ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    بوريل: مذكرات الجنائية الدولية ملزمة ويجب أن تحترم    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى 61 لإندلاع ثورة التحرير: شهادات جديدة عن جرائم غير قابلة للتقادم
نشر في النصر يوم 01 - 11 - 2015

اليوم 61 سنة على اندلاع ثورة التحرير التي أنجبت الجزائر المستقلة، وتأتي الذكرى في مرحلة عاصفة تمر بها المنطقة العربية المهددة باستعمار جديد غيّر اسمه ومنح المعاول والسكاكين لأبناء الأوطان أنفسهم، وقد حاولت الجزائر اعتمادا على الإرث الثوري ذاته «مقاومة» الشهوات الاستعمارية التي تستهدف الجيران وتستهدفها من وراء ذلك، من خلال تبنيها لديبلوماسية تناهض التدخل الأجنبي وتنادي بالحلول السلمية السياسية للأزمات الداخلية. وإذا كان مراقبون يرون أن الجزائر قد قفزت فوق فخاخ كثيرة، فإن تراجع مداخيل البلاد بعد انهيار أسعار النفط بدأ يثير المخاوف بقدر ما يثير الأسئلة حول الإخفاق قي بناء اقتصاد قوي لا يعتمد على المحروقات و الإخفاق في بناء دولة وطنية محصّنة ضد الهزّات بنظام ديمقراطي يستوعب كل المكونات الاجتماعية والثقافية ويجعل منها عامل ثراء وقوة وليس مصدر شقاق. بل أن الشك في الثورة بدأ يتسرّب إلى الأجيال الجديدة التي سئمت خطابات الشرعية الثورية التي كثيرا ما استخدمها رسميون في نظام الحكم وكثيرا ما اختفوا خلفها، في الوقت الذي لازالت الثورة الجزائرية تُلهم الآخرين، ويكفي أن نرى الفلسطينيين يتوشحون بالأعلام الجزائرية وهم يذهبون لمواجهة جنود الاحتلال المدججين بالسلاح أو يذهبون إلى القبور، في رسالة بليغة ليتها تصل إلى قلوب الجزائريين قبل غيرهم. لأن الإخفاقات التي صاحبت بناء الدولة الوطنية ليست مبررا للتشكيك في الثورة أو لامتداح المستعمر
مثلما يريد زبائنه الدائمون.صحيح أن الجزائريين ضيّعوا فرصا ومروا بمرحلة عصيبة خلال سنوات الحرب الأهلية المدمرة والتي كانت امتحان وجود للدولة الجزائرية، لكن الفرص لازالت قائمة لاستكمال البناء والتخلص من البناء الهش. في هذا العدد تفتح النصر سجل الثورة بغرض إضافة أسطر جديدة هي شهادات من عايشوا أحلام حرب التحرير و محنها.
العلاقات بين البلدين مرهونة بتسوية الإرث التاريخي
فرنسا مطالبة بالكشف عن وجهها الاستعماري القبيح عاجلا أم آجلا
يتساءل كثيرون عن السر الذي يمنع ساسة باريس من تقديم الاعتذار للجزائر، وإصرارهم على تجاهل الماضي الاستعماري الأسود، رغم أن الاعتراف ليس سابقة في التاريخ، بل فرنسا نفسها اعتذرت عما ارتكبته حكومة فيشي بحق اليهود، وذهبت لدرجة سن قانون يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتجرأ على التشكيك في المحرقة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالجزائر، يتحول الاستعمار إلى عمل "ايجابي" ويجتهد الفرنسيون في إيجاد مبررات "لا أخلاقية" عن الجرائم المرتكبة في حق الجزائريين طيلة
أكثر من قرن
مع حلول كل مناسبة تاريخية، يسترجع الجزائريون، فاجعة الموت والمعاناة التي تكبدها الشعب على مدار أزيد من قرن، ومع كل هذا لا تزال فرنسا ترفض الاعتراف بماضيها الاستعماري الأسود وتصر على تجاهل ارثها التاريخي، بالمقابل هي تطالب الآخرين الاعتراف بماضيهم الاستعماري، هذا الانفصام السياسي الفرنسي، سيضع الدولة الفرنسية، عاجلا أم آجلا، أمام حتمية الحسم في القضايا التاريخية التي أضحت تؤرق أصحاب القرار في فرنسا سواء على اختلاف انتمائهم السياسي، والذين تهربوا من الاعتراف، وقبلوا على مضض التصريح "بلباقة فرنسية" بوحشية الاستعمار، في انتظار إعلان التوبة والاعتذار.
أصحاب القرار في فرنسا، فضلوا الهروب على مواجهة الحقيقة التاريخية، ويتحلون بالشجاعة فقط عندما يتعلق الأمر بدول أخرى، فهم طالبوا الرئيس التركي اردوغان التحلي بالشجاعة والاعتذار للأرمن، ولكنهم يتناسون تلك الشجاعة عندما يتعلق الأمر بالتاريخ والماضي الأسود في الجزائر، ويتجاهلوا المجازر البشعة التي ارتكبوها في الجزائر. مواقف حولت ملف الذاكرة إلى وسيلة للدعاية الانتخابية يتم طرحها عند كل موعد انتخابي لدخول قصر الاليزيه، والمؤكد أن هذا الملف سيظل محل تفاعل بين باريس والجزائر إلى أن يقرر الساسة في فرنسا الاعتراف بحقيقة تاريخهم وماضيهم الأسود في بلدنا.
ويجمع السياسيون بل وحتى كبار المسؤولين في الدولة، بان العلاقات بين الجزائر وفرنسا لن يكتمل عقدها إلا عند اعتراف باريس عن الجرائم التي اقترفتها فرنسا الاستعمارية ضد الجزائريين، وبعد الاعتراف يأتي الاعتذار، مطلب أكده مؤخرا وزير المجاهدين، حيث صرح بان العلاقات الجزائرية الفرنسية لن ترقى إلى أعلى مستوياتها إلا بمحور التاريخ و الذاكرة الوطنية في إشارة إلى ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها المرتكبة خلال الاستعمار.
ورغم حديثه عن تطور في الموقف الفرنسي فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة ضد الجزائريين، إلا انه أكد بان كل ما صدر عن الفرنسيين، سواء تعلق الأمر بتدابير قانونية، أو تصريحات لكبار المسؤولين في الدولة لا ترقى إلى درجة الاعتراف والاستجابة للمطلب الذي يرفع وينادي به الجزائريون، وهو إقرار بالجرم المرتكب ضد الجزائريين، وطلب العفو والاعتذار.
ويجمع الحقوقيون والمؤرخون، بأن الجرائم التي ارتكبتها فرنسا بالجزائر إبان فترة الاحتلال لن تسقط بالتقادم، ويؤكدون على ضرورة اعتراف السلطات الفرنسية بتلك الجرائم، والاعتذار والتعويض للشعب الجزائري عن الوحشية الاستعمارية. خاصة وأن فرنسا 'نوعت في جرائمها ضد الجزائريين فارتكبت جرائم ضد الإنسانية وضد الدين واللغة والاقتصاد، ويؤكدون بان مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائمها إبان الفترة الاستعمارية ''مطلب شرعي'' و''حق تاريخي''.
الفرنسيون يبتدعون فكرة "الذاكرة الهادئة"
الفرنسيون من جهتهم يتفننون في اختلاق الأعذار والتبريريات للإفلات من واجب الاعتذار، وابتكروا في سبيل ذلك فكرة "الذاكرة الهادئة" أو في بعض الأحيان "الاعتراف المتبادل" وهي مصطلحات يستعملها الفرنسيون في تعاطيهم مع العلاقات الجزائرية في شقها التاريخي، لإزالة التشنج دون أن يصل ذلك إلى حد تقديم الاعتذار طالما أن كلمتا الاعتراف والاعتذار لم تدرجهما باريس في قاموسها السياسي والتاريخي.
ساسة باريس قالوها صراحة بأنهم يريدون "اعترافا متبادلا" أي بعبارة أخرى المساواة بين الضحية والجلاد، ويعنى هذا الطرح أن تعتذر الجزائر للجنود الفرنسيين الذين قتلوا على أيدي الثوار، وتفتح الجزائر بابها أمام الأقدام السوداء وكل الذين عملوا ضد الثورة، وتمكنهم من استعادة ممتلكاتهم. ويعني أيضا فتح الباب للحركي كي يزوروا الجزائر ويدفنوا فيها. ورغم مقترح "المقايضة السياسية والتاريخية" أو "الاعتراف المتبادل" الذي طرحه الفرنسيون، هناك الكثير من أنصار اليمين يرفضون الفكرة أصلا، واللافت أن الخطاب المتعصب الذي يرفض الحديث عن "الإقرار بالذنب" قد أصبح يلقى شعبية واسعة في فرنسا. يكشف عن حقد دفين للجزائر وشعبها في أوساط من لا يزالون يؤمنون بان الجزائر سرقت من فرنسا وباعها ديغول للجزائريين.
ورأى محللون بان مشاركة الوزير الفرنسي لقدماء المحاربين تودتشيني في احتفالات المخلدة لذكرى مجازر 8 ماي، هو في حد ذاته اعتراف غير معلن بمسؤولية فرنسا في هذه المجازر، خاصة وان الخطوة جاءت في سياق اعتراف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمجازر 17 أكتوبر 1961، وقبل ذالك اعترف عمدة باريس السابق بتلك المجازر.
وقد علق كثيرون أمالا على تلك الزيارة، وراو فيها مناسبة "للانتقال من شبه اعتراف فرنسي إلى اعتراف صريح لا لبس فيه"، ولكن ما قاله الوزير الفرنسي لم يكن في مستوى تلك الآمال، ولم يجرؤ على تجاوز الحدود التي رسمها الرئيس هولاند، ولم سئل إن كان سيقدم على خطوة الاعتراف، فقال: "الاعتراف الرسمي تم بصفة علنية خلال الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند يوم 20 ديسمبر 2012. وقد أكد خلال هذا اليوم التاريخي أن مجازر سطيف وڤالمة وخراطة تظل راسخة في ذاكرة الجزائريين وكذا الفرنسيين". وأوضح بأن تلك الأحداث "كانت شاهدة على عدم احترام فرنسا لقيمها العالمية، في الوقت الذي انتصر العالم على همجية الحرب". ويرى كثيرون بان الاعتذار ليس سابقة في التاريخ، بل فرنسا نفسها اعتذرت عما ارتكبته حكومة فيشي بحق اليهود، وذهبت لدرجة سن قانون يعاقب بالسجن والغرامة كل من يتجرأ على التشكيك في المحرقة، اذن ما السر الذي يمنع ساسة باريس من تقديم الاعتذار للجزائر، وما الذي يضير فرنسا إن هي اعتذرت لدول وبلدان تم تقتيل أبنائها بالجملة وسلبت ثرواتها، بل حتى فرنسا نفسها حصلت على اعتذار ألمانيا عما قامت به النازية عندما استباح أدولف هتلر السيادة الفرنسية في أربعينيات القرن الماضي واحتل فرنسا.
عندما زار الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الجزائر صيف عام 2007 سألته الصحافة عن السر في رفض فرنسا الاعتذار للجزائر عما ارتكبته فيها من فظاعات، رد قائلا "أنا مع الاعتراف بالوقائع وليس مع الندامة. الندامة مفهوم ديني ولا مكانة لها في العلاقات بين الدول...، لم آت هنا لجرح المشاعر, ولا لطلب الصفح... فتلك أحداث تاريخية, والتاريخ جزء من الماضي. أما الآن, فلنبن المستقبل".
