الغش في الامتحانات الظاهرة التي أضرت بالمتعلم وبسمعة المدرسة والجامعة الجزائرية مقدمة : نظرا لطبيعة وخصائص عملية التعليم وما تفرضه من شروط (نفسية ،صحية، بيداغوجية ...) ومن جهد ووقت وطول النفس لضمان النجاح وتحقيق الأمل ، أصبح الكثير من المتعلمين في مختلف المستويات الدراسية ( من الابتدائي الى الجامعي) يستثقلونها ويستصعبون متطلباتها . لكن الحاجة الى تقدير الذات وتحقيق المكانة الاجتماعية اللائقة عن طريق التفوق الدراسي جعلت البعض من المتعلمين يقتنع بأن بلوغ ذلك الهدف ليس بالأمر السهل ولا بالأمر المستحيل بل طريقه شاق يستلزم الصبر ،المثابرة والاجتهاد فقط . بينما البعض الآخر يرون بأن تحقيق ذلك الطموح أمرا صعبا للغاية بالاعتماد على القدرات الذاتية، خاصة أولئك الذين ألفوا تدخلات أوليائهم وأقاربهم لانتقالهم من مستوى إلى آخر بطرق ملتوية. لذلك يجدون في الغش و التحايل أهم مخرج للتعويض عن النقص لتحقيق الذات ونيل التقدير ورد الاعتبار من قبل أفراد الأسرة والمدرسة. وعلى هذا الأساس أصبح مثل هذا السلوك السلبي بمثابة ظاهرة لافتة للانتباه ومنتشرة في كل الأوساط والمستويات التربوية (تلاميذ مدارس وطلبة جامعيين، مراقبين عامين ومفتشين أثناء المسابقات وأثناء امتحانات التقويم المستمر خلال التكوين التناوبي) وبأشكال متعددة ومتنوعة تعبر عن تألق وشغف هؤلاء المتعلمين لتحقيق للنجاح بكل الوسائل وفق القاعدة الميكيافيلية " الغاية تبرر الوسيلة ". وفي ضوء ذلك اخترع المتعلمين عدة شعارات ومقولات تمجد مثل هذا التصرف السلبي مثل : من نقًل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه و من أراد العلى شخر الليالي" من شخير النوم" وهو تغيير لمنى المقولة من أراد العلى سهر الليالي. وبحكم تجربتي كأستاذ في التعليم الثانوي وتأطيري لدورات تكوينية تناوبية لمستشاري التربية في المعهد التكنولوجي للتربية سابقا بولاية سطيف وكأستاذ جامعي ومشاركتي في حراسة الكثير من الامتحانات الرسمية كالبكالوريا واختبارات التقويم المستمر في التعليم الثانوي والتعليم الجامعي، تمكنت من رصد الكثير من المعلومات حول سلوكيات الممتحنين أثناء الامتحان بناء على الملاحظات الميدانية التي دونتها في مفكرتي الخاصة. وإضافة إلى هذه الملاحظات وفي إطار وظيفتي كمستشار رئيسي للتوجيه المدرسي تمكنت من جمع معلومات حول وسائل الغش ودوافعه عن ريق مقابلات حصص الإرشاد النفسي التربوي مع تلاميذ التعليم الأساسي والثانوي. ونظرا لخطورة هذه الظاهرة وانعكاساتها على شخصية المتعلمين، سنعالج في دراستنا هذه مفهوم للغش، أنواعه، أهم المؤشرات الدالة على محاولات الغش كما سجلناها ميدانيا، الوسائل الأكثر استعمالا، أسبابه، أخطاره الدراسية والاجتماعية على المتعلم كشخص وكمواطن له دور في المجتمع وانعكاساتها على سمعة ومصداقية المدرسة والجامعة الجزائرية، وبناء على ذلك سنقدم مجموعة الاقتراحات حول كيفية معالجة هذه الظاهرة و الإجراءات الوقائية منها . وهدفنا من طرح هذا الموضوع في هذا الظرف بالذات الذي يتزامن ومرحلة الامتحانات الرسمية و النهائية هو لفت انتباه المربين والأولياء والمتعلمين من تلاميذ وطلبة والمسؤولين الإداريين في مختلف المستويات المنظمين لمختلف الامتحانات إلى سلبية وخطورة مثل هذه الظاهرة على الحياة المدرسية والجامعية ومصداقية التربية والتكوين وبالتالي التجنب للوقاية منها و محاربتها. فماذا نقصد بالغش المدرسي؟ هو نوع من التحايل والخداع الذي يستعمله المتعلم (مهما كان مستواه) أثناء الفروض ،الاختبارات والامتحانات والمسابقات للإجابة على الأسئلة التي قدمت له قصد الحصول على نتائج جيدة وضمان النجاح. فمن خلال هذا المفهوم نستخلص أن مثل هذا الفعل يعتبر سلوكا لا أخلاقيا يمس بآداب التعلم وبمصداقية التعليم أنواع الغش المدرسي : تتمثل أنواع الغش في الحياة المدرسية فيما يلي : 1 الاستعانة بالغير أثناء الامتحانات .2 مساعدة الحراس( الأساتذة والمعلمين وغيرهم) لبعض التلاميذ على الإجابة . 3 إنجاز الواجبات والتمارين المنزلية من قبل الأهل أو الأقارب والأصدقاء بدل التلميذ نفسه.4 نقل إجابات الفروض المنزلية عن الزملاء دقائق قبل الدخول الى المدرسة أو أثناء الحصص الدراسية.5 تقديم نقاط وهمية للتلاميذ أو الطلبة في الجامعات لم يحضروا للدراسة أو الامتحانات أصلا.6 تضخيم نقاط بعض التلاميذ في بعض المواد أو كلها لرفع نسب النجاح . 7 تعمد الغياب بمبرر أثناء الامتحانات للإبقاء على النقطة الجيدة المحصل عليها في الفرض او في امتحانات السداسي الأول بالنسبة للجامعة.8 تبني دراسات ومذكرات تخرج من جامعات أخرى أو من الأنترنيت مع إحداث بعض التغييرات السطحية عليها وتقديمها على أنها من إنجاز الطالب. سكولوجية المتعلم الذي يمارس الغش أثناء الامتحانات: لفهم سلوك المتعلم الذي يمارس الغش نتناول العراض السلوكية الآتية: السلوكات والعلامات الدالة أن المتعلم يمارس عملية الغش أثناء الامتحانات: من بين السلوكات التي سجلناها ميدانيا لدى الكثير من تلاميذ التعليم الاكمالي ،الثانوي وحتى الجامعي ما يلي: 1 كثرة الالتفات يمينا وشمالا وعدم الجلوس باعتدال واستقرار . 2 كثرة الحركة وبروز مظاهر القلق والاضطراب على وجه المتعلم وجسمه بصفة عامة .3 تركيز النظر على الأستاذ أو المعلم الحارس لترقب غفلته والتفاته الى جهات أخرى أو اهتمامه بأمر معين.4 تعمد إفساد أوراق المسودة و أوراق الامتحان ومطالبة الحراس بتغييرها من حين لآخر بهدف تشغيلهم.5 الإكثار من أوراق المسودة في الطاولة بهدف إدراج أوراق مشابهة لها معدة سلفا بينها حتى لا تلفت الانتباه. 6 كثرة استفسار الأساتذة أو المعلمين المكلفين بالحراسة حول بعض الأسئلة، الكلمات غير المفهومة.7 كثرة مطالبة زملائهم بتسليم لهم (القلم ، المسطرة، الممحاة ، الآلة الحاسبة.. وغيرها )لاستغلال فرص الاتصال.8 التستر وراء الزملاء أو وضع اليد على الخد بشكل يخفي الشفتين من أعين الحراس للاتصال بصوت خافت. أهم الوسائل التي يستعملها المتعلمون في الغش:يلجأ الكثير من المتعلمين أثناء الاختبارات إلى عدة وسائل وطرق لتنفيذ عملية الغش وتتمثل في ما يلي: 1 إنجاز وريقات صغيرة توضع في الجيب أو في حافظة الأوراق بشكل يسهل استعمالها واللجوء إليها. 2 الكتابة على المنديل أو وضع ورقة بداخله ، باعتبار أن إخراج المنديل من الجيب واستعماله لا يشكل شبهة. 3 الكتابة على المقلمة المئزر و الطاولة خاصة (المعادلات ، النظريات ، القوانين ، التواريخ .. وغيرها ). 