بأنه وأفراد عائلته نجحوا في الاستثمار الفلاحي بغرس أكثر من 4000 شجرة من المشمش والزيتون، غير أنه متخوف من جفاف أشجاره لانعدام مصادر احتياطية للسقي في ظل عدم استخراج كميات كبيرة من الماء من البئر الوحيد الذي يعتمد عليه وقال لنا بأنه اضطر إلى الحفر لعمق بلغ 650 حتى وصل للمياه الجوفية وهو بئر لا يضخ سوى 1.5 لتر/ثانية وأكد هذا الفلاح بأنه في حال توفير مصادر أخرى للسقي فإنه بإمكانه توسيع مستثمرته الفلاحية كما راهن في بادئ الأمر حتى وصل 4000 شجرة. أزمة مورد الماء جعلت الزيتون يحتل مكانة المشمش يؤكد فلاحو سفيان أن أزمة نقص مورد الماء شجعتهم على غراسة الزيتون بدل أشجار المشمش وهذا نظرا لخصائص الزيتون كونه مقاوم للعطش ولا يتطلب كميات كبيرة من الماء عكس المشمش إضافة لتميز ثمار الزيتون بعدم التلف وحفاظها على خصائصها الغذائية بعد قطفها وهذا عكس فاكهة المشمش التي يواجهون هاجسا في تسويقها خوفا من تلفها . ويشير الفلاحون في هذا السياق إلى أن الوحدات التحويلية الموجودة بالمنطقة لتحويل المشمش لا تتعدى طاقتها الإنتاجية نسبة واحد بالمائة من المنتوج السنوي بالنسبة للمشمش لذا فإن هذه الوحدات لا تقتني كميات كبيرة وفي كثير من الحالات ما يكون مصير هذه الفاكهة التلف أو يضطر الفلاحون لبيعها بسعر بخس إن توفر الطلب. ويقر الفلاحون بأن المورد المائي ليس السبب الوحيد الذي جعلهم يوسعون غرس أشجار الزيتون وإنما لما له من هامش ربح أيضا بفضل خصائصه المذكورة سابقا، وعلى الرغم من مقاومة أشجار الزيتون للعطش إلا أن الفلاحين تحدثوا عن مشاكل عديدة كارتفاع تسعيرة الكهرباء ونقص السواقي وعدم فتح مسالك فلاحية إضافة لعدم تسوية مسح أراضيهم وصولا إلى انعدام مكان مهيأ يعرضون فيه منتوجهم حيث يضطرون في كثير من الأحيان إلى التنقل إلى أسواق الجملة بالولايات المجاورة. سد تادقارت ...حلم الفلاحين ينصب مطلب الفلاحين بسفيان على إنجاز سد تادقارت بمنطقة سفيان للقضاء نهائيا على أزمة مورد السقي حيث اعترف عدد من الفلاحين بعلمهم بأن جفاف ينابيع ونقص مورد الماء بالمنطقة مرده استنزاف المياه الجوفية نظرا لانتشار أزيد من 250 تنقيب إضافة لاستغلال الكثيرين للمياه في بيعها حيث تروج بالمنطقة تجارة بيع الماء عن طريق الصهاريج وهو عامل ساهم أيضا في لا توازن الاستفادة بين الفلاحين من المياه والذين لمسنا في الكثير منهم تفكيره البدائي المتمثل في النظرية الإنسان القديمة الغرس فالجني فالبيع ولو أن أسباب هذا التفكير له ما يبرره من عوامل متعددة كعدم استفادة هؤلاء من الإرشاد الفلاحي، حيث يلح الفلاحون على توفير الماء من طرف الجهات المعنية وحسب دون تفكير آخر، والبعض يطالب بالسواقي رغم أنها تهدر كثيرا من الماء قبل وصولها للشجرة في الوقت الذي تؤكد فيه مصالح الفلاحة على تدعيمها لتقنيات الري عن طريق التقطير حفاظا على المورد المائي وكانت ذات المصالح قد بررت في وقت سابق خلال خرجاتها الميدانية بأنها تتبرأ من مسألة التسويق ورغم ذلك فهي تتوسط لإنقاذ منتوج الفلاحين الذين يصدمون بمشكل تسويق المشمش أكثر من تسويق الزيتون. مدير الري: مشاريع في الأفق لتوفير مياه السقي من جانبه مدير قطاع الموارد المائية لولاية باتنة أكد ل"النصر" بأن مصالحه تعمل بالتنسيق مع مصالح الفلاحة في إطار استراتيجية لتوفير موارد السقي للفلاحين عبر مختلف مناطق الولاية ،موضحا بأن انتشار المناقب الحفرية المتمثلة في الآبار أصبح له أثر في السنوات الأخيرة في انخفاض كميات المياه الجوفية وأكد بأن منح تراخيص الآبار يتم الترخيص له للتعاونيات والجمعيات الفلاحية من أجل المحافظة على المياه الجوفية. وأضاف ذات المسؤول بأن مشروعا كبيرا استفادت منه تلك الجهة والمتمثل في إنجاز سد تابقارت بمنطقة أولاد سي سليمان موجه خصيصا لري الأراضي الفلاحية من شأنه أن يوفر يقضي على مشكلة السقي، وتقدر طاقة السد الذي سينجز في أفق 2015 بقدرة استيعابية تصل إلى 14 مليون متر مكعب ستغطي حاجيات عدة بلديات.