واكتفت باريس بخطوة محتشمة من لدن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. الذي صرح ولم يمض على تنصيبه إلا أشهر قلائل، بأنه يعترف ب"المعاناة" التي تسبب فيها الاستعمار الفرنسي للشعب الجزائري. وقال في خطاب أمام أعضاء البرلمان "أعترف هنا بالمعاناة التي تسبب فيها الاستعمار للشعب الجزائري...، لا سيما أحداث سطيف وقالمة وخراطة التي ستبقى راسخة في ذاكرة الجزائريين وضميرهم". وأوضح أنه "خلال 132 سنة خضعت الجزائر لنظام ظالم ووحشي...، وهذا النظام يحمل اسما هو الاستعمار".
واللافت بروز أصوات داخل فرنسا تنادي بالاعتراف والاعتذار، وهو ما أقدمت عليه مؤخرا عدة جمعيات ومنظمات وأحزاب سياسية يسارية، حيث دعت الرئيس الفرنسي، الاعتراف بجرائم الاستعمار الفرنسي ضد الجزائريين، وإدانة جرائم الدولة، من خلال لفتة رمزية، من شانها أن تضع حد للتجاذبات الحاصلة بهذا الخصوص، واعتراف الدولة الفرنسية بمسؤوليتها عن الاعتقال التعسفي، خلال حرب الجزائروالزج بالجزائريين في المحتشدات. وطالبت تلك الجمعيات والاحزاب، الرئيس الفرنسي، باتخاذ خطوات هامة، وتحرير الأرشيف الاستعماري من قبضة السياسيين وتمكين المؤرخين من الاطلاع على تلك الصفحات التاريخية القاتمة، وطالبت اللجنة، بإدانة ومحاكمة كل الأصوات "تتغاضى عن جرائم المنظمة السرية" وكل الأشخاص الذين يحنون إلى تلك الحقبة التاريخية في إشارة إلى السياسيين الذين لا يزال الكثير منهم يتحدثون عن "الجزائر الفرنسية"، وشددت الرابطة على ضرورة قول الحقيقة بشأن جرائم المنظمة السرية، وقالت بان بعض السياسيين من حزب اليمين الذي يتزعمه ساركوزي، على غرار عمدة بيزييه، روبر مينار، الذي يسعى لرد الاعتبار لهذه المنظمة، وطالبت بوقف الخطابات العنصرية.
أنيس نواري
مدير مخبر التاريخ بجامعة 8 ماي 45 بقالمة محمد شرقي
المحتشدات الاستعمارية في الجزائر جريمة ضد الإنسانية
قال الأستاذ محمد شرقي مدير مخبر التاريخ للأبحاث و الدراسات المغاربية بجامعة 8 ماي 45 بقالمة، بأن المحتشدات التي أقامها الاستعمار الفرنسي بالجزائر خلال الثورة تعتبر جريمة ضد الإنسانية و اعتبرها بمثابة سجون و مواقع للإقامة الجبرية مورست فيها كل أنواع التعذيب الجسدي و النفسي و جردت الإنسان من حريته و إنسانيته.
و أضاف محمد شرقي متحدثا للنصر، بأن هذه المحتشدات الجهنمية جعلتها فرنسا كإستراتيجية لعزل الثوار عن الشعب الذي يمثل العمق و الوسط الطبيعي الذي نشأت فيه الثورة و عاشت فيه حتى الاستقلال، و قد طبقت فكرة المحتشدات لأول مرة في عدة مناطق من الهند الصينية، و أثبتت نجاعتها في محاصرة الثورات هناك و التأثير عليها و قررت فرنسا تطبيقها بالجزائر عقب اندلاع ثورة التحرير و كانت البداية بمنطقة الأوراس سنة 1955 ثم عممت على بقية أنحاء الوطن بعد ذلك، حيث ركزت على منطقة الشرق على وجه الخصوص ثم الوسط و بدرجة أقل منطقة الغرب. و حاولت فرنسا من خلال هذه العملية البشعة تفريغ المناطق الجبلية من السكان، و جعلها مناطق محرمة و جمع السكان في موقع واحد محاط بالأسلاك الشائكة و نقاط الحراسة لا يفتح إلا في الصباح و يغلق في المساء، و من يبقى خارجه يقتل فورا سواء كان إنسانا أو حيوانا. و حسب المتحدث، فإن ولاية قالمة الحالية التي كانت دائرة تابعة لولايتي قسنطينة و عنابة في التقسيم الفرنسي تضمّ وحدها 85 محتشدا و أكثر من 40 مركزا للتعذيب و يعود هذا العدد الكبير من المحتشدات بقالمة إلى موقعها الاستراتيجي و مكانتها الهامة خلال الثورة، حيث تعتبر ممرا حيويا لقوافل الأسلحة التي تتنقل بين تونس شرقا و الولايتين التاريخيتين الثانية و الثالثة. و في كل محتشد بين 40
و 60 عسكريا كلهم من الحركى باستثناء 3 فقط هم من الفرنسيين القائد العسكري للمخيم و مسؤول الأسلحة و مسؤول الرواتب، و عمدت فرنسا إلى الخلط بين عدة قبائل و دواوير في المحتشد الواحد و هو ما خلق مشاكل كبيرة داخل المخيم الواحد بسب اختلاف العادات و التقاليد و السلوكات من قبيلة إلى أخرى و من مشته إلى مشته أخرى.
و كانت هذه المحتشدات يقول محمد شرقي، ضربة قاسمة لاقتصاد المشاتي و القبائل حيث أصبحت الأراضي مناطق محرمة بعد أن كانت المصدر الوحيد لمعيشة السكان سواء في مجال الزراعة أو في مجال تربية المواشي، و انقطعت مصادر العيش و انتشرت البطالة و الفقر بين السكان و كثرت الأمراض كالسل و الجرب و فقر الدم فلا يمر يوما إلا و يموت عدد من الجزائريين و خاصة الأطفال.
و المحتشد عبارة عن قطعة أرضية محاصرة، فيها أكواخ من الديس و الصفيح أحيانا، لا توجد فيها إنارة و مياه و لا قنوات للصرف الصحي و بعض العائلات تعيش في خيمة أو كوخ واحد بدون دورة مياه حيث عمدت فرنسا إلى إهانة الجزائريين و إذلالهم و تجريدهم من إنسانيتهم كما حدث بمحتشدات بني عدي، عين خروبة و حمام دباغ غربي قالمة.
و تعيّن السلطة العسكرية الفرنسية مجموعة من الجزائريين للإشراف على كل مخيم و تقوم هذه المجموعات بجمع المعلومات عن تحرك الأشخاص المشكوك في مساندتهم للثورة و بناء على هذه المعلومات يقوم الجيش الفرنسي بشنّ حملات مداهمة و تفتيش للأكواخ و يعتدي على الحرمات و يأخذ الرجال إلى مراكز التعذيب، و يذبح رؤوس الأبقار و الأغنام لتغذية جنوده من الحركى الذين
خانوا الوطن.
و حاول المجاهدون تشجيع السكان على رفض المحتشدات، بحسب ما قال مدير مخبر التاريخ بجامعة قالمة، لكن الجيش الفرنسي أجبرهم على المغادرة بالقوة بعد أن أحرق مساكنهم و فرض واقعا صعبا على الثوار الذين قرروا اختراق المحتشدات بتعيين بعض المخلصين لجمع الاشتراكات الزهيدة و المعلومات حول تحركات العدو، و استطاع الثوار تحقيق انتصارات كبيرة داخل المحتشدات حيث التف السكان المحاصرون حول الثورة و مونوها بالمال و الغذاء رغم الفقر و الحرمان و الحصار المشدّد. و كشف محمد شرقي،المهتم بالأرشيف الفرنسي لما وراء البحار، عن جريمة مسكوت عنها ارتكبها الصليب الأحمر الدولي بالعديد من المحتشدات سنة 1961 عندما قدم مساعدات غذائية للسكان الذين يعانون من الجوع و من بين الأغذية كميات معتبرة من الفرينة منتهية الصلاحية، حيث اكتشف السكان بأنها ذات لون أصفر و طعم مر و رغم ذلك أكلوها من شدة الجوع و أصيبوا بأمراض معوية فتاكة، قتلت الكثير منهم فاضطروا إلى أكل النباتات الطبيعية لمواجهة المجاعة كما فعل المجاهدون عندما توقفت إمدادات الغذاء من السكان المحاصرين داخل المحتشدات الرهيبة. و تقول بعض المصادر التاريخية، بأن عدد المحتشدات الاستعمارية بالجزائر تجاوز 2600 محتشد و بلغ عدد الجزائريين الذين زُجّ بهم في هذه المحتشدات نحو مليوني و هو عدد كبير بالنظر إلى تعداد السكان الجزائريين خلال الثورة الذي لم يكن يتعد 9 ملايين نسمة.
فريد.غ
وزارة المجاهدين تحاول استدراك الوقت الضائع
أكثر من 13 ألف ساعة لشهادات المجاهدين في متناول المؤرخين
تسعى وزارة المجاهدين منذ ثلاث أو أربع سنوات لاستدراك ما فات فيما يتعلق بتسجيل الشهادات الشخصية للمجاهدين وكل الفاعلين أثناء الثورة التحريرية، في الوقت الذي ينسحب فيه هؤلاء تدريجيا من الحياة وبشكل مخيف ما يعني ضياع صفحات كاملة من تاريخ الحرب التحريرية وكفاح الشعب الجزائري لنيل استقلاله واسترجاع حريته.
وعلى الرغم من تأكيد وزير المجاهدين الطيب زيتوني قبل أسبوع بأنه تم إلى غاية اليوم تسجيل أكثر من 13 ألف ساعة من شهادات المجاهدين عبر القطر الوطني إلا أن ذلك يعتبر قليلا وقليل جدا بالنظر لزخم الثورة التحريرية ومساهمات مئات الآلاف من الرجال والنساء فيها بشكل أو بآخر، حيث تعتبر كل مساهمة منها وكل شهادة بل وكل كلمة ينطق بها مجاهد أو مسبل أو فدائي أو عضو من المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني أو مناصر للثورة من الأجانب جزء من التاريخ الوطني، وبالتالي فإن عدم تسجيل كلمة واحدة يعني في نهاية المطاف ضياع جزء من التاريخ الوطني.
وفي الحقيقة وحسب بعض المجاهدين، فإن عملية تسجيل الشهادات بدأت في ثمانينات القرن الماضي لكن بشكل محتشم وبشكل فردي، أي بمبادرات من مجاهدين أنفسهم أو من منظمة المجاهدين وأبناء الشهداء في مناطق معينة ولم تكن العملية منظمة ومعممة بالشكل الذي يتيح لكل مجاهد الإدلاء بما عاشه وساهم به في الثورة. وقد حاولت وزارة المجاهدين قبل سنوات قليلة استدراك هذا الأمر مع بداية رحيل جيل أول نوفمبر وبشكل مخيف وهو شيء طبيعي من الناحية البيولوجية بعد مضي 50 سنة عن الاستقلال، وقد أشرف وزير المجاهدين السابق محمد الشريف عباس على إطلاق العملية في نوفمبر من العام 2012 بمناسبة خمسينية الاستقلال من ولاية باتنة نظرا لرمزية هذه الولاية كونها تمثل الولاية التاريخية الأولى التي شهدت إطلاق أول رصاصة ضد المحتل الفرنسي.
وبعد ذلك أعطت وزارة المجاهدين الإشارة لكافة مديريات المجاهدين ومتاحف المجاهد عبر التراب الوطني إشارة الانطلاق في تسجيل شهادات المجاهدين الذين لا يزالون على قيد الحياة، ومنحت لهذه الهيئات بعض الوسائل الكفيلة بالمساعدة على تسجيل شهادات المجاهدين وحفظها.
لكن انطلاق عملية تسجيل الشهادات بعد خمسين سنة عن الاستقلال يعني بكل بساطة أن جزءا معتبرا من تاريخ الحرب التحريرية ضاع ورحل مع أصحابه المجاهدين الذين رحلوا قبل هذا التاريخ وما أكثرهم، وقد اعترف وزير المجاهدين الحالي الطيب زيتوني في تصريح له قبل أشهر بالتأخر الملاحظ في جمع وتسجيل شهادات المجاهدين وقال" تأخرنا نوعا ما و صفحات من تاريخنا المجيد ضاعت بوفاة بعض المجاهدين لكننا حاليا نحاول بجدية استدراك الوقت الضائع".
