أولياء يعاقبون أبناءهم خلال العطلة المدرسية تحول اهتمام الأولياء بمراقبة أبنائهم خاصة فيما يتعلق بدراستهم و تحصيلهم العلمي إلى هوس حقيقي يزيد من الضغوط على الأبناء الذين يشعرون بمسؤولية مضاعفة تشتت تركيزهم بين الدراسة و تحصيل المعرفة و بين هدف الوصول إلى أعلى النقاط و المعدلات . و منذ اليوم الأول للعطلة المدرسية الربيعية الأخيرة سجلت العديد من حالات الإغماء و ارتفاع الضغط و حتى الشلل النصفي لدى بعض الأمهات إثر الصدمة التي أصابتهن من النتائج الضعيفة التي تحصل عليها أولادهن في الفصل الثاني من العام الدراسي. ترتفع مع أولى أيام العام الدراسي الجديد أصوات الآباء و الأمهات بالتهديد و الوعيد لأبنائهم ظنا منهم أنهم بذلك سيدفعونهم للتفوق و تحقيق مراكز متقدمة في الدراسة التي ستجنبهم العقاب الحتمي في حال رسوبهم، دون مراعاتهم لجوانب ضعفهم في بعض المواد أو قوتهم في مواد أخرى. كما تخبرنا السيدة نوال 36 سنة، أم لأربعة أطفال ثلاثة منهم متمدرسين في مختلف الأطوار الدراسية و التي تدفع بإبنتها المتوسطة المستوى للاجتهاد و الدراسة بطريقة تفوق قدرتها على الاستيعاب و التحمل خاصة أن ديما التي تدرس في السنة الثالثة متوسط مستواها الفعلي ضعيف جدا بالمقارنة مع ما تطمح إليه والدتها ، مما خلق لديها سلوكات سيئة كالكذب فيما يتعلق بنقاطها و إخفاء أوراق الامتحانات والفروض لتتجنب العقاب القاسي، إذ تحول اهتمام هذه الأم بتفوق أبنائها في الدراسة إلى هوس هستيري غير عادي ، حيث أصيبت بنوبة إغماء إثر رؤيتها لكشف نقاط ديما الضعيف جدا ، الذي تحصلت فيه على إنذار مما جعلها تفقد وعيها تماما و تقع على الأرض، لأنها كما أخبرتنا كانت تتوقع أن تفاجئها ابنتها بمعدل أكبر لأنها لم تحرمها من الدروس الخصوصية ، كما أنها تحيطها باهتمام كبير طيلة الوقت ، مطالبة إياها بالدراسة و الاجتهاد أكثر: "أنا أشعر بالحرج الكبير عندما أرى أن أبناء و بنات أقاربي الذين هم في سن ديما و مستواها الدراسي متفوقين و يحصلون على نتائج ممتازة بدون جهد أو عناء كبير ، أما ابنتي و رغم كل ما أفعله معها لكي تتحسن لا تصل حتى لمعدل النجاح كما هو الحال في نتائج الفصل الثاني ، و هذا أمر يصيبني بالإحباط و بصراحة لا أدري أين هي المشكلة ". الكثير من الأمهات خاصة منهن الماكثات في البيوت يرون في أبنائهن فرصة لتعويض ما فاتهنّ و تحقيق أحلامهن التي لم يتمكن من تحقيقها في شبابهن ، محولين هذه الحسرة إلى تشدد كبير مع الأبناء كما هو حال الأم منال -33 سنة – التي تعاني من هذه المشكلة العويصة كما وصفتها، قائلة أن الجهود الكبيرة التي تبذلها مع ولداها سامر و إكرام لا تعطي في أغلب الحالات ثمارها. مؤكدة أنها تفعل كل ما بوسعها لتحسن من مستواهما و معدلاتهما ، إذ لا يكفي أن تحصل إكرام على معدل 14 من عشرين أو يحصل سامر على معدل 7 من عشرة أنهما حسب رأيها يستطيعان فعل ما هو أفضل من ذلك : "لماذا يكتفيان بمعدلات متوسطة كهذه بينما يستطيعان تحقيق الأفضل ، أريد أن يصل أبنائي لمراتب أحسن بكثير ألا يكفي أنني ماكثة في البيت بدون مستقبل لأنني لم أكمل دراستي؟ ". هذا التطرف في الحرص يتحول بالنسبة للأطفال إلى حالة قلقل هستيرية تؤثر على مردودهم و تجعلهم في الكثير من الأحيان يحققون النتائج العكسية لما يرجوه أهلهم الذي ارتبط مفهوم التفوق عندهم بالدراسة فقط ، واستبعدوا أي مجالات أخرى لتحقيق النجاح في الحياة. أغلب الآباء يربطون تفوق أبنائهم بالتفوق الدراسي فقط ، و هذا خطأ تربوي فادح كما يؤكد الأخصائيون النفسانيون ، فتقول النفسانية آسيا بوعلي من المستشفى الجامعي ابن باديس أن "حياة الطفل ليست دراسة فقط بل هي مجموعة من النشاطات و الاهتمامات تمثل الدراسة جزءا منها و لكنها ليست أهم شيء "مضيفة أن الكثير من المراهقين و الأطفال اللذين يحضرهم آبائهم لتلقي المتابعة النفسية لديهم بسبب فشلهم الدراسي أو في بعض الأحيان مجرد ضعف بسيط لديهم ، يخبرون الأطباء أن الأهل لا يتحدثون معه في شيء آخر ما عدا الدراسة و النتائج و الامتحانات و "هذا خطأ كبير لأن الطفل أو المراهق بحاجة للحديث و التعبير عن نفسه و عن احتياجاته ، الحديث فقط عن الدراسة و بنبرة العتاب و المحاسبة