تنقل النصر في هذا العدد شهادات مرعبة لناجيين من رحلة الموت كتبت لهما الحياة ثانية، نقف فيها على مطاردات، خوف و إبحار نحو المجهول.. فصول من رحلات بدأت بحلم لتنتهي بكابوس عايشه العشرات من الشباب الذين سايروا موجة الحرقة في قوارب مطاطية يتحكم فيها بارونات المتاجرة بالأحلام، زوّروا و انتحلوا جنسيات أخرى، تكلموا بغير لغتهم، باتوا في العراء، منهم من باع ما يملك ومنهم من اقترض، كل ذلك في سبيل حياة قيل لهم أنها ستكون أفضل هناك.. حيث يعتقدون أنهم سيكونون في أفضل حال. الهجرة تحت صفة لاجئ أو فار من الحرب حركت قوافل من المهاجرين غير الشرعيين الذين التحق بهم أصدقاؤهم وأقاربهم ليتحول من كان حراقا بالأمس إلى منظم لرحلات تبدأ بتذكرة سفر إلى تركيا قبل أن يتم الالتقاء بمدينة أزمير أين تنطلق مغامرة مفتوحة على كل الاحتمالات. إلياس وشاب آخر رفض الكشف عن اسمه خوفا من المتابعة القضائية، شابان من قسنطينة خاضا محاولتي حرقة، وعاشا تجربتين قاسيتين، أحدهما كان شاهدا على غرق قارب لمهاجرين من مختلف الجنسيات والآخر عبر البحر بصعوبة ونجا، لكنه وجد ما هو أصعب في انتظاره باليونان ومقدونيا وعند الحدود الصربية، حاول وكرّر المحاولة قاوم الجليد، راوغ مافيا الهجرة الألبانية لكنه ضبط في مقدونيا وفي النهاية استنجد بالسفارة الجزائرية ليعود بخيبة كبيرة وخسارة أكبر. أما الشاب الثاني فلا يزال يقاوم صور الموت والجثث الممزقة ولا يصدق أنه قد نجا من حادثة غرق قارب تمسك بجزء منه ليعود إلى حياة سابقة هرب منها ببيع سيارته وترك حرفة يتقنها، اقتنعا بعد تلك التجربة القاسية أن الهجرة ليست هي الحل وأن من يدفع لهم الجزائريون لا تهمهم أرواحهم و لا ظروف سفرهم، إنما يعتبرونهم مجرد أرقام في سجل تجارة يمارسونها و لو بالدم. قضى 20 يوما في مطاردات بدول أوروبية، إلياس صرفت 30 مليون سنتيم و فشلت في الدخول إلى ألمانيا يروي لنا إلياس كيف قضى 20 يوما في أوروبا في محاولة فاشلة للدخول إلى ألمانيا بدأت بحرا إنطلاقا من تركيا مرورا باليونان فمقدونيا، غرق، مطاردات خوف وصراع مع الطبيعة وحراس الحدود.. فصول عاشها الكثير من الشباب الجزائري منهم من ابتلعه البحر ومنهم من عاد خائبا وفي جعبته الكثير من الحقائق التي لا يعرف عنها من يحلمون بالهجرة سوى نهايات سعيدة من نسج شبكات تتاجر بأحلام الشباب. يقول «إلياس» و هو شاب في الثلاثين من عمره، عاطل عن العمل، يقطن بحي المنية بقسنطينة، أنه كان ينوي «الحرقة» منذ سنوات ، بسبب ظروفه الاجتماعية ، وراودته الفكرة ثم تكرست بعد أن نجح عدد من أصدقائه و جيرانه و حتى شقيقه في الوصول إلى ألمانيا في ظرف أربعة أيام. اتفق مع ستة من أصدقائه على الهجرة، تقربوا من أحد وكالات السفر بوسط مدينة قسنطينة، و تحصلوا على التأشيرة التركية في ظرف أسبوع واحد، مقابل 8500 دج للشخص، بعدها قاموا بشراء تذاكر السفر ، وصل إلياس إلى مدينة اسطنبول في 22 من ديسمبر الماضي، و مباشرة توجه عبر سيارات الأجرة إلى أحد المناطق المعروفة بتواجد الجالية الجزائرية، و في دقائق قليلة تمكن ومن معه من الاتفاق مع أحد الجزائريين ينحدر من قسنطينة، يشتغل مع شبكات «الحرقة»، اتفقوا معه على دفع 700 أورو للشخص الواحد، و دون انتظار توجهوا عبر الحافلة إلى مدينة «إزمير» الساحلية، أين انتظروا «الحراق» الذي