وفي هذا المجال فإن دور ومسؤولية وزارة المجاهدين كبيرة، و تعتبر مهمة جمع المادة الخام المتعلقة بتاريخ الثورة من صميم مهام الوزارة التي تمنح كل عام ميزانية كبيرة ومعتبرة تضاهي ميزانيات وزارات سيادية على غرار التربية الوطنية والدفاع والداخلية والصحة.
وفي إطار المساعي التي تقوم بها هذه الوزارة ومن أجل توسيع عملية تسجيل الشهادات صرح وزير المجاهدين الحالي الطيب زيتوني أيضا أنه أعطى توجيهات للقائمين على مراكز الراحة التابعة للوزارة للتعجيل بتزويد هذه الهياكل بالوسائل السمعية البصرية الضرورية استعدادا لجمع شهادات المجاهدين الذين يقصدون هذه المراكز للراحة و التداوي وتدوين كل ما عايشوه إبان الثورة.
الشهادات كمادة خام لكتابة التاريخ
إذا كانت عملية جمع شهادات المجاهدين تعتبر مرحلة أولى في عملية كتابة وتدوين تاريخ الثورة المجيدة فإن وزير المجاهدين أكد في إحدى تصريحاته أن الوزارة ستتحول إلى مركز إشعاع تاريخي إذ ستزود الجامعات والمعاهد والمؤسسات التربوية وكذا الباحثين والطلبة بالمعلومات الكافية عن تاريخ الثورة وأمجاده.
وتعتبر الشهادات الشخصية حسب المؤرخين مادة خام ومصدرا هاما لكتابة التاريخ لكن هل ما جمع من شهادات في متناول المؤرخين؟ وهل باب الوصول إليها مفتوح أم أنها مخزنة في أماكن لا يصل إليها المؤرخون في الوقت الحالي؟
بعض المؤرخين والباحثين في التاريخ الذين تحدثت إليهم «النصر» بمناسبة الاحتفال بالذكرى ال 61 لعيد الثورة يقولون أن الوزارة تسهل عملهم وتفتح الأبواب لاستغلال مثل هذه الشهادات عندما يطلبها أي مؤرخ لكن شريطة أن يكون ذلك عبر الطرق المعمول بها في جميع الدول في مثل هذا المجال، أي أن يقدم المؤرخ بطاقة أو رسالة من الجامعة أو مركز البحث الذي ينتمي إليه أو يعمل لصالحه أو يقدم بطاقة تثبت أنه فعلا مؤرخ ويشتغل في هذا الحقل.
وفي هذا الصدد، يقول المؤرخ والباحث في التاريخ الدكتور لحسن زغيدي الأستاذ بمعهد التاريخ بجامعة الجزائر أن عملية تسجيل شهادات المجاهدين شرع فيها منذ تسعينيات القرن الماضي، وليس في السنوات الأخيرة كما يعتقد البعض، وقد بدأت العملية منذ أن استرجعت وزارة المجاهدين المتحف الوطني للمجاهد وإنشاء المركز الوطني للبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر.
ويضيف في تصريح للنصر، أن الهدف من العملية هو جمع الشهادات والحفاظ عليها وهي تعد بعشرات الآلاف وهي ثمينة ومن مختلف فعاليات الثورة.. من المسؤول القائد إلى الجندي البسيط، ومن مختلف الحقول.. العسكرية منها والدبلوماسية والاجتماعية وغيرها، أي أنها مست كل الجوانب حسب نوعية الشاهد وهذا كنز مهم أرى أنه سيكون مفيدا لأي باحث في التاريخ الوطني، لأن أول ما يدرس لطلبة التاريخ- يضيف الدكتور زغيدي- هو المدارس والمنابع والمصادر وفي هذا الشأن تأتي الشهادات في المقدمة لأنها لسان حال الفاعل نفسه، ولذلك يكون الزاد الحقيقي للمؤرخ في هذه الحال هو الوثيقة الناطقة، وبما أننا نعيش اليوم في عصر الرقمنة و التطور التكنولوجي فيمكن تحويل هذه الشهادات إلى عمل مكتوب وهو جد فعال.
وعما إذا كانت الشهادات المسجلة للمجاهدين في متناول المؤرخين والباحثين في التاريخ، رد الدكتور زغيدي بأن هذه الشهادات ستوجه لهذا الجيش من المؤرخين وأن الوزير الحالي للمجاهدين الذي يعرفه شخصيا و هوحريص جدا على ذلك، وهو يعمل منذ أن تولى حقيبة المجاهدين حسب ما يصرح به، وأنه شخصيا كمؤرخ لمس بأن القائمين على المؤسسات التابعة للوزارة يطبقون أوامره حرفيا بفتح الأبواب للمؤرخين والباحثين في التاريخ، لكن لابد أن يعرف الجميع أنه ليس كل من يكتب يعتبر باحثا وليس كل من يسعى لمعرفة المعلومة التاريخية هو باحث، بل لابد أن يستظهر ما يثبت أنه باحث كما هو معمول به في كل الدول، سواء مراسلة من المؤسسة المشرفة على البحث أو بطاقة انتساب لمركز بحث، ويضيف أنه شخصيا لم يجد أبدا أي صعوبة في الحصول على ما يطلبه لا هو ولا الطلبة الذين يشرف عليهم، ولم يشتك أي منهم من عدم تسهيل العمل بل العكس يستقبلون أحسن استقبال ويلقون كل التسهيلات.
ويضيف محدثنا في هذا السياق، أن الشهادات المسجلة لابد أن تمر عبر مراحل عديدة حتى تصبح جاهزة للباحث، إذ بعد تسجيلها لابد أن تصنف ثم تستنسخ، ومن ضمن النسخ توضع نسخة خاصة بالباحثين لمن يطلبها، وكل هذه المراحل تتطلب وقتا وعملا مختصا واليوم لدينا اختصاص يسمى علم المكتبات والتوثيق.
كما يقول الباحث في التاريخ عمار بلخوجة، فإن المؤرخ بإمكانه استغلال الشهادات التي تسجل حاليا خاصة طلبة الجامعات وبإمكانها أن تقدم لهم مساعدات كبيرة في مذكرات تخرجهم و في البحوث التي يقومون بها، لكن عليهم حسن التعامل معها.
ويضيف أن الوزارة تفتح أبوابها لكل من يطلب هذه الشهادات فضلا عما يصدر على صفحات مجلات تابعة لهيئات تابعة للوزارة، وينبه إلى أن كتابة التاريخ عملية مستمرة قد يبدأ اليوم مؤرخ ما في كتابة موضوع ما ويكمله مؤرخ آخر بعد سنوات، لكن لابد أن لا ننسى أيضا أن هناك قوانين معمول بها تحدد آجال فتح الأرشيف وهناك أرشيف لا يفتح أبدا.
محمد عدنان
الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين سعيد عبادو للنصر
الأقدام السوداء غير مرحب بهم في الجزائر و طلبهم الجنسية الجزائرية مرفوض
البرلمان الجزائري مدعو لإصدار قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي في أقرب وقت
اعتبر الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين، سعيد عبادو، أن مطالب الأقدام السوداء للحصول على الجنسية الجزائرية مرفوضة، وقال أنه غير مرحب بهم في الجزائر لأنهم كانوا أعداء الجزائر و قد أخطأوا وقتلوا الجزائريين. ودعا عبادو من جانب آخر، البرلمان الجزائري لإصدار قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي في أقرب وقت ممكن، مؤكدا في حوار مع النصر، على ضرورة اعتراف و تقديم فرنسا الاعتذار والتعويض للشعب الجزائري عن الخسائر والجرائم التي ارتكبتها خلال فترة الاحتلال.
النصر: فرنسا تصرّ على عدم الاعتراف والاعتذار وتعويض الشعب الجزائري عن جرائم الاستعمار ما ذا تقولون في هذا الشأن؟
سعيد عبادو : من الناحية التاريخية ، فرنسا احتلت الجزائر لمدة 132 سنة وقد رفض الجزائريون الاحتلال وحاربوا فرنسا بكل الإمكانيات التي لديهم، لكنها استعملت كل الوسائل بما فيها المحرمة دوليا، وجاءت بعدد كبير من الفرنسيين ومكنتهم من الأراضي ووفرت لهم كل الإمكانيات من أجل أن يستحوذوا على الأراضي والأملاك الجزائرية ، حيث أصبح الفرنسيون طبقة متميزة لأنهم كانوا مدعومين من طرف الجيش الفرنسي وكان كلما حاول الجزائريون استرداد حقوقهم وقاموا بانتفاضات ومظاهرات ، كانت فرنسا دائما تواجه هذه التحركات المشروعة بالقمع والحرمان، ووصلت إلى حدّ تدمير قرى ومدن على أصحابها وقضت على مظاهرات، وأخدت المناضلين إلى السجون وفي النهاية قالت فرنسا بالحرف الواحد، أن الجزائر فرنسية وجزء لا يتجزأ من التراب الفرنسي. وبالرغم من وسائل التخريب والتدمير والجرائم التي ارتكبت في حق الجزائريين، كان لهم من الإرادة والوطنية ما ساعدهم على أن يثبتوا ويحاربوا فرنسا بكل الوسائل، وهذه الحرب لم تكن داخل التراب الجزائري فقط، بل انتقلت إلى أرض العدو و اختتمت هذه المقاومة وهذه الانتفاضات والثورات بثورة نوفمبر التي حررت الجزائر تحريرا كاملا، لكن بعدما حصلنا على الاستقلال وجدنا الجزائر مدمرة من أقصاها إلى أقصاها فهناك جرائم كبيرة ارتكبها الاحتلال ومن الضروري أننا كجزائريين نطالب الاحتلال الفرنسي بأن يعترف بهذه الجرائم ويعتذر للشعب الجزائري، لأن هذه الجرائم محرمة دوليا ونصّت على ذلك مواثيق الأمم المتحدة. لكن نلاحظ أن الاستعمار، عوض أن يعتذر ويعوض الشعب الجزائري عن كل الخسائر والجرائم نرى أن البرلمان الفرنسي باسم الشعب الفرنسي يصدر قانونا يمجّد فيه الفترة الاستعمارية التي قضاها الاحتلال في بلادنا. و في الواقع هذا أمر غريب. وكان لا بد على البرلمان الجزائري أمام هذا الوضع، مع كل القوى الوطنية أن يعمل على إصدار قانون يجرم الاستعمار الفرنسي في الجزائر رداً على الجرائم التي ارتكبت إبان فترة الاحتلال، ورداً على قانون تمجيد الاستعمار الفرنسي ، لكن نتأسف لكون البرلمان الجزائري تلكأ في إصدار هذا القانون، وحتى الآن ليس هناك ردة فعل في المستوى المطلوب، وهذا الأمر لم يكن منتظرا، ونحن كمجاهدين ومجاهدات وكل المواطنين المخلصين نلح على البرلمان الجزائري والنواب الجزائريين بصفتهم منتخبين ديمقراطيا من طرف الشعب ومن المفروض بأن يعبروا عن الإرادة الوطنية لهذا الشعب وأن يصدروا هذا القانون في أقرب وقت ممكن.
كما أننا نطالب باسترجاع الأرشيف وكل ما نهبته فرنسا و أخذته من الجزائر،وتعويض الأضرار الناتجة عن التجارب النووية وكل القضايا الأخرى وإن كانت فرنسا حقيقة ترغب في إقامة علاقات الندّ للند مع الجزائر فيجب عليها أن تقوم بهذه الواجبات. أما إذا لم تعتذر ولم تعوض ولم ترجع ما نهبته من الجزائر فنحن نعتقد أنه لا يمكن إقامة علاقات حقيقية .
