بعد ما يقارب القرن على ظهورها، هل يمكن القول بوجود قصة عربية قصيرة، أم تجارب قصصية في الآداب العربية؟ فلئن كانت بدايات كتابة هذا الفن الذي ظهر في القرن التاسع عشر على يد رواد مثل الأمريكي إدغار آلا نبو والفرنسي غي دو موباسان والروسي أنطوان تشيكوف معلومة في الأدب العربي وروادها معروفون، إلا أن مآلاتها المتعددة تطرح الكثير من الأسئلة. الخير شوار ومن المفارقات العجيبة أن بدايات هذا الفن في العالم العربي التي جاءت في العقود الأولى من القرن الماضي معلومة عند الجميع رغم بدائية وسائل الإعلام حينها ومحدودية انتشار الكتاب، لكن الأمر اختلف جذريا مع بدايات القرن الحالي والقصة العربية تتأهب للاحتفال بمرور قرن على ظهورها. فرغم ما يعانيه كتّاب هذا الفن من تهميش وقلة اهتمام وانعدام فرص النشر في الكثير من الحالات لصالح الرواية، وهجرة خيرة الكتاب إلى الفن الروائي بعد تجربة أو تجربتين على أكثر تقدير، إلا أن الملاحظ هو هذا الكم الكبير من الإنتاج القصصي باللغة العربية في مختلف البلدان العربية وفي المهجر. لكن بالمقابل فإن قلة فرص النشر الورقي لا تؤرق الأوفياء للكتابة القصصية بقدر ما يؤرقهم أمر آخر، وهو قلة الاهتمام من الجمهور الكبير، وكأن الكل يتواطأ من أجل قتل هذا الفن لسبب يبدو مجهولا. ورغم ظهور شبكة الانترنيت بكل لواحقها من مواقع ومنتديات ومدونات وشبكات اجتماعية التي أصبحت في حالات كثيرة بديلا حقيقيا للنشر الورقي الكلاسيكي الذي يضيق كثيرا بالقصة القصيرة، فلا يكاد قاص عربي من أي بلد يعرف مجايليه من أي بلد عربي آخر إلا في حالات قليلة وتتعلق باللقاء المباشر من خلال بعض الملتقيات والمهرجانات التي قد تفتح أفقا من اجل تواصل أكبر على شبكة الانترنيت. نحن الآن أمام لحظة تاريخية، تفرض علينا التفكير في مآل هذا الفن بين بدايتين. الأولى كانت مع العشرين سنة الأولى من القرن العشرين، عندما كان الفن القصصي يضع خطواته الأولى ولم يتخلص بعد من لغة البديع والصنعة اللفظية. ثم البداية الثانية مع الانتشار الجديد لهذا الفن مع كتّاب الكثير منهم لم ينل حظه من الأضواء وفي عصر التواصل الالكتروني الذي من كثرة ما أتاح من النصوص أصبحت هذه النصوص لا تجد قارئا إلا بصعوبة بالغة. وبين هذه البداية وتلك شقت القصة القصيرة طريقا صعبا، صنعت من خلاله رموزها المؤسسين ثم الذين وصلوا بها إلى مراحل النضج في مختلف التجارب العربية، وبعد ذلك تعددت التجارب الناضجة وجاءت تجارب أخرى تحاول أن تكون لها بصمتها الخاصة بعيدا عن معاطف المؤسسين الأوائل من رواد القصة أنفسهم (تشيكوف، وموباسان، وبو)، وبعيدا عن عباءات من رواد هذا الفن اللغة العربية، ومع أن هذا الفن من القصر حيث أن الإبداع فيه والخروج عن قوالبه من الصعوبة يكاد يكون مستحيلا أن أن التجربة علمتنا ألا شيء يقف حاجزا أمام المبدع الحقيقي، وكثيرا ما نكتشف بالصدفة قصاصين من طراز نادر من بلدان عربية مختلفة لا يكاد يكون لهم ذكر في وسائل الإعلام المتخصصة. ولئن كانت النصوص المؤسسة للبداية الأولى معروفة وكتّابها لا يحتاجون إلى تذكير، فإن النصوص المؤسسة لما يمكن أن نسميه "البداية الثانية" يحتاجون بالفعل إلى المزيد من الأضواء. رغم أن الكثير منها مبثوثة هنا وهناك على أطراف هذه الشبكة العنكبوتية التي من شدة اتساعها تكاد تخنق النصوص الجيدة، والعملة الرديئة تطرد العملة الحسنة في الكثير من الحالات عندما تسيء إليها ويحكم الناس على الجميع من منظور سلبي تفرضه تلك النصوص الرديئة التي أصبحت قاعدة مع ديمقراطية النشر الجديد الذي لم يعد في حاجة إلا إلى توفر جهاز موصول بالانترنيت مهما كانت رداءة تدفقه.