اتفقوا معه في اسطنبول و ضرب لهم موعدا . و مباشرة بعد وصوله قام بنقلهم عبر سيارات الأجرة إلى أحد الشواطئ مع مجموعة من الجزائريين كانوا في انتظاره بالمحطة، و على الشاطئ يقول دهشنا لعدد الأشخاص الذين سيغادرون على متن القوارب، فعددهم لا يقل حسبه عن 150 شخصا، الكثير منهم جزائريون، أما الأشخاص الذين قاموا بمهمة التنظيم على متن القوارب فكان من بينهم جزائريون و أشخاص يتكلمون لهجة مشرقية بعضهم كانوا مسلحين. وثيقة مزوّرة لحمل صفة لاجئ سوري ب150 أورو إلياس قال بأنه ركب مع أصدقائه على متن قارب مطاطي يشبه ذلك الذي يستعمله رجال الحماية المدنية في بلادنا، مزود بمحرك صغير، رص على متنه 50 شخصا منهم 42 جزائريا من مختلف الولايات، كانوا ملتصقين ببعضهم البعض، و هو ما أدى إلى عدم تحمل القارب للوزن، فأمرهم الحراقة بالتخلص من أمتعتهم التي تحتوي أيضا على جوازات السفر. كانت الساعة تشير إلى الثالثة صباحا عندما انطلقوا نحو الوجهة اليونانية، وفق ما سرده لنا الشاب الذي أكد أن دليلهم في الرحلة كان نقطة ضوئية، والغريب أن من اختير لقيادة القارب لأنه لم يدفع للحراقة، لم يكن يحسن القيادة، فتطوع شخص آخر، و قبل الوصول إلى الجزيرة، بدأت المياه في التسرب إلى القارب، بعد أن ظهر ثقب في الوسط، عندها دخل الجميع في حالة خوف شديد، و ظنوا أنهم سيغرقون، لكنهم واصلوا التحرك، رغم أن المياه واصلت التسرب، و بعد ثلاث ساعات و نصف في عرض البحر وصلوا بسلام إلى جزيرة «ميتيليني»، بعد أن شاهدوا الموت بأعينهم. بعد وصول القارب كان المسعفون اليونانيون في استقبالهم، حيث نقلوهم إلى مركز للاجئين و قدموا لهم الإسعافات اللازمة إضافة إلى الطعام و اللباس، خاصة أنهم كانوا مبللين و يعانون من البرد كما أن بعضهم فقد الوعي، و عن أعداد الجزائريين في المركز قال، إلياس بأنهم يعدون بالمئات، دون احتساب مركزين آخرين بنفس الجزيرة، أما أعمارهم فتتراوح حسبه بين 18 و منتصف الثلاثينات، و معظمهم في العشرينات. و من أجل المغادرة نحو أثينا كان يجب أن يثبتوا بأنهم لاجئون سوريون، حتى يحصلوا على وثيقة اللجوء و المسماة «خرطية»، و بعد يومين من البحث عن طريقة للخروج من الجزيرة، التقوا بشخص جزائري يقوم بتزوير «الخرطيات»، من خلال منحهم أسماء سورية مستعارة، حيث تباع الخرطية ما بين 100 و 150 أورو، للجزائريين و التونسيين و المغاربة. بعد الحصول على الوثائق المزورة، قاموا بشراء تذاكر للمغادرة نحو أثينا على متن باخرة مخصصة للاجئين، كان على متنها سوريون و جزائريون و مغاربة و جنسيات أخرى، و في أثينا و جدوا حافلات في انتظارهم أقلتهم نحو منطقة تسمى «تيسالونيكي» على الحدود المقدونية، و قبل الوصول بحوالي 30 كلم، استغلوا توقف الحافلة للراحة و توغلوا داخل الغابة، حتى لا يتم اكتشاف حقيقة أنهم جزائريون عند الحدود، حيث يتم جلب مترجمين لتحديد اللهجات التي يتحدث بها اللاجئون، و يسمح بمرور السوريين و العراقيين فقط فيما يتم إعادة الجزائريين و المغاربة و باقي الجنسيات. المافيا تؤمن العبور و الجيش المقدوني يحبط محاولات تسلل و بالاعتماد على تقنية «جي بي أس» على الهواتف وصلوا إلى قرية على الشريط الحدودي أين قضوا ليلتهم في إحدى الفنادق، و انطلقوا في اليوم الموالي، و لم يكن يفصلهم عن الأراضي المقدونية سوى سياج