يفسر الخبراء أزمة مياه الشرب التي تعيشها العديد من المدن والقرى عبر كامل التراب الوطني، بانتشار ظاهرة الحفر غير الشرعي للآبار من طرف أصحاب المساحات الزراعية لاستعمالها في السقي ومن طرف المواطنين أصحاب المنازل.. فلا يكاد يخلو منزل من بئر في فنائه. وبات انتشار هذه الظاهرة مقلقا، لأنها تؤدي إلى نضوب المياه الجوفية وتنذر بكارثة بيئية وبأزمة عطش في قادم السنوات بسبب شح الأمطار والاستعمال السيئ للماء. وقد لجأت العديد من الولايات، للقضاء على عطش سكانها، إلى الاستعانة بمياه سدود ولايات مجاورة.. ورغم ذلك لاتزال العديد من المناطق، مثل تبسةوالمسيلةوسطيف كعينة، تعاني. 4 آلاف بئر فوضوية تفرض العطش على 700 ألف نسمة في تبسة حمامات عمومية ومحطات غسل السيارات تبتلع مخزون الماء تسبب أكثر من 4 آلاف بئر فوضوية على مستوى 28 بلدية بولاية تبسة في أزمة عطش حادة تضرب الولاية منذ 3 سنوات، لاسيما بعد أن ضرب الجفاف المنطقة الحدودية الشرقية للموسم الثالث على التوالي. رغم إتمام مشروع السد العملاق بصفصاف الوسرى المتاخمة للحدود التونسية، غير أن مواسم الجفاف المتتالية لم تسمح لهذا الهيكل بتخزين الطاقة الفعلية له، والتي كانت مبرمجة لتوسيع المساحات الفلاحية المسقية وتزويد الشريط الحدودي لبلديات صفصاف الوسرى وأم علي وبئر العاتر وجنوب الولاية بصفة عامة بالماء الشروب، لتتبخر آمال السكان وتصبح المنفعة العامة أضغاث أحلام. وقد تعقدت وضعية الخريطة المائية في الولاية بسبب عدم توفر دراسات دقيقة للموارد المائية، حيث ترجع معظم التقارير العلمية للعهد الاستعماري ولم تعرف دراسات تحيينية منذ نصف قرن كامل. وتفيد تقارير رسمية صادرة عن مصالح ولاية تبسة بأن الطاقة القابلة للتسخير تقدر ب126 هكم مربع سنويا تستغل منها 79 هكم مربع فقط، وهو ما يبقي معدل تلبية احتياجات المواطنين بعيد المنال إذا ما استمرت الوضعية على حالها لتوفير 130 لتر يوميا للفرد الواحد. وما زاد الطين بلة على مستوى ولاية تبسة، الأزمة الحادة التي عرفتها منطقة الشريعة التي كانت تموّن منجم جبل العنق ببئر العاتر وتنام فوق حوض مائي ضخم، حيث ظهرت عدة سكنات عند مدخل مدينة الشريعة بجانب منطقة سهل مشنتل المشهور بإنتاج أجود أنواع البطاطا، ومنذ ذلك التاريخ برزت ظاهرة غريبة لتجف آبار تموين السكان نهائيا أو ينخفض منسوب المياه فيها بشكل حاد. وحتى مجهودات السلطات المحلية بحفر آبار جديدة بحي الملعب وطريق تبسة، لم يتمتع بها السكان طويلا، بعد أن جفت نهائيا وتوقفت عن تموين المواطنين مع بداية هذه الصائفة، وحتى نسبة تزويد السكان في المريج وبوخضرة عادت إلى الانخفاض من البئر التجريبية الجديدة ببوخضرة شمال الولاية. وكشف بعض العارفين بطبيعة المنطقة ل”الخبر” أن عاصمة ولاية تبسة وكبريات الدوائر كالشريعة وبئر العاتر والونزة والعوينات ومرسط وبئر مقدم وحتى البلديات الصغيرة تنتشر بها قرابة 4 آلاف بئر فوضوية وغير مرخصة، منها 2000 بئر في المناطق الريفية تم التصريح بها وتسلم أصحابها شهادات المطابقة للاستغلال الفلاحي، فيما تبقى 2000 أخرى منتشرة في المناطق العمرانية بالأحواش القديمة ومحطات غسل وتشحيم السيارات والحمامات العمومية. وتفيد بعض المعلومات في هذا الشأن بأن بعض هذه المحلات والأحواش تكتشف المياه على عمق قليل أو متوسط، لتسيطر بذلك على مخزون المياه السطحية الذي تعتمد عليه الولاية في توفير حاجيات السكان من هذه المادة الحيوية، في مقابل أن آبار مديرية الموارد