ما رأيكم في تصريحات الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي حول مراجعة اتفاقيات إيفيان؟
ردنا على تصريحات رئيس الجمهورية الفرنسية السابق نيكولا ساركوزي حول المطالبة بمراجعة أو إعادة النظر في اتفاقية إيفيان والاتفاقية التي تلتها سنة 1968 حول وضعية المغتربين الجزائريين في فرنسا، هو أن الجزائريين شاركوا في الحرب العالمية الثانية، فعدد الذين شاركوا في الحرب العالمية، 139 ألف جزائري وأغلبهم ماتوا في الحرب دفاعا عن فرنسا ومن أجل تحرير فرنسا، والفرنسيون اعترفوا بهذا وهناك عدد من الجزائريين قدمت لهم أوسمة، كما أنهم قدموا دعوة للمسؤولين الجزائريين أن يشاركوا في الاحتفال بتحرير فرنسا ، وحضر ممثلون عن الدولة الجزائرية في هذا الاحتفال، فالجزائريون شاركوا وسالت دماؤهم من أجل تحرير فرنسا ونحن نطرح السؤال ألا يحق لإنسان ساهم بدمه في تحرير فرنسا أن تكون له قدم هو وأولاده وأهله في الأرض الفرنسية، أنا اعتبر هذا الأمر طبيعيا فلا يحق لساركوزي أو لغيره من الفرنسيين أن يطالبوا بإعادة النظر في اتفاقيات إيفيان أو الاتفاقيات التي تلتها، والخاصة بإقامة الجزائريين على الأرض الفرنسية ومن الواجب أن يتمتعوا بنفس الحقوق التي يتمتع بها الفرنسيون أو أكثر .
كيف تعلقون على تصريحات أشخاص في اليمين الفرنسي المتطرف يتحاملون من خلالها على الجزائر ؟
نحن نتأسف وكنا نعتقد أن الفرنسيين أخذوا الدرس سواء كانوا من اليمين أو اليسار والجزائر مستقلة بفضل أبنائها والاستعمار انتهى، و يبدو أن هؤلاء ما زالوا يحلمون بالعودة إلى الجزائر،لكن هناك فرنسيين أحرار كانوا مع استقلال الجزائر، وساعدوا الثورة الجزائرية. ونحن نقول أن الأجيال الصاعدة ستكون خير خلف لخير سلف وستدافع عن الجزائر بنفس القوة والإرادة التي حرر بها جيل نوفمبر الجزائر.
ما هو موقفكم من مطالب الأقدام السوداء للحصول على الجنسية الجزائرية وزيارة الجزائر ؟
الأقدام السوداء كانوا ضد الثورة، وغير مرحب بهم في الجزائر، فهم كانوا أعداء الجزائر و لا نرحب بهم في بلادنا ومطالبهم للحصول على الجنسية الجزائرية مرفوضة لأنهم أخطأوا وقتلوا الجزائريين، وقد جاؤوا إلى الجزائر بحماية الجيش الفرنسي و الأرض هي ملك للجزائريين لكننا نرحب بالفرنسيين الذين ساعدونا من أجل التحرير ونرحب بالفرنسيين الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء الجزائريين، ولم ينهبوا ولم يحتلوا الجزائر . أما الفرنسيون الذين أساؤوا للجزائر ولشرف ولكرامة الجزائر فهم غير مرحب بهم، فقد كانوا ضد الجزائر وقتلوا الجزائريين وكانوا محتلين ومغتصبين لأملاك الجزائريين وموقفنا معروف فنحن حاربناهم وطردناهم.
ماذا تقولون بشأن عملية كتابة التاريخ وجمع شهادات المجاهدين؟
المنظمة لها برنامج طويل المدى وواسع، وهو الطلب والتأكيد على المجاهدين والمناضلين الذين عايشوا ثورة التحرير، كل في ميدانه، بأن يكتبوا مذكراتهم ونحن مع الرأي الذي يقول أنه من الأفضل أن تكون هذه المذكرات جماعية لأن الثورة عاشها المجاهدون بصفة جماعية والجهاد كان على جميع المستويات، الكفاح بالسلاح وعن طريق الجبهة الإعلامية والدبلوماسية، و التكفل بشؤون المواطنين، فالثورة كانت تعيش كما لو كانت دولة، وعلى هذا الأساس انتصرنا على الاستعمار، ولهذا من الواجب من ناحية الدولة أن يُعطي الاهتمام لهذا الجانب التاريخي، وأن يدرس في جميع المستويات ويكون محل كتابة كمذكرات، ويجب أن تكون الأجيال الصاعدة على بينة بما وقع خلال مرحلة الكفاح حتى تحافظ على الجزائر، فالجزائر أمانة بين أيدي الأجيال، فمعركة التحرير تقابلها معركة البناء والتشييد، وليس من المبالغة أن نقول أن دور الأجيال الصاعدة لا يقل أهمية عن دور جيل نوفمبر في المحافظة على الجزائر. واعتقد أن الكتابة الحقيقية للتاريخ هي في الواقع من طرف المؤرخين والباحثين، وقد قررت أن أبدا في كتابة مذكراتي، حيث شرعت في الاتصال بالرفقاء وجمع الوثائق والمعلومات .
مراد ح
المجاهد صالح قوجيل الضابط السابق بالولاية الأولى
الذين يشككون في نجاح الثورة هم الذين لم يتمكنوا من تحقيق أغراضهم
قال صالح قوجيل الضابط السابق بالولاية التاريخية الأولي إبان الثورة التحريرية، والعضو القيادي في الأفلان إن الثورة حققت كامل أهدافها، وهي الاستقلال التام مع الحفاظ على وحدة وسلامة ترابها، طبقا لما نص عليه بيان أول نوفمبر.
واعتبر صالح قوجيل في تصريح للنصر، بمناسب الذكرى ال 61 لاندلاع ثورة أول نوفمبر، بأن من يشككون في نجاح الثورة هم من لم يتمكنوا من تحقيق أغراضهم، مذكرا بالوضعية المزرية التي كانت تعيشها البلاد في جميع المجالات إبان خروج المسعتمر، الذي ترك البلاد تتخبط في الجهل والفقر والتخلف الاقتصادي، فقد كان عدد أفراد الشعب آنذاك في حدود 8 ملايين نسمة أو أكثر بقليل، مليونان منهم كانوا موزعين في المناطق المحرومة، وحوالي 400 ألف جزائري لاجئ في تونس والمغرب، و400 ألف مسجون، وأول تحدي رُفع مباشرة بعد الاستقلال كان إنجاح الدخول المدرسي الذي كان في شهر سبتمبر 1962، فقد جندت القيادة آنذاك كل من كانوا يحملون الشهادات الابتدائية وكذا الإطارات التي كانت تعمل في قطاعات أخرى، لتعويض المدرسين الفرنسيين الذين غادروا البلاد، وبالفعل تم التمكن من فتح كافة المدارس، وضمان دخول عادي لجميع التلاميذ والطلبة.
وكان ثاني تحدٍ تم رفعه بعد الاستقلال، فتح التلفزيون الجزائري، رغم عدم وجود تقنيين متمكنين، بعد أن غادر جميع التقنيين الفرنسيين البلاد، وهو ما تحقق أيضا يوم 28 أكتوبر من سنة 62، وثالث تحدٍ نجحت قيادة البلاد في رفعه وفق ذات المصدر، جني محصول القمح الذي كان وفيرا خلال تلك السنة، وجمعه وتخزينه، وهو وما تم بالفعل، مذكرا بأن فرنسا خرجت من الجزائر وتركتها تتخبط في مديونية بقيمة 100 مليار فرنك فرنسي.
ومن الناحية السياسية، تم الشروع في إعادة هيكلة حزب جبهة التحرير الوطني، وتنصيب قيادة مؤقتة تتضمن 22 عضوا، اقتداء بمجموعة 22 التي فجرت الثورة، من بينهم عضوين من كل ولاية تاريخية، من ضمنهم صالح قوجيل، وتم بالفعل بناء الحزب على مستوى جميع الولايات، وذكر المصدر بأنه ساند التصحيح الثوري الذي قاده الرئيس الراحل هواري بومدين، رافضا وصفه بالانقلاب العسكري، باعتبار أن الغرض منه كان الالتزام بتسيير الحزب وفق ما جاء في توصيات مؤتمر طرابلس، من بينها التسيير الجماعي لشؤون البلاد وعدم الانفراد بالحكم، معتقدا بأن الرئيس بومدين حقق ذلك، لتدخل البلاد في معارك أخرى، وهي بناء الاقتصاد والتخلص من التبعية للخارج، وإخراج البلاد من دائرة العالم الثالث، ويرى قوجيل بأن مجمل تلك الاهداف تم تجسيدها رغم وجود بعض النقائص.
ومن معالم نجاح الثورة الانتقال السلس للحكم بعد وفاة بومدين، رغم أن الحادثة كانت مفاجأة بالنسبة للجميع، ومع ذلك فإن الأمور سارت في ظروف جد عادية لم يكن يتوقعها الكثيرون، حيث تم عقد المؤتمر الرابع للحزب، وتم انتخاب المرحوم الشاذلي بن جديد مرشح الأفلان لرئاسة الجمهورية، وكانت هذه الحقبة الهامة من تاريخ البلاد بعد الاستقلال محل اهتمام الباحثين والدارسين، الذين انشغلوا بالبحث عن أسباب عدم وقوع أي مشاكل أو خلافات، وكيف سارت الأمور بشكل عادٍ، وفسر العضو القيادي السابق بالمنطقة الأولى ذلك، بكون الجميع كان يفكر في الحفاظ على استقرار البلاد، عوض البحث عن المناصب والامتيازات.
ويؤكد قوجيل العضو في مجلس الأمة بأن الأفلان كان يحمل في طياته المبادئ الديمقراطية، بفضل روح التشاور والنقاش التي كانت بداخله، فقد كان يضم حساسيات مختلفة، إشتراكية وإسلامية وليبيرالية، وهنا تكمن قوته، معتقدا بأن ممارسة المسؤولية بداخله كانت لا تخضع
للرأي الواحد.
لطيفة بلحاج
بلدية بئر الشهداء بأم البواقي بين الأمس و اليوم
فرنسا أبادت 447 جزائريا بينهم عروس و زوجها و رمتهم في البئر
هي بئر ليست ككل الآبار..بئر رأت فيها فرنسا الاستعمارية وسيلة لطمس و إخفاء جرائمها البشعة المرتكبة في حق شعب أعزل رفض الذل و الهوان..بئر اختلطت مياهها بدماء 447 شهيدا من شهداء ثورة التحرير..هي بئر تحكي اليوم بين جنباتها 447 قصة و قصة من قصص ثورة نوفمبر الخالدة.
روبورتاج: أحمد ذيب
تشير شهادات تاريخية تناقلتها ثلة ممن عايشوا ونجوا من حادثة الإبادة الوحشية التي تعرض لها سكان مدينة بئر الشهداء التي كانت تحمل إبان الفترة الاستعمارية تسمية «لوفاسور»، بأن ضباطا وجنودا فرنسيين ومن أبرزهم الملازم الأول يهودي الأصل ديزو تفننوا في إذاقة سكان المدينة ألوان التعذيب إلى جانب التعدي على الحرمات ونهب الممتلكات، غير أنه
و في الفترة الممتدة بين أواخر سنة 1958 وبداية سنة 1959 كثف المستعمر من حملة اعتقالات، مست عددا كبيرا من المواطنين الأبرياء من رجال ونساء وحتى أطفال وشيوخ.