شائك، حاولوا العبور من تحته، و بعد دقائق من دخولهم وجدوا مجموعة من الحراقة كانوا رفقة دليل من المافيا الألبانية التي تسيطر على المناطق الحدودية و تقوم بتهريب اللاجئين بمقابل مئات اليوروهات، فلم يسمح لهم بالانضمام إليهم و هددهم بالسلاح، لكنهم تابعوا المشي خلفهم بمسافة حتى لا يتفطن لهم. و بعد مدة من المشي تعرضوا لهجوم من حراس الحدود المقدونيين، حيث تم الإمساك بعدد منهم، فيما واصل البقية السير في جو بارد جدا حيث تجمدت المياه و الأكل الذي كانوا يحملونه معهم، و قاموا بإتباع سكة القطار التي توصل نحو الحدود الصربية، غير أن الشرطة قامت بإيقافهم في إحدى القرى و أعادتهم إلى داخل اليونان، و بعد يوم واحد عاودوا عبور السياج الحدودي غير أنهم لم يتمكنوا من التوغل داخل الأراضي المقدونية بعد أن تعرضوا لمطاردة أفراد من المافيا الذين استطاعوا الإفلات منهم بصعوبة، ثم وقعوا في قبضة دورية للجيش أعادتهم مجددا نحو اليونان. بعد عدة محاولات غير ناجحة تأكدوا من أن وصولهم بمفردهم نحو ألمانيا أمر غير ممكن، فقرروا العودة إلى أثينا على أمل إيجاد فكرة ما تساعدهم في الوصول إلى ألمانيا، و في أثينا يقول «إلياس» بأنهم التقوا بمئات الجزائريين الحراقة و منهم من يعيش هناك منذ سنوات، و يشتغلون في مجال «الحرقة»، عرضوا عليهم الحصول على وثائق مزورة، كجوازات سفر أو وثائق هوية يونانية، و ذلك بمقابل مالي قد يصل إلى 1400 يورو، للوصول إلى أي بلد أوروبي يرغبون في التوجه إليه، مؤكدين لهم بأن الحراسة شددت لذلك من المستحيل أن يتمكنوا من اجتياز المناطق الحدودية. في أثينا كانوا يبيتون في أحد المراكز في الميناء رفقة مئات الجزائريين و المغاربة، و جميعهم في نفس الوضعية، و الكل يرغب في الوصول إلى ألمانيا، بعضهم وصل إلى أثينا منذ ثلاثة أشهر دون أن يتمكن من مغادرتها، التقوا بشباب مصابين بكسور و آخرين نجوا من إطلاق نار بعد أن حاولوا عبور الحدود. و بعد أن نفذت منهم الأموال يقول «إلياس» أنه اتفق مع ثلاثة من أصدقائه على التوجه إلى السفارة الجزائرية لطلب العودة إلى الوطن، و لم تستغرق إجراءات الترحيل سوى ثلاثة أيام بعد أن تم إثبات هوياتهم و أرسلت لهم عائلاتهم تذاكر السفر. يقول إلياس بأنه مكث حوالي 20 يوما في أوروبا و أنفق حوالي 30 مليون سنتيم، غير أنه فشل في تحقيق حلم الوصول إلى ألمانيا، و لم يمنعه من ذلك سوى تشديد الإجراءات بعد أن تضاعفت أعداد الجزائريين و المغاربة الذين تمكنوا من الوصول إلى ألمانيا . عبد الرزاق.م ناج من الغرق بين تركيا و اليونان صارعت الموت في عرض البحر و صورة المرأة الحامل و جثث الأطفال كابوس يلاحقني شاب من مدينة علي منجلي في العشرينات من العمر باع سيارته و ترك حرفته و دفء العائلة بحثا عن حلم هجرة تبخر بمجرد ركوب قارب موت انتهى به في أحد الشواطئ بين تركيا و اليونان محاطا بجثث أطفال و أصدقاء عاش معهم الجحيم ليستفيق على أن الحرقة مجرد وهم و رحلة نحو المجهول. الحراق «ب» يسترجع تلك التجربة الأليمة ويريد لها أن تكون درسا لكل من يتوهم بأن الهروب هو الحل وبأن ما وراء البحر جنة تفتح أحضانها للباحثين عن حياة أفضل، صور الغرق ونجاته بأعجوبة لا تزال تطارد الشاب. غرفة فندق لستة أشخاص و قارب يقود نحو المجهول بداية مغامرة محدثنا الذي أصر على ضرورة عدم الكشف