المائية جفت تماما بعمق بين 80 إلى 130 متر. مضخات مهرّبة لشفط الماء ويستخدم أصحاب الآبار الفوضوية غير المحصية مضخات مهربة من الخارج ذات قوة ضخ كبيرة، تتسبب في تحويل كل مجاري المياه السطحية. وقد تفاقمت الوضعية بسبب غياب الرقابة نهائيا، ليقدم مئات الفلاحين والسكان بمناطق ريفية تموّن البلديات على السرقة من القنوات الرئيسية لسقي المستثمرات الفلاحية وتحويلها حتى لوحدات نصف صناعية. العطش ينعش تجارة مياه الصهاريج في ظل هذه الظروف، أدت وضعية العطش إلى توفير جو ملائم لارتفاع طلب السكان على مياه الصهاريج التي تجرها جرارات فلاحية أو وضعت على متن شاحنات زودت بمضخات تشتغل بالمازوت، توجه للورشات وحتى المواطن العادي بعد أن عصفت أزمة العطش في صائفة 2014 حتى بعاصمة الولاية، حيث تراوح السعر بين 1000 و1200 دينار. كما تسببت هذه الطريقة في تنقل أمراض عن طريق مياه يجهل مصدر شحنها، فأغلبية أصحاب الصهاريج لا توجد لديهم تراخيص من البلديات أو المصالح الموكلة لها تسيير المياه الصالحة للشرب. ومع مرور الأيام، أضحت هذه المركبات الديكور المميز لكل شوارع بلديات تبسة. وتتوسع هذه التجارة يوميا رغم أن القوانين المسيرة لنقل وبيع المياه الصالحة للشرب تستلزم قرارا موقعا من الوالي أو مدير الموارد المائية بتفويض من مسؤوله الأول. أمنية السكان ويأمل السكان في خرجات ميدانية لجميع المواقع المشكوك فيها بحفر الآبار في المناطق العمرانية أو الريفية أو بعض الوحدات الصناعية، وحتى ورشات صناعة الطوب والحمامات العمومية، ومحطات غسل وتشحيم السيارات، وحتى فضاءات أخرى لبيع خردوات السيارات، وفرض رقابة صارمة عليها قصد التخفيف من أزمة قد تأتي على الأخضر واليابس، ولن تجعلنا مشاريع عشرات السدود في منأى عنها، مادام التلاعب بمخزون هذه المادة الحيوية مباحا لكل من هب ودب في غياب تام للرقابة. في سطيف.. لكل بيت بئره قاعدة في الهندسة المعمارية وفي الثقافة الشعبية بالعلمة في سطيف، توارثها الأجيال جيلا بعد جيل، وهي ظاهرة ميزت ولاتزال تميز منطقة العلمة خصوصا، فلا يمكن تشييد منزل في هذه المنطقة دون التفكير في كيفية إنجاز بئر فردي داخل فناء الدار قديما، وفي مستودع المنزل حديثا. والغريب في الموضوع أن هذه الظاهرة تنتشر بشكل كبير في المنطقة، وتتخذ شكلا عشوائيا وفوضويا، فالغالبية العظمى منها يتم إنجازها بعيدا عن أعين المسؤولين والمراقبين، فتقديرات بعضهم ذهبت للحديث عن آلاف الآبار الفردية بمنطقة العلمة، بحكم صعوبة حصرها لطابعها الفوضوي، حيث لا يكلف الخواص أنفسهم عناء طلب رخصة من مصالح البلدية من أجل الشروع في إنجاز البئر، فالفوضى صارت سيدة الموقف، وفرضت نفسها على الجميع. كما أن مصالح البلدية ترى بأن وجود الآبار الفردية بمنازل المواطنين في العلمة، لا يؤثر كثيرا على منسوب المياه، بل سيساهم، حسب أحدهم، في تخفيف مشكلة المياه، فالمؤسسات والهيئات الرسمية تنجز أنقابا عميقة تتجاوز بكثير الآبار التي ينجزها الخواص، وبالتالي لا تتأثر بها. وهذه الوضعية كانت، قبل مدة، قد سمحت بانتشار كبير للعيون العمومية التي تفتح كصدقات جارية للعطشى من سكان المنطقة، فصار تقريبا في كل حي عين عمومية. ولعل اعتقاد الناس بأن ذوق وصحية مياه البئر تصنف أحسن بكثير من مياه الحنفيات، قد ساعد على التوافد الكبير للمواطنين على هذه العيون الطبيعية، خاصة أيام شهر رمضان، حيث تجد بعضهم يقطع الكيلومترات للظفر بدلو من هذه المياه. عيون تتزود من الآبار ومرض اسمه “ليبتوسيبروز” أمام ظاهرة انتشار العيون العمومية المنطلقة أساسا من هذه الآبار، فقد وجد الكثير ضالتهم فيها، غير أن الإقبال قد توقف فجأة بعد حادثة تلوث مياه بئر أحد مساجد حي بورفرف، قبل حوالي سنتين من اليوم وذاكرة الجميع مازالت تحتفظ بوباء انتشر حينها بسرعة البرق وهو مرض “ليبتوسيبروز” الذي أودى بحياة أربعة أشخاص، منهم سيدة في عقدها الخامس وابنها الشاب، في حين أصاب الوباء أزيد من 30 حالة سجلتها مصلحة الاستعجالات الطبية بمستشفى صروب الخثير الذي دخل حينها في حالة طوارئ حقيقية. وبعد التحاليل تبين بأن الضحايا قد شربوا مياها ملوثة من البئر المذكور الذي تبين بأنه يحتوي على جرذان ميتة نقلت جرثوما فتاكا لمناعة البشر يسمى”سترايب تاكوك”، وهي الوضعية التي جعلت مصالح بلدية العلمة حينها تشكل خلية متابعة تتشكل من عدة قطاعات، أمرت بغلق كل الآبار ومنع العيون العمومية. ورغم كل الإجراءات التي تم اتخاذها ورغم المجهودات التي بذلت، فإن عملية حصر آبار العلمة تعد أمرا غاية في الصعوبة، ولا يمكن حصرها ومتابعتها إلى بعودة الوعي للمواطنين الذين يفضلون التكتم، ويتهاونون في استعمال مواد التطهير كصفائح الكلور، لتبقى بذلك أغلب الآبار بعيدة عن الرقابة، ولنا في الأخير أن نشير إلى العودة التدريجية ولو كانت محتشمة لبعض العيون العمومية في العلمة، وكأن أمرا لم يكن. سطيف: ع. ربيڤة بئر “برهوم” الملعونة.. أسوأ ذكرى للحماية المدنية 4500 بئر تقليدية مصنفة بغير المراقبة ❊ لايزال أعوان الحماية المدنية لولاية المسيلة يتذكرون، رغم مرور ما يقارب العشر سنوات، عندما شيّعوا في جو الحزن والأسى، اثنين من زملائهم كانوا يشاركونهم لقمة الخبز ولعنة الأرق والحضور الدائم من أجل تقديم المساعدة ونجدة الآخرين إلى مثواهم الأخير. ذات يوم من شهر جويلية في العام 2004، شاء القدر أن تكون نهايتهم داخل إحدى الآبار التقليدية المغروسة وسط أحد البيوت الكائنة بمدخل بلدية برهوم في الجهة الشرقية من عاصمة مقر الولاية، بعد طلب نجدة وصل إلى وحدتهم يفيد لأول وهلة بإلزامية التدخل لانتشال مواطنين إثر تعرضهم لحالة اختناق جراء تدفق الغازات السامة من داخل البئر المذكورة، بعد رغبتهم في تنظيفها. هذه البئر التي لم تقنع يومها برقم محدد، قبل أن تبلع في جوفها تسعة ضحايا من بينهم اثنان من أعوان الحماية المدنية هم المرحومان شيكوش عبد الرزاق وبلطرش جمال اللذان حتم عليهما الواجب والإنسانية وأشياء أخرى الدخول لانتشال الجثث التي كانت مكومة فوق بعضها البعض فلقيا نفس المصير. بئر برهوم التي تعد أسوأ ذكرى في تاريخ تدخلات الحماية المدنية لولاية المسيلة، التي وصفت بالملعونة، لم تكن حافزا للسلطات المحلية ومبررا لشن حملة واسعة لمراقبة هذه الآبار واتخاذ قرارات صارمة بهدمها، درءا للخطر الذي ما فتئت تسببه هذه الأخيرة من يوم لآخر، حيث سجلت مصالح الحماية المدنية بعد حادثة البئر الملعونة في بلدية برهوم عشرات الحوادث الأخرى في عدد من المناطق النائية، ولعل أقلها حدة تلك التي حدثت في 2010 في قرية بئر ماضي ببلدية حمام الضلعة، عندما ابتلعت بئر ارتوازية أربعة من عائلة واحدة. كما عرفت نفس البلدية رحيل 5 بين أشقاء وأبناء عمومة في يوم واحد داخل بئر. وعرف شقيقان من قرية أولاد معتوق بعدها بأيام نفس المصير، ولاتزال القائمة مفتوحة ما دامت هذه الآبار موجودة، والأدهى من كل هذا وذاك أنها مازالت تنبت هنا وهناك كالفطر. وتحصي ولاية المسيلة أزيد من 4500 بئر تقليدية مصنفة ب”غير