و التهديد يخلق حاجزا كبيرا بين الآباء و أبنائهم ". كيفية التعامل مع الأبناء خاصة في مرحلة المراهقة أمر متعلق بالوعي من جهة و بالتفهم من جهة أخرى ، بعض الأمهات يحرصن بشكل متحضر على المرونة في التعامل مع أطفالهم خاصة فيما يتعلق بموضوع الدراسة الشائك ، كما أخبرتنا «سميرة «41 سنة، طبيبة و أم لثلاث أطفال أنها لا تفزع و لا تصاب بالهلع في حال ما تراجع أطفالها في دراستهم، كما حدث مع سفيان ابنها الأكبر الذي تراجعت علاماته كثيرا بعد انتقاله للإكمالية : "من الطبيعي أن يعرف مستوى بعض التلاميذ تذبذبا نسبيا بسبب انتقالهم من مستوى دراسي إلى آخر هذا ما حدث مع سفيان و لكنني امتصصت قلقي بسرعة و حاولت التعامل مع الأمر بذكاء"، مضيفة أن الصراخ والضغط لن يزيدا الأمر إلا تعقيدا. التفاخر بنتائج الأبناء موضة الأمهات حسب النفسانية سعدي فضيلة من المستشفى الجامعي ابن باديس ، "فإن العديد من الأمهات أصبحن لا يولين اهتماما كثيرا بمظهرهن و أناقتهن مقابل اهتمام متزايد بدراسة أبنائهن، خاصة بالنسبة لذوات المستوى المحدود اللاتي يرغبن في تحقيق طموحاتهن القديمة التي لم يسعفهن الحظ في الوصول إليها ، وذلك من خلال أولادهن الذين يرون فيهم الأمل الوحيد لتحقيقها" و روت الأم فضيلة أيضا تجربتها الشخصية مع أبنائها و كيف أنها تجاوزت هذه الصعوبات بحكمة: " من قبل كانت هذه الرغبة الجامحة لدى الأمهات مكبوتة بعض الشيء أما الآن فلدى السيدات حرية اكبر للتعبير عنها و للتفاخر أيضا فيما بينها، لدرجة أنها أصبحت موضة جديدة لديهن ، فبدل التفاخر بحليهن و مجوهراتهن أصبحن الآن يتفاخرن بمعدلات أطفالهن العالية «. هذا الهوس خلق نوعا من المنافسة المرضية بين الأقارب و الجيران باستعمال الأبناء الذين يتحولون في الكثير من الأحيان إلى ثيران مقامرة ، فالفشل الدراسي غير مقبول نهائيا لدى الأمهات أكثر منه لدى الأبناء في حد ذاتهم ، كما تؤكد الدكتورة ساعدي "الكثير من الحالات التي تزورنا يوميا في العيادة هي لسيدات يرسمن في رأسهن مخططا لنجاح أبنائهن على أساس المقارنة بين أطفال آخرين من الوسط العائلي و الجيران ، غير مدركين أن مستوى الذكاء لدى الطفل و قدراته الفكرية و العلمية تختلف من طفل إلا آخر "مضيفة أن بعض الأولياء يعتقدون أنهم إذا وفروا كل شيء للطفل سيضمنون بذلك نجاحه و تفوقه أيضا . مشيرة إلى أن التجربة أثبتت أن الأطفال الذين لا يتمتعون بالرفاهية و لا ينتمون لعائلة مثقفة هم الذين يبرزون و يتفوقون في دراستهم و يقدمون نتائج مبهرة ، و ذلك لأنهم يسعون لتعويض النقص الذي يعانون منه في الدراسة. وبدلا من أن يقترب الآباء والأمهات من أطفالهم و يستمعون إليهم و إلا انشغالاتهم ، و إعطائهم الفرصة للتعليق عن يومهم كيف أمضوه و الحديث معهم في شيء آخر عدا الدراسة ، تتركز الأحاديث المقتضبة بين الأهل و أبنائهم حول الدراسة في شكل استنطاق بوليسي تزيد من نفور الطفل من الدراسة كما تؤكد الدكتورة بوعلي : "في الكثير من الأحيان الأم هي التي تخلق الضغط عند طفلها الذي يكون في الأصل طفلا عاديا جدا نشيطا و مليئا بالطاقة ،و ذلك في ظل الغياب الشبه كلي للأب الذي يظهر في آخر الفصل للمحاسبة و تنفيذ العقوبات". سارة 17 سنة ، من بين حالات الفشل الدراسي الذي تسببت فيه والدتها ، خاصة في ظل غياب والدها الذي سافر إلى فرنسا «كحراق"، و رمى بمسؤولية تربيتها على عاتقها وحدها، فتعاملت معها بقسوة كبيرة لدرجة أنها تضربها أمام باب الثانوية على مرأى من صديقاتها ، الأمر الذي يصيبها بالكثير من الإحراج أمامهم و يزيد في إحباطها ، والنتيجة فشلها في الحصول على شهادة البكالوريا للمرة الثالثة على التوالي ، إلا أن أصيبت بحالة انهيار عصبي و توقفت عن الدراسة لمدة سنة كاملة بسبب الضغط النفسي الرهيب الذي عانت منه. ينصح المختصون النفسانيون الأهل بمتابعة دراسة الأبناء بطريقة ذكية دون الضغط عليهم ، حيث تقول النفسانية ساعدي للآباء والأمهات خاصة مع اقتراب امتحانات نهاية السنة: "توقفوا عن المقارنة لأنها ليست في صالح أبنائكم "موجهة نداء خاص للأمهات : "أبناؤكن ليسوا ملكا لكن، و دراستهم ليست لكن، و ليس من حقكن أن تلزمهن بتحقيق الأحلام التي فشلتن فيها ".