عن هويته، كانت بالتنقل إلى تركيا بطريقة قانونية، بعد استخراج التأشيرة و حجز التذكرة، و من ثم السفر برا إلى مدينة «إزمير» الساحلية، والتي تعتبر منطقة عبور إلى اليونان، والتي تبعد حوالي 500 كلم عن اسطنبول، ومن هذه المدينة بدأت المغامرة من خلال المبيت بأحد الفنادق العادية، و الذي يعد قبلة «الحراقة»، لانخفاض سعر الغرفة 30 أورو علما بأن المهاجرين غير الشرعيين يستخدمون غرفة واحدة ل6 أفراد، وبعد الاستقرار بالفندق توجه محدثنا إلى وسط المدينة من أجل التفاوض حول ثمن الرحلة إلى اليونان على متن قارب مجهز بمحرك، و التي تعتبر الوسيلة الأسرع، للوصول إلى الضفة الأخرى على اعتبار أن المسافة قصيرة والمسلك سهلا إذا تم استعمال البوصلة بطريقة جيدة ، حيث لا تستغرق الرحلة من45 دقيقة إلى ساعة من الزمن وفقا للظروف المناخية التي تسود ذلك اليوم. «ب» واصل سرد تفاصيل المفاوضات مع وسطاء «الحرقة» الذين اشترطوا عليه مبلغ ما بين 700 إلى 1200 أورو، وذلك حسب يوم الرحلة، حيث أن «الحراق» يجب عليه الانتظار من 3 أيام إلى أسبوع، بالنظر إلى الإقبال الكبير على الهجرة غير الشرعية، وفي ظل إصرار محدثنا على الوصول في أسرع وقت ممكن إلى اليونان، فقد وافق على دفع حوالي 800 أورو من أجل ضمان مكانة في اليوم الموالي، حيث أن الرحلة كانت مبرمجة في حدود الساعة العاشرة و النصف ليلا حسب التوقيت التركي، وقبل الركوب في القارب «فإنك تسلم جواز سفرك إلى الشخص الذي اتفقت معه، حيث أنه بمجرد نجاح السفرية و الوصول بسلامة إلى المنطقة المتفق عليها، يقوم بنقل جواز السفر إلى عائلتك مقابل 100 أورو». سلاح ناري وراء مواصلة المغامرة وفي اليوم الموالي كانت الأحوال الجوية لا تساعد على الإبحار بالنظر إلى تساقط الثلوج وبعدها الأمطار على منطقة إزمير، و هو ما أدى إلى هيجان البحر وارتفاع الأمواج، إلا أن «الحراقة» كانوا مصرين على ركوب القارب، و هو ما استجاب إليه قائد الرحلة، رغم أن محدثنا أكد تفاجئه من العدد الكبير للركاب، والذي يتجاوز سعة القارب، التي لا تتعد أربعين شخصا فقط. وكانت جنسيات الركاب مختلفة و متنوعة حسب الشاب، وغالبيتها من السوريين و العراقيين و الجزائريين، ومن بينهم أطفال و نساء، حيث كانوا يرتدون صدريات الإنقاذ، التي يشترونها قبل موعد الإبحار، لتنطلق بعدها رحلة «الموت»، على الرغم أن الأمور كانت بعد مغادرة منطقة الانطلاق تبدو جيدة، حيث قام بعض الركاب بقراءة القرآن وتأدية الصلوات للتغلب على الخوف الذي ملأ أجسادهم. وبعد تجاوز الكيلومتر الأول بسلام، وسط أجواء تفاؤلية خيمت على القارب بنجاح السفرية رغم سوء الأحوال الجوية، ما حدث ما لم يكن في الحسبان، على حد تعليق «الحراق» الذي أضاف بأن الحلم الوردي تحول إلى كابوس في لمح البصر، بعد أن توقف فجأة المحرك عن الدوران، «ليتوقف معه نضب قلوب الركاب وسط أجواء هيستيرية كبيرة، بين من لم يتمالك أعصابه وأجهش بالبكاء ومن تسمر في مكانه من هول المشهد المروع و المخيف، وسط أمواج عاتية و ظلام حالك و أمطار زادت من مأساة المشهد»، فيما طلق البعض الآخر العنان لصرخات مجنونة طالبين العودة إلى شاطئ الآمان، لكن مطلبهم هذا اصطدم برفض قطعي لأحد المشرفين على الرحلة الذي هدد قائد القارب باستعمال سلاح ناري مطالبا إياه بمواصلة الرحلة وهو ما كان بعد إصلاح