رفع الأدب الإفريقي راياته ليفتح عوالم جديدة من الانتشار وليثبت أنه قادر على الإقامة في النصف الشمالي من العالم وأن يظفر بالاعتراف والدهشة.لقد استطاع هذا الأدب أن يتخلص من دائرة العبودية والتبعية للآخر، وأن يفرض رؤيته وجمالياته. ما يميز هذا الأدب ورغم أنه بأقلام إفريقية إلا أنه انتشر بآليات غربية ترعاه وتمده بأسباب العيش ليستمر في دورة الحياة الابداعية. "المساء" التقت بعض المهتمين بهذا الأدب وبعض المبدعين الأفارقة لتوضيح الرؤية أكثر. الدكتورة فاطمة العتباني من السودان: الإبداع الإفريقي يحتاج إلى التواصل السودان مثلا مزيج لا ينفصل من الدماء العربية الزنجية المختلطة ونتيجة هذا التمازج تشكلت ثقافته بنكهة عربية إفريقية ذات بصمة متميزة، واحتفظ بالتشابه في الملامح والثقافة والفنون والتقاليد. لدينا في السودان معهد جامعي يسمى "معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية" يتناول بشكل خاص الثقافات والفنون الإفريقية، ولنا تجربة ثانية هي المعهد العالي للفنون المسرحية والموسيقية الذي يهتم بمشروعات تخرج طلبته التي تكتب بلغات إفريقية ليتم نشرها وتسجيلها. لدينا في السودان متخصصون في الأدب الإفريقي وأساتذة في "المشافهة الإفريقية" وتخصصات في مختلف أشكال الأدب الإفريقي تدرس في الجامعات والمؤسسات التعليمية والثقافية، كما تدرس اللهجات الإفريقية المحلية. بلدي يعتني بالأدب الإفريقي والتواصل معه وبشكل مطلق، إلا أن بعض العراقيل لا تزال تقف حجر عثرة أمام هذا التواصل المطلق منها الحواجز الطبيعية أي كيف العبور عبر الحدود، كما أن النشر ما زال مقصرا، وإلى حد الآن لم تصل الجرأة إلى اختراق هذه الحدود، لكن ببعض الجهد القليل المبذول نستطيع التواصل من خلال الملتقيات وتبادل الزيارات خاصة مع المبدعين الأفارقة لنكتشف إبداعنا سويا عوض أن نكتشفه بطرق ما من وراء البحار. الدكتورة منيرة سليمان من جامعة القاهرة (قسم لغة إنجليزية) الأدب الإفريقي مرتكز على المقاومة الأدب الإفريقي ليس حاضرا بقوة في الوطن العربي خاصة بمشرقه عكس جنوب وغرب أوربا مثلا. يوجد هذا الأدب أكثر في البلدان الفرنكفونية أو الانجلوفونية، خاصة إذا كانت لغتها الرسمية (انجليزية، فرنسية، اسبانية، برتغالية) فتكون لغة الإبداع بهذه اللغات الأجنبية، علما أن مضمون الإبداع هو مضمون محلي محض. هناك اهتمام كبير في العالم بهذا الأدب خاصة بأمريكا وأوربا وبالذات من منظور أدب ما بعد فترة الاستعمار والذي استمد خصائصه من الفترة الاستعمارية مثل خاصية المقاومة في الأدب من أجل استعادة الشخصية والروح الافريقية. أعلم أنه حاليا في الولاياتالمتحدة تتم عمليات مقارنة بين الأدب الإفريقي والأدب الأمريكو- لاتيني ولعل الاهتمام به أيضا هو من حيث أنه أدب يكتب بغير لغته الأم مما يثير الدراسة والمقارنة في كل ما يتعلق بلغة إبداعه. من رواد هذا الأدب الإفريقي الكييني "ان?و?ي وافيون?و" الذي أبدع في اللغة الإنجليزية ليقرر أن يكتب بعدها بلغته المحلية "?يكويو" وهو مثال واضح لفكرة المقاومة في هذا الأدب. ما يمكن الإشارة إليه هو أن هذا الأدب يحتاج للترجمة (خاصة إذا كتب بلغته الأم) للانتشار خارج الحدود لكن هذا سيفقده قيمته الفنية والبعد عن رسالته الأصلية وتحويره عن فكرته. الروائي مرزاق بقطاش الأدب الإفريقي أعمق وأشمل بداية تجب الإشارة إلى أهمية ندوة الكتاب الأفارقة التي تحتضنها الجزائر لأنها تسمح للمبدعين بالتلاقي والاحتكاك وبخلق جو مناسب للحوار والتباحث وتبادل الإنتاج والإبداع. يكفي إفريقيا أنها حصدت 4 جوائز نوبل مما يدل على أن في إفريقيا كتابا في نفس مستوي كتاب العالم الغربي، ما أتأسف له هو معرفتي القليلة عن هذا الأدب ماعدا ما قرأته من قصص وروايات مترجمة، وقد وجدتها في نفس مستوى إبداع أدباء الغرب بل وجدتها أحيانا أعمق طرحا وأبعد شأنا لأنها تعالج قضايا إنسانية حساسة تعاني منها القارة مثل الحروب الأهلية والمجاعة والأمراض والتدخلات الأجنبية الاستعمارية وذلك مالا نجده في الأدب العالمي. الروائي