الشهادات التي تناقلتها المؤلفات التي تحكي عن الثورة، بينت بأنه وفي ظروف غامضة قامت فرنسا الاستعمارية بقتل عدد كبير من الموقوفين خاصة المتواجدين بمحتشد فور بدوار زاوية بن زروق لتحمل بعدها تحت جنح الظلام جثث الشهداء وترمي بها في البئر.
وروى المجاهد الراحل لكبير التونسي متحدثا عن رؤيته رفقة 5 عناصر من جيش التحرير أثناء تواجدهم بدوار أولاد عمار، من خلال منظار ليلي كان بحوزته، سيارة عسكرية فرنسية من نوع «جيب» ترددت إلى البئر أربع مرات متتالية، ولم يعلم هو ومن معه بأن الأمر يتعلق بنقل جثث الشهداء ورميهم داخل البئر التي يبلغ عمقها 43 مترا وتحوي مترين من الماء إلا بعد الاستقلال.
و اتضح بأن جنود الاحتلال يقومون برمي الجثث وبعدها يقومون بصب مادة سامة فوق الجثث نفسها بهدف إخفاء معالم الجريمة، المجاهد لكبير التونسي، أوضح بأن عدد الشهداء الذين اكتشفت رفاتهم وصل إلى 447 شهيدا.
من جهته يكشف المجاهد عبد الحفيظ علاوة، الذي التقت به النصر، بأنه رفقة عدد من المجاهدين علموا بتعرض عدد من سكان المدينة للإعدام بينهم عروس وزوجها تم إعدامهما يوم زفافهما، غير أنه بيّن بأن مكان دفن الجثث لم يتضح إلا بعد الاستقلال على مستوى البئر.
وتكشف الجدارية التي أنجزت في محيط البئر بأنه وبتاريخ 25 جويلية من سنة 1962، وبعد معلومات مدققة مقدمة من بعض من كان يتكتم على أمر البئر سابقا خشية من الفرنسيين، تم استخراج رفاة 447 شهيدا وسميت حينئذ البئر ببئر الشهداء ليعمم الاسم على المدينة خلفا للإسم الفرنسي «Le vassour»، وأشارت الجدارية إلى أن الجثامين المستخرجة ترجع لمجاهدين من المنطقة ومن مناطق مجاورة تم إعدامهم في مراكز التعذيب والاستنطاق.
مَعلم لبئر الشهداء يتحول اليوم إلى وكر للمنحرفين
ونحن نتحدث إلى المجاهد عبد الحفيظ علاوة كشف لنا ممثل عن السلطات المحلية، بأن معلم البئر اليوم تحول إلى وكر للمنحرفين، وبات من يريد تعاطي سموم المخدرات والمشروبات الكحولية يلجأ إلى المعلم، كما اتضح بأن الأخير غير محروس وأبوابه مفتوحة على مصراعيها من دون أن تغلق بالأقفال كل أيام الأسبوع.
المتحدث إلينا أشار كذلك بأن متعاطي الخمور والمشروبات الكحولية يتوجهون بكثافة ناحية المعلم في النهار، على خلاف الفترة الليلية أين يصعب على المعنيين التنقل إليه كونه يتواجد في منطقة حدودية مخيفة ومظلمة بين بئر الشهداء وعين ياقوت بباتنة.
وبحسب رئيس البلدية فراق رمضان فالبلدية لم تجد حلا جذريا للاحتفاظ بحراس للمعلم، فكل حارس لا يمضي على تعيينه فترة وجيزة يغادر مقر عمله بالمعلم ويتوقف عن العمل، بحجة وجوده في منطقة معزولة وسط غياب أبسط المتطلبات من ماء وكهرباء.
ويشتكي سكان المنطقة اليوم من ظاهرة الجفاف التي امتدت من حنفيات سكناتهم لتضرب آبارهم، الأمر الذي بات يهدد النشاط الفلاحي وظل الأخير يتراجع من يوم لآخر، وبات يقتصر على نشاط زراعة محاصيل الفلفل والطماطم وكميات من البقول الجافة.
أزمة الماء الشروب دفعت عشرات السكان إلى هجر أراضيهم، في ظل تمسك البعض منهم بطلب منحهم رخصا لحفر آبارهم بعد أن صنفت المدينة ولسنوات ضمن المنطقة الحمراء، التي لا تتوفر على مياه جوفية ما استدعى توقيف عملية منح رخص حفر الآبار.
غياب المياه الجوفية ترجمه بوضوح جفاف بئر يتواجد في مركز المدينة، ظل ومنذ سنة 1963 يروي ضمأ سكانها، في الوقت الذي تعاني فيه عديد المشاتي من غياب تام للمادة الحيوية على غرار مشتتي الشوف والهنشير.
المدينة التي كانت شاهدة على تضحيات خالدة إبان ثورة التحرير، يعاني أبناؤها اليوم كذلك من مشكل غياب هيكل صحي يليق بحجم مدينتهم التي تعتبر منطقة عبور للولاية المجاورة واصفين الصحة بالمريضة، أمر جعل المرضى من قاطني المدينة يمرضون في صمت، فالمدينة بحسب أبنائها تعتبر مرآة للولاية من أقصى الجهة الغربية كونها حدودية، وتحتوي على قاعة علاج وحيدة لا تقدم خدماتها ل24 ساعة كاملة إضافة احتوائها على وحدتين مهترئتين الأولى للكشف والمتابعة والثانية للعلاج بالحامور.
القاعة الوحيدة لا تتوفر على مصلحة استعجالات ولا على جناح للولادة، يحدث هذا في ظل توفر المدينة على سيارة إسعاف واحدة وهي التي يلحق بها العطب في كل مرة، الأمر الذي جعل سكانها يطالبون بالارتقاء بالخدمات الصحية وبرمجة مشروع لإنجاز وحدة للحماية المدنية التي اختيرت أرضيتها منذ سنة 2004 ولم تنجز لحد اليوم.
وبخصوص الوضع على مستوى المؤسسات التربوية فهو لا يقل مرضا عن الصحة، بالنظر لقلة عدد المطاعم المدرسية ونقص عدد الطباخين، ما اضطر هذه المؤسسات لتقديم وجبات باردة للتلاميذ.
ويتواجد من جهة أخرى، سكان المشاتي في وضع لا يحسدون عليه، لكون سكناتهم لا تحلم اليوم بربطها بالغاز بل حلمها الوحيد هو ربطها بشبكة التيار الكهربائي لأنها في ظلام دامس منذ فجر الاستقلال، على غرار مشاتي لازرو والشوف وتازوريت والطارف.
وبمركز المدينة فالسكنات الهشة انتشرت بشكل لافت في الوقت الذي يعاني قاطنو حيي 404 سكن و162 سكنا من غياب تام للتهيئة، وانتقد السكان الغلق الذي طال فرعا لوكالة الصندوق الولائي للضمان الاجتماعي للعمال الأجراء بالرغم من كونه مجهز بكل الأجهزة.
يكشف رئيس بلدية بئر الشهداء في لقائه بالنصر بأن الدولة رصدت في أقل من سنتين أزيد من 120 مليار سنتيم في جميع القطاعات، سعيا لتحقيق إقلاع اقتصادي تنموي حقيقي وحسبه فمنذ الاستقلال لم تستفد المدينة من مبلغ كهذا.
السيد فراق رمضان طمأن سكان المدينة بأن البلدية استفادت بأزيد من 126 إعانة للسكن الهش، عبر أحياء 17 جوان والملعب البلدي في انتظار إتمام الموافقة على أحياء 50 سكنا وفلسطين والشارع الرئيسي وحي 10 سكنات وحي الملعب البلدي القديم.
محدثنا كشف بأن المشاريع التي استفادت منها بلديته تتعلق بتعبيد الطرقات عبر أحياء النهضة وهو مشروع قطاعي بمبلغ 5 مليار سنتيم، فيما تنوعت مشاريع التنمية البلدية لتمس تهيئة حي الملعب البلدي بمبلغ 2.1 مليار سنتيم وحي 162 سكن ب1.8 مليار سنتيم، إلى جانب رصد 1.5 مليار لتهيئة مدخل المدينة من الجهة الشرقية نحو الشارع الرئيسي، وكذا تهيئة حي النصر ومخرج المدينة باتجاه مدينة شلغوم العيد، في انتظار انتهاء أشغال ربط المدينة بالطريق السيار شرق غرب على
مسافة 26 كلم.
الأشغال انطلقت كذلك عبر الطرقات الولائية أين رصد مبلغ 5 مليار سنتيم لتهيئة الطريق الولائي رقم 7 بين بئر الشهداء وباتنة على مسافة 4.5 كلم، مع تخصيص مبلغ مماثل لتهيئة الطريق بين مركز البلدية وحاسي برقوق بميلة، مع الانطلاق في إجراءات فتح مسلك ريفي بين بئر الشهداء ومشتة الهنشير.
أما المشاريع الأخرى فتضمنت إنجاز نقبين لتزويد سكان مشتتي الطارف وأغلاد بالمياه ونقب ثالث قطاعي أنجز بمشتة الطارف على عمق 250 مترا.
المدينة استفادت كذلك من مشروع لإنجاز مبيت للشباب بمبلغ 5 مليار سنتيم مع التهيئة الخارجية وآخر انتهى وشمل تجديد قنوات الصرف بحي النهضة بمبلغ 600 مليون سنتيم، مع اقتراح رصد 500 مليون سنتيم لمشروع تهيئة وتجهيز قاعة سينما وسط المدينة، وانطلاق مشاريع لتهيئة وترميم الملحق الإداري بمشتة الحامور ب500 مليون سنتيم ورصد 70 مليون سنتيم لتجهيز الملحق، وكذا الشروع في ربط قرية 17 جوان بالغاز الطبيعي، مع استفادة البلدية من شاحنتين لرفع القمامة بمبلغ 1 مليار سنتيم وشاحنة لجمع حاويات القمامة بمبلغ 489 مليون سنتيم، إضافة إلى انطلاق مشروع لحماية المدينة من الفيضانات بمبلغ 16 مليار سنتيم، ومشروع لتجديد قنوات الصرف الصحي بالشارع الرئيسي.
وختم رئيس البلدية حديثه بأن أبرز المشاكل التي تظل عالقة على مدار السنوات الأخيرة، قضية الأنقاب المائية وتراخيص حفر الآبار التي يطالب بها فلاحو المنطقة، وهو مطلب شرعي حسبه في ظل الجفاف الذي ضرب نشاطهم الفلاحي.
أحمد ذيب
المجاهد زرارة منصور أحد المسؤولين عن قوافل التسليح يكشف للنصر حقائق تنشر لأول مرة
مجاهدون اشتروا أسلحة تونسية استعملت في الحرب العالمية الثانية وهربوها للثورة
بومدين وعلي منجلي أشرفا على استقبال شحنات الأسلحة المهربة عبر تونس
يروي المجاهد زرارة منصور المكنى "حنافي" للنصر قصته مع الكفاح المسلح والمراحل التي عمل بها في صفوف جيش التحرير من بداياتها وحتى تنقله لمصر مرورا بليبيا وتونس، أين أنشأت قواعد عسكرية جزائرية لتجميع السلاح وتهريبه ليلا وبسرية في قوافل للمجاهدين حتى قال فيهم عبد الحفيظ بوصوف "أنتم الحنفية التي تروي الثورة بالسلاح".
حاوره/ أحمد ذيب
زرارة منصور الذي انتخب رئيسا لبلدية عين البيضاء بأم البواقي بعد الاستقلال خلال العهدة الممتدة بين 1985 و 1989، تعجب لما يتم تناقله عن موضوع تسليح الثورة من أطراف لم تشارك فيه بالنظر – كما قال- لكون الأمر جرى في سرية تامة ولا تعلم بتفاصيله إلا ثلة قليلة.
زرارة منصور من مواليد العاشر من شهر أفريل من سنة 1935 بعين البيضاء كانت بدايته الأولى مع الثورة شهر ماي من سنة 1955 عندما حلت بعثة من مجاهدي الأوراس ب"فيرمة" عائلته ببلدية الزرق.