عطب المحرك، حيث واصل القارب شق الأمواج العاتية قبل أن ينقسم إلى شطرين بعد حوالي 5 كيلومترات، بفعل انفجار المحرك. وهنا واصل محدثنا وصف المشهد المأساوي الذي جعله يصل إلى درجة الجنون، خاصة وهو يشاهد المرأة الحامل تطفو على سطح الماء بعد أن فارقت و جنينها الحياة، بالإضافة إلى عديد الأطفال الصغار، ومن حسن حظ هذا الشاب أنه كان كما يؤكد جالسا في الجزء المتبقي من القارب، حيث ظل متمسكا بهذا الجزء الصغير من ، إلى أن قربتهم أمواج البحر من الشاطئ. ليواصل بعدها السباحة إلى غاية الشاطئ ، أين أغمي عليه بعد أن شاهد أحد معارفه جثة هامدة وقد نهشها الحوت، بالإضافة إلى جثث العديد من الأطفال الأبرياء، أين استيقظ بعدها بالمستشفى، وتلقى الإسعافات الأولى، قبل أن ينقل إلى مركز الدرك، ويخضع إلى الاستجواب والتحقيقات، أين تعرض «إلى كل أنواع الضرب و الإهانة من قبل رجال الدرك»، الذين كانوا يستخدمون كل الوسائل على حد تعبيره، حتى يكشف لهم عن هوية الوسطاء الذين يقفون وراء تهريب المهاجرين غير الشرعيين. الحادثة المروعة عرفت نجاة محدثنا و11 مسافرا على متن قارب الموت من مجموع 63 «حراقا»، بين مفقود وغارق. حيث أن الأهوال التي عاش على وقعها خلال هذه الرحلة أيقظته من حلم وردي راوده لعدة سنوات قبل أن يتحول إلى كابوس حقيقي، أعاده إلى جادة الصواب. هذه التجربة القاسية و المرة جعلت المغامر يقطع عهدا على نفسه بعدم مجرد التفكير في خوض تجربة جديدة للحرقة، وأراد من خلال سرده لهذه التجربة القاسية أن يدفع كل من يفكر في خوض هذه المغامرة بالعدول عنها، خاصة وأنه لم يجن منها سوى المعاناة وخيبة الأمل وذكرى الجثث المترامية على الشاطئ، التي لم تفارق مخيلته وحزن وأسى والديه على فراقه في رحلة الموت. بورصاص.ر "الحرقة" تعود بقوة إلى عنابة و يخوت لضمان سفر فاخر لأصحاب المال عادت ظاهرة تنظيم رحلات الهجرة غير الشرعية، من سواحل عنابة إلى الواجهة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، و قد ساعدت الأحوال الجوية الملائمة قوافل «الحراقة» في الوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، حيث تسجل وحدات حرس السواحل بعنابة أسبوعيا، توقيف أفواج منهم ينطلقون من شواطئ مختلفة، أبرزها سيدي سالم، واد بقراط، لاكاروب وغيرها، تتخذها شبكات تنظيم رحلات الهجرة السرية، قواعد خلفية لنقل الشباب «اليائس» المتطلع للوصول إلى الجنة الأوروبية الموعودة . لم تمنع الغرامات المالية المسلطة من قبل الجهات القضائية على الحراقة الموقوفين بعرض البحر، من معاودة بعضهم الكرة وخوض تجربة جديدة بهدف الوصول إلى ايطاليا عبر البحر، رغم المخاطر المتعددة التي تعترضهم، وقد سجلت وحدات البحرية بعنابة أثقل حصيلة شهرية للحراقة الموقوفين، خلال شهر ديسمبر الماضي ب261 حراقا، بينما بلغ العدد الإجمالي خلال السنة المنصرمة أزيد من 350 «حراقا». تضبط القوارب التقليدية المستخدمة في رحلات الحرقة اتجاهها، باستخدام جهاز تحديد الموقع « جي بي أس» للوصول إلى جزيرة سردينا الايطالية وهي النقطة الأقرب للساحل الشرقي للبلاد بالبحر الأبيض المتوسط، ويتم تنظيم رحلات « الحرقة» ليلا، بربط اتصالات مع أشخاص مختصين في «تهريب البشر»، مقابل تسديد مبلغ مالي يتراوح ما بين 8 و 12 مليون سنتيم، بحسب معرفة كل شاب بالوسيط في