واسيني الأعرج: الأدب الإفريقي كان بعيدا عنا لا نعرف الكثير عن الأدب الإفريقي رغم أننا ننتمي إلى نفس القارة، فالمثقف المعرب يعرف الجزء العربي من القارة أي أنه مطلع على الأدب المغربي والتونسي والليبي والمثقف الفرنكوفوني يعرف الحلقة الإفريقية الفرنكوفونية أو الانجلوفونية كما أن الجانب الناطق باللغة البرتغالية (مستعمرات البرتغال) لا نعرف عنه أي شيء ومن هذا المنطلق فهناك أدب إفريقي غني لكن الغريب أن هذا الأدب الإفريقي هو الأقرب، رغم أننا في شمال إفريقيا مقصرين تجاهه. أشير إلى أن هذا الأدب يفتقد الرؤية النقدية فيما يتعلق بطغيان المركزية النقدية في حين يجب أن تنتقد بقوة وشراسة علما أن هناك محاولات جامعية للقيام بهذا العمل، والفرصة اليوم مواتية للاندماج في هذا الأدب والذهاب إليه بسرعة. الروائي رشيد بوجدرة: الأدب الإفريقي بديل للأدب الغربي العاقر أعطى الأدب الإفريقي منذ ظهوره إلى الساحة في فترة الثلاثينات من القرن الماضي براهين واضحة على أنه أدب عالمي شامل ومشهور علما أن له كل المقومات التي تجعل منه أدبا كبيرا. لولا الأدباء الأفارقة -منهم الحائزون على جائزة نوبل للآداب- لانتهى الأدب الغربي ولماتت معه دور النشر، إذ أن الأدب الغربي استهلك كل ما عنده ولم يعد له مواضيع يطرحها ولم تعد له مشاكل مفتوحة للنقاش والطرح كمشكل الهوية والتراث والفقر والجهل والدين والعادات والتقاليد. استطاع الأدباء الأفارقة أن يرتقوا إلى أعلى درجات الأدب الإنساني وأن يفتكوا حيزا مهما من التراث الأدبي العالمي، إلا أن المبدعين الكبار دائما يكونون قليلين، فالعمالقة لا يظهرون في الساحة كل سنة ولا يمكننا أن ننتظر أن تطل علينا موهبة كموهبة كاتب ياسين في فترة زمنية قصيرة أو أن تظهره معجزة "نجمة" في الغد القريب بل إن ظهور هؤلاء يكون مع الزمن الطويل وتراكم الأحداث والإبداع والنضج وربما يظهر واحد أو اثنين كل قرن مثلا، كما ظهر "سوييكا" الحائز على جائزة نوبل والذي لقبه الغرب "بشكسبير" إفريقيا، وهكذا فإنه في كل مرحلة تظهر أسماء ما وفق التصفية التاريخية. أما فيما يتعلق بموطن الإبداع ولغته فليس شرطا أن يكون وراء البحر، وعندنا الطاهر وطار أحسن مثال على ذلك فلقد كتب بلغته وبلغ شهرته في وطنه وانتشرت أعماله في العديد من دول العالم. الدكتور عمر عبد الماجد (سفير سوداني سابق - أستاذ جامعي - شاعر وكاتب): الأدب الإفريقي نموذج رائد أحببت التواصل مع الثقافة والأدب الافريقي تماما كما أحببت ذلك مع الأدب العربي، لذلك فقد كتبت شعرا عن الأمير عبد القادر الجزائري وعن تلمسان حاضرة العلم والأدب وتخصصت في مجال "التاريخ والثقافات الإفريقية" وألفت كتابا بعنوان "تاريخ الدول والإمبراطوريات الإسلامية في السودان الغربي والأوسط" (السينغال، مالي، نيجيريا، التشاد) وكتاب عن "مزامير الشجن القديم" و"أسرار طومبوكتو القديمة". أتصور أن الأدب الإفريقي هو القاعدة المشتركة بين شعوبنا، كما أن هذا الأدب الإفريقي خاصة جنوب الصحراء يرتكز على الديانات والروحانيات الإفريقية القديمة ففي الشعر مثلا نجد حشدا ضخما لهذا الموروث الثقافي. عندنا في السودان النيلي وعلى الرغم من أن ثقافة هذا البلد عربية إفريقية إلا أن الأدب السوداني ورغم لغته العربية يحوي في عمقه الكثير من الموروثات الإفريقية التي سبقت مجيئ العروبة والإسلام. لقد أصبح الأديب الإفريقي نجما عالميا يستطيع إيصال صوته الذي يروي أشياء مغايرة للخطاب السائد. والسؤال الضروري هو هل يستطيع الأدب حقا التصدي إلى مهمة التساؤل والمغايرة ربما كانت بعض الأعمال الأدبية التي كتبها مؤلفون أفارقة نماذج يمكن من خلالها اختبار ما يمكن للأدب أن يحقق من صدق وواقعية من خلال لغة التخيل والسرد إنها مفارقة الأدب البديهية لذلك يجب أن يبتعد هذا الصوت السردي عن السياسة وعن الحرفة، لقد عانت إفريقيا طويلا من طمس صوتها الإنساني لذلك أتى أدبها على شكل إنجاز حضاري فهو رواية وجمال وسرد يعيد الحياة إلى البشر والذين علبهم الإعلام في أنماط تثير الشفقة أو الرعب.