البعثة المشكلة من 8 مجاهدين قدمت بمعية المجاهد إبراهيم دلفي من عين البيضاء في سرية متوجهة لأشخاص معينين تم الاستعلام حولهم والتأكد بأنهم مستعدون لتقديم دعم للثورة، أين سألت البعثة الأسماء التي حددتها حول ما إذا سمع أصحابها بالثورة أو لا، وكانت حينئذ قد مرت فترة 8 أشهر من انطلاق أول رصاصة.
ويكشف محدثنا بأن بعثة الأوراس أقنعته إلى جانب المجاهدين الشادلي من بريش وزيناي مرزوق من واد نيني بالعمل على جمع المؤونة والاشتراكات المالية من المواطنين لتمنح الأموال والمؤونة للمجاهد إبراهيم دلفي المسؤول عن المنطقة المحددة من متوسة بخنشلة وحتى مداوروش بسوق أهراس، على أن تمنح بعثة الأوراس عن طريق المجاهد نفسه المسؤول عن المنطقة رسائل تحذيرية للمجاهدين الثلاثة الذين تم تحديدهم قصد تبليغها لمواطنين يتعاملون مع فرنسا الاستعمارية والذين يوصفون ب"الخونة".
جزائريون عملوا كشرطة لصالح فرنسا قدموا دعما كبيرا للمجاهدين
ويكشف المجاهد زرارة حنافي في معرض حديثه، بأنه وفي شهر مارس من سنة 1956 وشي به لفرنسا، الأمر الذي دفع بمسؤولي ناحية الأوراس إلى دعوته إلى التوجه لولاية تبسة الحدودية بعد أن اكتشف أمره، ليفر لتبسة في وضح النهار خوفا من ردة فعل قوية للعدو.
المتحدث ذاته أضاف بأنه ولحظة وصوله لتبسة تعرف على شرطيين يعملون لصالح فرنسا وينحدرون من عين البيضاء بأم البواقي، ومنهم المسمى حمودي بوتيجاج ونزار وثالث لم يتذكر اسمه، وهم الثلاثة الذين تكفلوا بإيوائه لليلة واحدة، ويضيف المجاهد حنافي بأن بعض شرطة فرنسا من الجزائريين دعموا الثورة بالمعلومات وأحيانا بالسلاح وكذلك بالتستر على أسماء المجاهدين.
المجاهد حنافي وبحسب ما يرويه عن نفسه توجه للحدود التونسية وصولا لمنطقة رأس العيون الحدودية مرورا بجبل سيدي أحمد، ليكلف بعدها رفقة مجاهد من مداوروش بسوق أهراس بالتوجه لتونس واستقدام أسلحة من هناك.
تهريب أسلحة بعد شرائها من تونسيون شاركوا في الحرب العالمية الثانية
توجه المجاهد حنافي سنة 1956 بمعية رفيقه لتونس أين جرى التنسيق مع المجاهدين التونسيين الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية قصد تسهيل مهتهم بالتوجه صوب كل من شارك في هاته الأخيرة أو أحد أفراد عائلته لشراء السلاح الذي بحوزته، وهو ما تم بعدها، حيث يتفاوض المجاهدون التونسيون مع رفاقهم لبيع قطع الأسلحة فيما يقوم المجاهدان الجزائريان بدفع المبلغ المتفق عليه.
ويضيف المجاهد حنافي بأنه نجح رفقة زميله في شراء كميات كبيرة من الأسلحة من أنواع مختلفة سواء إيطالية الصنع على غرار ما يطلق عليه اسم "ستاتي" ويعني سلاح بست خراطيش، أو فرنسية الصنع على غرار "مات 49" و"قارا" و"الثموني" أي ذات ثماني خراطيش، لتنقل بعدها الأسلحة في قوافل للحدود التونسية ويتكفل مجاهدون هناك بنقلها لجيش التحرير.
تونسيون وليبيون ومصريون قدّموا دعما كبيرا للثورة
مع بداية سنة 1958 عيّن المجاهد حنافي في منصب رئيس فرع تموين الأسلحة انطلاقا من مصر وصولا إلى الحدود الجزائرية، وذلك تحت مسؤولية كل من المجاهدين بن طوبال وعمران ومحمد الشريف وبن عودة، وبحسب محدثنا فقد تكفل رفقة المجاهدين بلقاسم من عين كرشة وصالح السوفي من سدراته والنقيب قدور من معسكر بتهريب السلاح من مصر وليبيا عبر الحدود التونسية للجزائر، وذلك بعد أن عين كل واحد من الأسماء الثلاثة على رأس كل قافلة.
وكان ميناء الاسكندرية شاهدا على تمكن جزائريي المهجر من جمع كميات كبيرة من الأسلحة وإرسالها في بواخر ناحية مصر بعد أن غيرت وجهة التموين البحرية بالسلاح بعد حادثة حجز السفينة القادمة لميناء المغرب.
الأسلحة التي تستقدم لمصر ومن خلال ما يرويه محدثنا يتم إنزالها من البواخر من طرف الجيش المصري وهو الذي يحملها بعد ذلك في عربات القطار أو في شاحنات لينقل على مسافة 300 كلم باتجاه ثكنة مرسى مطروح التي حولت لقاعدة عسكرية جزائرية، ليحول بعدها السلاح وبسرية ناحية "فيرمة" ليبية اشتراها جيش التحرير في منطقة تبعد ب17 كلم على طرابلس، وبمساعدة ضباط ليبيين تنقل الأسلحة من منطقة السلوم حتى الحدود التونسية.
ويكشف المجاهد حنافي بأن ثكنات ليبية عسكرية حولت لمخازن واسعة لتجميع الأسلحة وتبقى هناك لفترة وجيزة في انتظار أن تحرر السلطات التونسية ترخيصا لاستقدام القوافل للمناطق الحدودية.
بومدين وعلي منجلي أشرفا على استقبال شحنات من السلاح
ويكشف المجاهد زرارة حنافي بأن المجاهدين بومدين وعلي منجلي، إضافة إلى المجاهد المعروف باسم أحمد "القايد" أشرفوا بأنفسهم على استقبال شحنات السلاح المستقدم عبر مصر وليبيا والمهرب عبر الحدود التونسية، ويذكر محدثنا أن بومدين اشترى من ماله الخاص 2 كلغ من اللحم المفروم وطالب بطبخه وتقديمه كوجبة لرؤساء القوافل المستقدمة للسلاح.
وفي المقابل يكشف المجاهد زرارة، بأن السلطات التونسية رفضت الترخيص بتمرير أسلحة روسية للثورة وأصرت على مراقبة الشحنات المهربة مع بداية سنة 1959 وحتى سنة 1960 تزامنا مع توقيع الحكومة الجزائرية المؤقتة لاتفاقية مع روسيا بتموينها بالأسلحة، ويشرف على مراقبة الأسلحة المهربة رئيس دائرة منطقة مدنين ونقيب في الدرك التونسي.
ومن الجانب الجزائري، فإن كل الوثائق المتعلقة بعملية التسليح كان يؤشر عليها المجاهد بوصوف في وزارة الثورة التي أسسها بتونس ويتواجد مقرها بمحاذاة شارع محمد الخامس بمنطقة "بلفودال"، وفي حال غيابه يتولى التأشير إما خليفة لعروسي من واد سوف أو عمار بن وعودة، أما التنظيم الإداري للوزارة في الدول الثلاث التي عرفت إنشاء قواعد لتسليح الثورة فيتولى شؤونها كل من مصطفى بوعكاز في مصر وعمر حداد في ليبيا.
قيادة الثورة أصرت على انضمام التوارق لها ودعمتهم بشحنات من الأسلحة
يذكر محدثنا الذي بدت عليه ملامح الإرهاق والتعب بأنه وقبل سنة 1957 أصرت قيادة الثورة على إشراك التوارق وسكان الصحراء في الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي، وفي هذا المجال يكشف المجاهد زرارة بأنه توجه رفقة عدد من المجاهدين للصحراء الجزائرية عن طريق ليبيا قاطعين مسافة تزيد عن 1500 كلم من أجل ذلك، وتوجهوا للصحراء محملين بشحنات من الأسلحة على متن 4 سيارات "جيب ألمانية" وشاحنتين.
غير أنهم اصطدموا بعد محاورتهم للتوارق برفض عدد قليل فكرة المشاركة في الثورة بحجة أن الدبابة والطائرة الفرنسية لا تقابلها إلا دبابة وطائرة، فيما أبدى عدد كبير من التوارق مشاركتهم وتلقوا تدريبا عن كيفية استعمال السلاح طيلة 11 شهرا كاملة.
العراق دعم الثورة بسلاح أمريكي والسعودية والكويت دعماها ماديا
رئيس فرع التموين بالسلاح فضل في ختام حديثنا معه التأكيد على شهادة نقلها له المجاهد أحمد يزيد وهو أن العراق بقيادته في تلك الفترة دعم الثورة بنحو ملياري سنتيم وبسلاح أمريكي من نوع "بازوكا"، أين أرسل طائرة لمطار بنغازي بليبيا محملة بالسلاح والأموال، فيما أرسل شحنات من الأغطية والتمر عبر البواخر، أما السعودية فدعمت الثورة بسيارات إسعاف و10 مركبات "جيب" ومبالغ مالية إضافة إلى أموال رصدتها كذلك دولة الكويت.
كرونولوجيا
1955 /1956: انطلق المجاهد زرارة منصور بالعمل المسلح في صفوف جيش التحرير الوطني.
1956: كلف بشراء الأسلحة من المواطنين التونسيين.
1956 /1957: رقي إلى منصب نائب مقتصد تحت مسؤولية عبد الله بلهوشات والحاج حمدي علي وصالح شوافي في الولاية الأولى بتاجروين التونسية.
1957 /1958: تقلّد رتبة ملازم في الولاية السادسة تحت إمرة سعيدي الجموعي ورزقي الحاج وعلي شوافي.
1958 /1959: عين في منصب رئيس فرع تموين الأسلحة انطلاقا من مصر إلى الحدود الجزائرية تحت مسؤولية بن طوبال، وعمران، ومحمد الشريف، وبن عودة.
معارك شارك فيها
معركة بجبل الهقار سنة 1957.
معرجة بجبل الإيدوغ بالولاية الثانية على الحدود التونسية بمنطقة غارديماو.
معركة بمنطقة سيدي أحمد بالولاية الأولى على الحدود التونسية.
معركة تيناكوم بالولاية السادسة.
المجاهد معمر مدان أحد المحكوم عليهم بالإعدام يروي بعض جرائم المستعمر للنصر
السفاح "لقايار" كان يعذب المجاهدين ويرمي جثثهم في بئر بمركز وادي العلايق
يروي المجاهد معمر مدان، أحد المحكوم عليهم بالإعدام بولاية البليدة قصص التعذيب التي مارستها فرنسا، ومختلف الأساليب الوحشية التي كان يستخدمها الجيش الاستعماري من أجل نزع اعترافات من طرف المجاهدين المقبوض عليهم أو ذويهم، ومن أهم قصص التعذيب التي لا تزال حية في ذاكرته هي مقابلته مع والدة أحد المجاهدين بالبليدة و هي عارية وتعذيبها أمام عينيه من أجل أن تنتزع منه اعترافات، بالإضافة إلى قتل المجاهدين المقبوض عليهم ورميهم داخل بئر بوادي العلايق من طرف السفاح «لقايار»، إلى جانب عدة مشاهد أخرى من قصص التعذيب التي كان يستخدمها الجيش الفرنسي التي يرويها هذا المجاهد في حديثه للنصر.