المراقبة”، تواجه مصالح الحماية المدنية في الولاية صعوبات بالغة في حصرها، كون أغلبها يقع داخل أحواش ووسط المنازل، وهو الواقع الذي جعل هذه الأخيرة تقوم، منذ عدة سنوات، بتنظيم حملات التحسيس والتوعية وسط سكان المناطق النائية، كان آخرها الحملة التي نظمتها هذه الأخيرة نهاية شهر جوان وبداية شهر جويلية من السنة الجارية بإقليم بلدية بن سرور جنوب الولاية، لتوعية أصحاب هذه الآبار بالخطر الذي يحيط بهم، باعتبارها روافد للموت، على حد تعبير المكلف بالإعلام على مستوى مديرية الحماية المدنية في المسيلة، الملازم عبد الوهاب سعيدي الذي أشار إلى أن الولاية مصنفة في الخانة الحمراء في هذا الخصوص. المسيلة: بن حليمة البشير حفيظ “الحضري” مكتشف 300 بئر في قسنطينة يعتبر ظافري حفيظ المدعو “الحضري” شخصية غريبة ومدعاة للفضول في ولاية ڤالمة، بفضل مقدرته على تحديد مكان تواجد المياه والذهب والبترول، إذ تمكن من تحديد أكثر من 300 بئر في ولاية قسنطينة لوحدها، قبل أن ينتقل للعمل في غرداية وتمنراست، حيث قدم يد المساعدة لخبراء مختلف المصالح التقنية. ويستند الحضري في عمله على سلسلة حديدية وغصن شجرة، متحديا بهما أدوات الخبراء والمختصين التي تنزح إلى الدقة العلمية ولا تسمح بمساحة للشك والريبة. ويذكر ظافري الذي يسكن بمشتة مكاسة بلدية بوعاتي محمود، ل”الخبر”: “كنت أعمل (جلابا)، وفي إحدى المرات في طريق العودة إلى منزلي حملت غصن شجرة ورحت أتتبع به مكان تواجد الماء، كان ذلك في العام 1984، وقمت بتكرار العملية عدة مرات وفي كل مرة تنجح التجربة”. يقول الحضري إنه اكتشف في قسنطينة وحدها حوالي 300 منبع ماء، وفي ڤالمة وعنابة وتلاغمة بميلة وغيرها ساعد الإدارات والمواطنين على تحديد مكان وجود المياه. وعلى مستوى مشتة “المكاسة” قدم الحضري للحاضرين تفاصيل تحديد مكان تواجد المياه في باطن الأرض، حيث أخذ “غصن” شجرة بعد أن نزع منه الأوراق وراح يبحث في الأراضي المحروثة، وحتى في الطريق المزفت، وتوقف مرات في مناطق مختلفة وهو يشير إلى نقاط يقول إنها تتوفر على الماء، حيث لاحظ الحاضرون عند اقترابه من نقطة توفر الماء كيف يدور “الغصن” بسرعة يقول إنها تعادل سرعة تدفق الماء في تقلك النقطة، حيث يصعب عليه التحكم في الغصن ولا يجد من سبيل سوى الاستمرار في تتبعه حتى يتوقف، يقول إن ثمة قوة أكبر منه تقوده إلى مكان تواجد الماء. وأضاف الحضري أنه يستعين أيضا في عمله بسلسلة حديدية مع الغصن، وهما الأداتان الوحيدتان اللتان يعتمد عليهما في هذا العمل الذي يبقى أقرب إلى الخيال والشعوذة منه إلى الدقة العلمية، لذلك كانت علامات الدهشة وعدم التصديق وأحيانا الاستهزاء بادية على الحضور، ورغم ذلك لم يجدوا من سبيل سوى التقرب من الحضري وهو يقوم بتجربته أمامهم، وتابعوا باهتمام أين سيقوده هذا الغصن وهو يحاول أن يؤكد لهم صدق ما يدعيه، فطلب من أحدهم أن يمسك بيديه ليعاين بنفسه مقدار القوة التي تدفعه، وكيف أن الغصن يتحرك باتجاه تواجد الماء بشكل طوعي. وأشار الحضري إلى أن هذه التجارب المتكررة التي يعتمد فيها، كما ذكر، على سلسلة حديدية وغصن، علمته تحديد اتجاه الماء ومدى توفره وبعده أو عمقه ومكان تقاطع الأودية وقوة تدفق المياه، ونوعية الحجارة التي يوجد الماء تحتها أو فوقها داخل جوف الأرض، وإن كانت مسطحة أو دائرية، وكذا الحفر، وما إن كانت المنطقة تتوفر على معادن. وعن عائدات عمله، يقول الحضري إن أتعابه تتراوح ما بين 5 آلاف ومليون سنتيم. ڤالمة: م. أم السعد