العملية، قبل الانطلاق في الرحلة، على أن يدفع الشطر المتبقي عند الوصول إلى جزيرة سردينيا. اهتدت شبكات «الحراقة» إلى استحداث وسائل جديدة لنقل المهاجرين غير الشرعيين من أبناء الطبقة الغنية، بتنظيم رحلات «حرقة» من الدرجة الأولى « في أي بي»، سخرت لها يخوتا ومراكب نزهة عصرية، لضمان وصول الزبائن في رفاهية و في وقت قصير، و بفرصة أكبر في تفادي ملاحقة عناصر خفر السواحل. فقد أوقفت الوحدات العائمة التابعة للمجموعة الإقليمية لحرس السواحل بعنابة الأربعاء الماضي، 15 حراقا على متن مركب نزهة تتجاوز قيمته المالية 200 مليون سنتيم، تم اعتراضه في وضعية 10 ميل بحري شمال غرب رأس الحمراء، وحسب تحريات المصالح البحرية، فاليخت غير مسجل بقائمة المراكب التي لها تراخيص الإبحار، كما أنه دخل إلى ميناء عنابة بطريقة غير شرعية. أمام التزايد غير المتوقع للشباب الراغب في الحرقة، أصبحت وحدات البحرية مجندة ليلا ونهارا في إطار مهامها لتأمين الحدود البحرية، لمنع وإفشال رحلات الهجرة غير الشرعية، تنفيذا للقوانين التي تمنع هذا النوع من الهجرة غير المرخصة، وغير الخاضعة لأشكال المراقبة. كما تنوعت أصناف المهاجرين غير الشرعيين الموقوفين، بين مسبوقين قضائيا، قصر، جامعيين، معاقين، وحتى فتيات في مقتبل العمر، تتراوح أعمارهم ما بين 16 و 40 سنة، أغلبهم يبحث عن حياة أفضل بأوروبا، غير آبهين بالمصير المجهول الذي ينتظرهم هناك، وآخرين تم ترحليهم من هناك، لأسباب شتى و يريدون العودة. في قصة رواها والد أحد الحراقة للنصر، قال بأن ابنه « ياسين» كان يملك كشكا و يزاول نشاطه بصفة عادية ببلدية البوني، كما يوفر عائدات مالية لا بأس بها، و في أواخر شهر ديسمبر الماضي، مر على الكشك فوجده مغلقا، ولما استفسر على الأمر بالبيت، لم يجد أي إجابة من أفراد عائلته لأنهم يجهلون سبب غلق الكشك، فتوجه لفتح الكشك لكنه فوجئ به فارغا دون سلعة أوتجهيزات، سارع الأب إلى التحري عن مصير ولده لدى أصدقائه المقربين، فعلم بأنه يريد الخروج ليلة ذلك اليوم من شاطئ سيدي سالم على متن قارب تقليدي، فسارع إلى إبلاغ حرس السواحل بموعد خروجهم، و تم توقيفه بعرض البحر بعد ساعات فقط من الإبحار، وأكد الوالد بأن ابنه طائش، و هو يخاف عليه من المصير المجهول في الغربة، و ذكر أن الكثيرين ذهبوا و لم يعودوا. ولا تزال عائلات الحراقة المفقودين تحتج وتطالب السلطات الجزائرية بالكشف عن مصير أبنائها، حيث تجمهرت منذ أسابيع عائلات 17 حراقا تتراوح أعمارهم ما بين 18و 25 أمام القنصلية التونسية، كان أبناؤهم خرجوا في الفاتح جانفي 2016 من شاطئ واد بقراط، و يجهل مصيرهم إلى حد الساعة، و قد راجت بعض الأخبار تتحدث عن توقيفهم من قبل خفر السواحل التونسية في ساحل مدينة نابل. ومن أبرز قضايا الحراقة المفقودين، اختفاء 400 حراق ما بين سنتي 2007 و2008، أكدت مصادر تونسية غير رسمية، بأنهم دخلوا إلى تونس بعد توقيفهم بالمياه الإقليمية، وتم إيداعهم السجن في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وهناك من يتحدث عن تحويلهم إلى معتقلات سرية بتهمة الإرهاب، وقد وجهت عائلاتهم عدة رسائل لهيئات حقوقية وأممية للبحث عن مصيرهم، كما جددوا اعتصامهم منذ أسابيع أمام وزارة الخارجية بالعاصمة مطالبين الدبلوماسية الجزائرية ببذل جهد أكثر في هذه القضية.