ويقول عمي معمر بأن التحاقه بالثورة كان في 19 ماي 1956 استجابة لنداء جبهة التحرير الوطني للطلبة الجزائريين المتضمن دعوة للالتحاق بالجبال، ويضيف بأنه كان من ضمن 16 طالبا جزائريا يتمدرسون في المدارس الفرنسية مع الفرنسيين بمدينة البليدة في المرحلة الابتدائية وبعد المرور إلى المرحلة الاكمالية بقي 06 طلبة فقط وكان عمي معمر من بين هؤلاء الستة، ويقول بأنه كانت لديهم رغبة ملحة في العلم اعتقادا منهم بأنه لا مخرج لهم في هذه الحياة والانتصار على الفرنسيين إلا بالعلم خاصة وأن سياسة فرنسا التي كانت تنتهجها ضد الجزائر مبنية على التجويع والتبعية، وأشار في هذا الإطار إلى أن الإدارة الفرنسية كانت لا تسمح للجزائريين بالعمل باستمرار في ورشاتها ومصانعها وحقولها، بحيث على سبيل المثال من يعمل اليوم يحرم من العمل غدا بحجة السماح لآخرين من أجل العمل، لكن ذلك كان ضمن سياسة التجويع التي انتهجتها، وهذا الأسلوب يضيف بأنه أثر في نفوسهم وزاد من عزيمتهم على التعلم وصنع النصر للجزائر.
ويضيف المجاهد مدان بأنه بعد سماعهم لنداء جبهة التحرير الوطني الموجه للطلبة الجزائريين تنقل مجموعة من الطلبة من جامعة الجزائر إلى البليدة من أجل ترتيب الأمر ووجدوا فيهم الجاهزية الكاملة لذلك، كما استشاروا في ذلك معلمهم في اللغة العربية المدعو الساسي حول موضوع الالتحاق بالثورة وترك مقاعد الدراسة، فكان رده قائلا بأن الرجل لا يستشير في أمر الخير، وفهموا من كلامه ضمنيا بأنه يدعمهم دون أن يعلن ذلك مباشرة خوفا على حياته، خاصة وأن الإدارة الفرنسية كانت لها عيونها في كل مكان لنقل الأخبار لها. ويضيف المجاهد معمر مدان بأنه بعد إعلان جبهة التحرير الوطني للطلبة الجزائريين كانوا 08 طلبة بمدينة البليدة يبحثون عن وسيلة للصعود إلى الجبل، في حين لم يجدوا بمنطقة البليدة من يحتضنهم من المجاهدين بعد أن رأوا فيهم أنهم لا يزالون أطفالا صغارا في السن، بحيث أعمارهم كانت لا تتجاوز 16 سنة، وهنا قرر هؤلاء الطلبة الذهاب إلى منطقة القبائل ورتب لهم أحد الأشخاص موعدا هناك في أحد المقاهي لمقابلة المجاهدين والالتحاق بهم، وهو ما حدث بحيث مكثوا معهم 15 يوما في تلك المقهى لكن بعد طول الفترة انتابهم القلق من وضعهم وطلبوا من المجاهدين تنفيذ عمليات ضد الفرنسيين أو الصعود معهم للجبل، وفي تلك الأثناء يضيف المجاهد مدان قائلا بأنه طلب منهم العودة إلى البليدة وأرسلوا معهم رسالة إلى المجاهدين بهذه المنطقة من أجل الموافقة على الالتحاق بهم، وعند عودتهم التقوا بالمدعو عابد وهو مسؤول الفدائيين، وهذا الأخير رتب لهم لقاء مع المجاهدين في مسجد سيدي الكبير وذلك في شهر جويلة1956 وطلبوا منهم تنفيذ عمليات من أجل الالتحاق بهم فوافق هؤلاء الشبان على ذلك، وهنا تبادرت في أذهانهم أحد حقول البرتقال بحي الدويرات الذي تحول إلى ملعب كرة قدم للفرنسيين، ودخلوا للعب معهم من أجل سرقة ملابسهم وفي تلك الأثناء قاموا بترصدهم ويضيف مدان بأنه عندما اقترب من ملابس أحد العساكر الفرنسيين ليأخذها وجد مسدس 09 ملم، أخذه دون أن يتفطن له صاحبه وعاد بعدها إلى المدعو خالد عابد وطلب منه أن يوافق على التحاقه بالجبل بعد نجاحه في الاستحواذ على هذا المسدس، وهنا وافق على طلبه ونصحه بعدم المبيت في منزله واقترح عليه عدة منازل أخرى للمبيت فيها حتى لا يتفطن له الجيش الاستعماري.
أساليب تعذيب بشعة ضد المجاهدين المقبوض عليهم
يروي لنا المجاهد معمر مدان أحد المحكوم عليهم بالإعدام قصة القبض عليه رفقة اثنين آخرين من المجاهدين في اشتباك مسلح بطريق الشريعة، وكيف تعرض لأبشع أنواع التعذيب بمركز وادي العلايق على يد السفاح لقايار، ويقول بأنه عندما قبل القبض عليه أخفى المسدس الذي كان بحوزته في شجرة لأنه لم يكن بحوزته سوى رصاصتين فقط، و يضيف بأنه تم توقيفه على يد السفاح لقايار الذي مارس أبشع أنواع التعذيب ضد الجزائريين بوادي العلايق، وبعدها حول إلى مصنع الصابون وعذب عذابا شديدا بعد أن تأكد الجيش الفرنسي بأنه هو من أخذ مسدس المعمر الفرنسي من المكان الذي كان يلعب فيه الفرنسيون كرة القدم بالدويرات، وحول بعدها إلى وادي العلايق وهنا قابل أحد المجاهدين الذين تم القبض عليهم وهو المدعو موسى بن عميروش بحيث استسلم تحت التعذيب واعترف بكل شيئ وأصبح عميلا للإدارة الفرنسية وينقل الجيش الاستعماري إلى مراكز المجاهدين، ويقول المجاهد مدان بأنه مكث في هذا المكان 11 يوما وفي كل يوم كان يخضع لعذاب شديد محاولين نزع اعترافات منه لكن كل يوم يقول مدان بأنه كان يدل الجنود الفرنسيين على أماكن خاطئة، وأشار في هذا الإطار إلى أن المجرم لقايار الذي كان يشرف على مركز وادي العلايق عذب الجزائريين بأبشع أنواع التعذيب وبعد قتلهم تحت التعذيب كان يقوم برمي جثثهم داخل البئر.
كما يروي لنا عمي معمر قصة فراره من مركز التعذيب بوادي العلايق وكيف ساعده العميل للجيش الفرنسي بن عميروش، ويقول بأن عملية الفرار تمت بينما خرج العسكر في عملية ولم يبق سوى جندي واحد للحراسة و بن عميروش، وفي ذلك اليوم نصحه هذا الأخير بالاعتراف بكل شيء للنجاة بحياته، قبل أن يخبره بأنه في مساء تلك الليلة سيعدم ،وفي دردشة مع العميل قال المجاهد مدان لبن عميروش بأنه يفضل الموت بالرصاص على أن يرمى داخل البئر كما هو حال الكثيرين ممن عذبوا ثم رميت جثثهم داخل البئر، وفي البداية رفض وبعد أخذ ورد معه اقتنع بالفكرة وعرض عليه المجاهد مدان أن يتقدم في مشهد يحاول فيه الفرار فوق جدار الثكنة ثم يطلق علي وابلا من الرصاص ليسقط قتيلا، وعندما يستفسر الفرنسيون عن ذلك يكون رده بأن السجين فتح له الباب لقضاء حاجته لكنه حاول الفرار وأطلقت عليه النار، وما حدث هو أنه عندما قفز مدان فوق الجدار أطلق بن عميروش وابلا من الرصاص في الهواء ولم يوجهه نحوه، وتمكن بذلك من النجاة والفرار، ويضيف المجاهد بأن هذه الشهادة قالها في حق بن عميروش بعد الاستقلال، وتوجه بعدها مدان نحو حي الدوريات بمدينة البليدة ومن هذا المكان عاد إلى الجبل ونقله المجاهدون إلى المدية للعلاج.
العمل الفدائي في المدن أرعب الفرنسيين ووصلنا إلى تنفيذ 11 عملية في اليوم الواحد
يقول عمي معمر بأنه في أواخر سنة 1957كثف المجاهدون بضواحي المتيجة العمليات ضد الفرنسيين ووصلت في اليوم الواحد إلى 11 عملية، وأوضح في هذا الإطار، بأن العمل الفدائي في المدن أرعب الفرنسيين وشكل خطورة كبيرة عليهم، بحيث لجأ الجيش الاستعماري إلى تخفيف الخناق على الجبال والتركيز بشكل أكبر على حماية المدن نظرا للعمليات الفدائية العديدة التي نفذت والخسائر الكبيرة التي تكبدها المستعمر.
كما روى لنا عمي معمر عملية القبض الثانية عليه، وقال بأن ذلك تم في حصار وقع بحي الدويرات، بحيث بعد دخوله مع مجاهدين اثنين آخرين إلى الحي، وصلت معلومات للجيش الفرنسي بوجودهم، وهنا أحكم حصاره على الحي وأغلق كل منافذه حتى لا يتمكنوا من الفرار، واتفق عمي معمر مع زميليه الآخرين على التفرق وكل واحد يأخذ اتجاها، وهو ما حدث بالفعل لكن لم يفلحوا في الخروج واشتبكوا مع العساكر إلى أن أطلق آخر رصاصة من مسدسه وتم توقيفه، وحول بعدها إلى حوش «شنو»، وروى لنا بهذا المكان أبشع أنواع التعذيب التي تعرض لها من طرف الجيش الفرنسي، وأشار إلى أنه مكث في هذا المكان 90 يوما في غرفة مظلمة لا يفرق فيها بين الليل من النهار ، ومن بين أساليب التعذيب التي استعملت ضده تقييده من القدمين ورفعه إلى سقف الغرفة على أن يكون الرأس نحو الأسفل والقدمين إلى الأعلى، وفي أسفل القاعة يوجد حوض مائي، أين يوضع رأسه داخل الماء، كما عذب المجاهد مدان بالكهرباء التي كانت توضع في الأذنين والأعضاء التناسلية، و يؤكد نفس المتحدث بأن هذه المشاهد من أساليب التعذيب كانت تمارسها فرنسا على كل المجاهدين المقبوض عليه من أجل انتزاع اعترافات منهم.
والدة أحد المجاهدين عذبت عارية أمامي لينتزعوا اعترافات مني
كما يؤكد لنا مدان بأن بهذا المكان لا يزال مشهد راسخ في ذهنه ولن يفارقه مدى حياته، ويشير إلى أن إدارة الجيش الفرنسي بعد أن عجزت على انتزاع اعترافات منه بالتعذيب لجأت إلى أسلوب آخر، بحيث أحضروا والدة مسوؤل الفدائيين المسمى عابد و عذبها الفرنسيون عذابا شديدا بالكهرباء وهي عارية أمام عينيه حتى ينتزعوا منه اعترافات حقيقية بعد أن تأكدوا بأن كل الاعترافات والأماكن التي أخذهم إليها غير صحيحة، ويضيف عمي معمر بأنه حاول أن يضع يديه على عينيه لكي لا يرى أم رفيقه عارية وهي تعذب أمامه ، لكن تم ضربه وتقييد يديه إلى الخلف، ويضيف بأنه في هذه الأثناء لم يتحمل أكثر واعترف ببعض الحقائق، ليحول بعدها إلى سجن البليدة أين مكث لمدة عام ثم حول إلى سجن سركاجي وأحيل على المحكمة العسكرية أين صدر في حقه حكم الإعدام، وقال بأنهم كانوا يعيشون ظروفا جد قاسية بالسجن في غرفة من 20 مترا يتواجد فيها 100 سجين و لا يستطيعون حتى النوم، إلى جانب الأفرشة القديمة التي تعود للحرب العالمية الثانية، أما الطعام فقد كان يقدم لهم خليط بين العدس والحجر لا يستطيعون هضمه، مضيفا بأن سلاحهم في السجن كان يتمثل في الإضراب عن الطعام لانتزاع بعض الحقوق، وبعد صدور حكم الإعدام في حقه حول عمي معمر إلى زنزانة المحكوم عليهم بالإعدام وكل يوم يتقدم الفرنسيون من الزنزانات مع طلوع الفجر لتنفيذ حكم الإعدام في أحد المحكوم عليهم ومع طلوع فجر كل يوم كان كل سجين يظن بأن دوره قد حان، و يروي لنا في هذا السياق المجاهد مدان قصة أحد الشهداء من منطقة القبائل الذي أحس بليلة تنفيذ الحكم بالإعدام بحقه، وطلب منه في تلك الليلة أن يقرأ له القرآن كونه كان بمحاذاته في الزنزانة المقابلة له، ويضيف عمي معمر بأنه وبالرغم من محاولته رفع معنوياته والتأكيد له بأن دوره لا يزال بعيدا، لكنه كان يؤكد له على أن دوره قد حان وهو ما حدث بالفعل، بحيث في تلك الليلة نفذ الإعدام بحقه، وكان آخر كلامه هو أنه طلب من عمي معمر في حالة بقائهم على قيد الحياة أن يحافظوا على الوطن ويضمنوا العيش الكريم للأجيال القادمة خاصة وأنه حين تم القبض عليه ترك زوجته حاملا ولم يكتب له القدر أن يرى إبنه.
نورالدين-ع
المجاهد الحاج يوسف بلقاسمي من الولاية التاريخية الثالثة
والدتي تعرضت لكل أنواع التعذيب و قطع لسانها و اقتلع شعر رأسها بوحشية
يُعتبر المجاهد الحاج يوسف بلقاسمي واحدا من بين المجاهدين الذين تشبعوا بالروح الوطنية منذ نعومة أظافره، شارك في العديد من المعارك والاشتباكات مع العدو و عانق الموت عدة مرات إلا انه نجا بأعجوبة. رغم صغر سنه. تعلّم ما تيسر من القرآن الكريم في زاوية العلامة أحمد بن إدريس الواقعة بمرتفعات بلدية إيلولة اومالو وحُرم من مواصلة التعليم ككل الجزائريين ليلتحق بالثورة.
قال الحاج يوسف في حديثه للنصر، أن فرنسا الإستعمارية ارتكبت جرائم كثيرة في الولاية التاريخية الثالثة ولم تستثن سكان قريته آيت سيدي عثمان ببلدية آث واسيف جنوب تيزي وزو، حتى عائلته ذاقت مرارة التعذيب حيث قام جنود فرنسا بتوقيف والدته في العديد من المرات ومارسوا عليها كل أنواع التعذيب دون رحمة أو شفقة و قطع لسانها و اقتلع شعر رأسها بوحشية لا مثيل لها، حتى أصبحت تعاني من اضطرابات في الذاكرة واستشهدت بعد الوشاية بها، حتى أخته الكبرى توفيت بسبب تمادي المستعمر في تعذيبها.
التحاقه بالثورة كان سنة 1956 وعمره لم يكن يتجاوز 20 سنة، وكان قبلها مناضلا ، وقال محدثنا أنه قبل اندلاع الثورة كان في منطقة خميستي بولاية تيسمسيلت أين يتواجد قريب له كان يبعثه كل أسبوع إلى شلالة ليشتري له جريدة "الجزائر الحرة" وكان عمره آنذاك تسع سنوات إلا أنه كان يتمتع بالشجاعة والذكاء، كان يحمل قفة الجرائد و يُغطيها بالخضر حتى لا يتفطن العدو لأمره، ويضيف " أدركت المعنى الحقيقي للوطن والتنظيمات السياسية مثل حركة إنتصار الحريات الديمقراطية ومعنى حزب الشعب الجزائري عن طريق قريبي، الذي تم توقيفه فيما بعد وحكم عليه ب 20 سنة أعمال شاقة وهو في سن ال 14 إلا أنه بعد الطعن في الحكم ، حكم عليه بعامين حبسا، وبعد خروجه من السجن عاد إلى مسقط رأسه واستمر في نشاطه الثوري قبل أن يستشهد في منطقة زبربر بالولاية التاريخية الرابعة.
تنقل الحاج يوسف إلى منطقة مايو للعمل، ولم يمكث هناك طويلا حتى عاد إلى قريته التي وجدها انقلبت رأسا على عقب ، شرد المستعمر العائلات وأحرق منازل السكان . ويتذكر الحاج يوسف تاريخ 21 فيفري 1955 عندما تم الوشاية بأخيه شيخ محفوظ الذي يعتبر من الشهداء الأوائل بالمنطقة، وهاجم المستعمر قريته واستولى على الأسلحة و طوق المنطقة وقام بتفتيش بيته وبعثرة ما فيه وعبثوا بأغراض عائلته ونهبوا ما وقعت عليه عيونهم وأيديهم، وكان العقيد عميروش قد وصل إلى القرية على الثانية صباحا ولم تعلم فرنسا بذلك وكان مختبئا داخل البيت وعندما حاولت فرنسا فتح البيت قال له والد الحاج يوسف أن أهله غير موجودين ولم يدركوا بأن عميروش ورفاقه كانوا بداخله.
في سنة 1956 انتقل الحاج يوسف إلى ولاية غليزان المنطقة التاريخية الخامسة و كان على اتصال مع احد المجاهدين الذي ساعده على الالتحاق بالثوار و الصعود إلى الجبل ، شارك في العديد من المعارك وعمره لم يكن يتجاوز 20 سنة، أول كمين نصبه رفقة المجاهدين كان في منطقة " عمي موسى" تشابكوا مع جنود فرنسا الذين هزموهم وغنموا أسلحتهم. ويروي الحاج يوسف أنه عندما حاصرهم المستعمر في صيف سنة 1957 بجبال منور بالطائرات في حدود الرابعة صباحا لم يتمكنوا من الإفلات منهم بسبب العدد الهائل للجنود، و دخلوا معهم في اشتباكات عنيفة إمتدت من الثامنة إلى ساعات متأخرة من الليل سقط خلالها أكثر من 100 شهيد ونجا أقل من 70 مجاهدا.
في ماي 1958 قرر الحاج يوسف العودة إلى قريته لزيارة عائلته وقال "وصلت في شهر جويلية إلا أنني لم أتمكن من رؤية العائلة لأن العدو كان منتشرا في كل مكان"، ويتذكر محدثنا عندما وصل إلى منطقة ثلا قيلاف كاد أن يفقد حياته بسبب سيجارة، وقال "لم أكن أعلم بأن التدخين كان ممنوعا في الولاية التاريخية الثالثة، وعندما شاهدني أحدهم أدخن، قال صائحا "اعتقلوا هذا الخبيث" وأضاف "إنتابني الخوف ولكنني نجوت من الموت بعد تدخل المدعو "علي موح نعلي" مسؤول المنطقة بعد أن تحقق من هويتي، وتأكد بأنني مجاهد وقال له رئيس الكتيبة بالولاية الرابعة الذي جئت معه من مركز القيادة للولاية الخامسة بأنني مجاهد وشاركت معهم في كل المعارك بالولاية، وبعدها أرسلني إلى منطقة أكفادو وواصل طريقه إلى غاية المركز وهناك التقى مع العقيد عميروش آيت حمودة. أكبر معركة شارك فيها الحاج يوسف كانت في منطقة "تملاحت" دامت أربعة أيام و كانت بقيادة المجاهدين "اعميرة" و"سي محمد زرنوح" وقال بخصوصها " أربعة أيام ونحن في اشتباك مع جنود فرنسا وكانت المشادات عنيفة ، كانت فرنسا تمطرنا بالمدافع و تحاصرنا من جميع الجهات، وكانت الطائرات تقصفنا بعنف ولم نفقد الكثير من المجاهدين، وقد استطعنا أن نلحق بالعدو خسائر ونوقف زحفه، وتمكنا من اختراق صفوفه والانفلات من بين مخالبه ".
واصل محدثنا العمل المسلح بالولاية التاريخية الثالثة . وفي طريقه مع المجاهدين مع الفيلق إلى الولاية الأولى جاءهم العقيد عميروش آيت حمودة ليلقي عليهم خطابا وكان ذلك على حافة غابة تملاحت المقابلة لمدينة المسيلة حاليا بالمكان المسمى "النمري" . و واصل الحاج حديثه عن العقيد عميروش قائلا "بعدها سلّم علينا و ضرب لنا موعدا في منطقة النمامشة بالولاية التاريخية الأولى، إلا أن العقيد عميروش استشهد بعد ستة أيام من افتراقه معنا".
و شارك المجاهد الحاج يوسف في مختلف العمليات الحربية ولم يتمكن العدو من القبض عليه إلى أن استقلت الجزائر، حيث انخرط مباشرة في صفوف الدرك الوطني إلى غاية إحالته على التقاعد سنة 1981.
سامية إخليف
شهادات عن أساليب التعذيب بأولاد أحبابة
المعتقلون كانوا يتبولون فوق بعضهم وعساكر فرنسا كانوا يجبرونهم على حفر قبورهم بأيديهم
يرجع بنا المجاهد حفايظية بوجمعة المدعو "الشينوي" من أولاد أحبابة بولاية سكيكدة إلى حقبة من تاريخ الثورة التحريرية ليروي مختلف أشكال التعذيب الذي مارسه المستعمر الفرنسي بمركز التعذيب المتواجد حاليا بمنطقة بوصنيب والذي شيّد في 1954. وأكد محدثنا بأن الجيش الاستعماري كان يقوم بتحويل العشرات من المجاهدين وأبناء الشعب من مختلف نواحي المنطقة داخل المركز في ظروف اقامة سيئة وسط الأوساخ، حيث كان يتم وضعهم في بيوت ضيقة لا تتوفر على أدنى شروط الحياة لدرجة أن المعتقلين كان يتعذر عليهم قضاء حاجاتهم البيولوجية وكانوا يتبولون فوق بعضهم البعض، لتأتي عملية التعذيب عن طريق ربطهم وتقييدهم بالأسلاك الحادة على مستوى اليدين والأرجل في شكل حلقة، ثم يقومون بتدويرهم ووضعهم في براميل من الماء الممزوج بالصابون ثم يتم كيهم بالكهرباء من أجل الحصول على اعترافات حول تحركات المجاهدين ومراكز تواجدهم، ومن يرفض يتم قتله ورميه بشعبة "عين تيطري" لدرجة أن مياهها كانت ممزوجة بلون أحمر حتى اعتقد الناس آنذاك بأنها دماء الشهداء وكان من يعترف تحت التعذيب يقومون بإطلاق سراحه. وفي حالات كثيرة كان العساكر يجبرون المعتقلين على حفر قبورهم بأيديهم والناجي الوحيد كان المسمى عقبة الشمس، الذي تمكن من الفرار بمساعدة سينيغالي.
وعاد بنا المجاهد حفايظية ليروى أن ثلاثة مواطنين ألقي عليهم القبض وهم الحاج العقون، عمار الوالي، يعد مبروك، بعدما تم ضبطهم رفقة مجاهدين، حيث تعرضوا إلى عمليات تعذيب فظيعة مما اضطر امرأة تسمى مسعودة على علاقة وطيدة مع قائد للجيش الفرنسي يسمى "دوماك" إلى التدخل ليطلق سراحهم.
وغير بعيد عن مركز التعذيب هذا، قامت فرنسا بقتل الطيب حفايظية بوابل من 150 رصاصة، وكان ذلك في 1958، وتنقلنا بعدها إلى الحدود المتاخمة مع ولاية قالمة، حيث دلنا عمي بوجمعة على مكان كانت فرنسا تمارس فيه التقتيل الجماعي بمكان يسمى التويرة حيث أعدمت 48 مواطنا وأبادتهم بطريقة جماعية دون أية شفقة وكان ذلك سنة 1957.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.