4 طي أوراق صغيرة ووضعها داخل الأقلام لتوظيفها شخصيا أو لتسليمها لزملاء آخرين عن طريق طلبهم له . 5 طي أوراق بشكل دائري وأنبوبي وإلصاقها تحت الطاولة أو الكرسي ليسهل استعمالها. 6 الكتابة على أوراق بيضاء بشوكة الفرجار أو بشيء آخر حتى تبدو وكأنها ورقة بيضاء غير مكتوبة. 7 استعمال المفكرة الإلكترونية خاصة بالنسبة للقوانين والتواريخ والمعادلات. أما بالنسبة لمذكرات التخرج والرسائل الجامعية يلجأ الطلبة إلى جامعات أخرى وطنية وأجنبية فيقومون بتصوير نسخ منها وإعادة كتبتها مع إحداث بعض التعديلات حول العينة ومكان إجراء الدراسة وغيرها. الأسباب التي تدفع إلى الغش: من أهم الأسباب التي تُعوًد التلاميذ على الغش وتشجيعهم عليه ما يلي: 1 الاختبارات المدرسية ترتكز على الحفظ والاسترجاع للدروس فقط بمعنى أنها تقيس ذاكرة المتعلمين فقط. 2 أن غالبية الأساتذة والمعلمين يحاسبون التلاميذ أثناء عملية التصحيح على مدى وفائهم الحرفي لما قدموه لهم وفق للقاعدة التقليدية "بضاعتي ترد إلى " لذلك نظرا لصعوبة حفظ الكم الهائل من الدروس واستحالتها في بعض المواد. 3 نقص المراجعة لدى بعض التلاميذ وانعدامها لدى البعض الآخر ولجوئهم إليها في الأيام الأخيرة قبل الاختبار وهو ما يجعلهم أمام حجم كبير من الدروس المتراكمة فينتابهم الشعور بالعجز والصعوبة في مراجعتها وفهمها في مدة قصيرة 4 التعلق الكبير بالنقطة ودورها الاجتماعي من خلال التباهي والتفاخر بين الأسر والمتعلمين جعل الكثير من الأولياء يهددون أبنائهم بالعقاب إذا لم يحصلوا على نتائج جدية، فيجد المتعلمون أنفسهم مدفوعين إلى عدم الاكتفاء بمجهوداتهم. 5 تساهل بعض الأساتذة والمعلمين مع محاولات الغش وتواطؤ البعض الآخر معهم أثناء حراستهم في الامتحانات. ولذلك تتحول الحراسة في بعض الأحيان من حراسة التلاميذ إلى حراسة رؤساء المراكز والمشرفين عليها حتى لا ينكشف أمرهم. 6 تشدد بعض الأساتذة في التنقيط بشكل مبالغ ولا علاقة له بالتقويم الموضوعي كوضع حد أدنى للنقطة لا يتجاوز 14/20 مهما كانت إجابات التلاميذ صحيحة 100%. والبعض الآخر يتشدد كوسيلة ابتزاز ومساومة لتحقيق أغراض خاصة مثل ما يحدث في ما يسمى بالدروس الخاصة. ونتيجة للشعور بعدم الثقة بالنفس التي تستولي على الكثير من المتعلمين للأسباب السابقة الذكر أصبح الحل السهل أمامهم هو التفكير في كيفية التحايل والغش لسد النقائص التي يعانون منها . 7 العوامل التقنية المشجعة على الغش ما يلي: أ الجلوس الثنائي في طاولة واحدة ( خاصة الفروض المحروسة والاختبارات العادية). ب كثافة عدد التلاميذ داخل الحجرة الواحدة بحيث يصعب التحكم فيه ( خاصة الاختبارات التي تنظم في الجامعات).ج نقص عدد الحراس في بعض الأحيان يجعل عملية الحراسة صعبة للغاية خاصة في المدرجات. د تكليف أطراف إدارية أو شبه إدارية ليس لديهم تكوين بيداغوجي يؤهلهم لتقدير الأهمية التربوية للامتحانات. أخطار الغش على المستقبل الدراسي للمتعلم وعلى المنظومة التربوية: 1 على التلاميذ: تتمثل الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة على المستقبل الدراسي للمتعلم في ما يلي:1 أنها تشوه مستواه الدراسي الحقيقي وبالتالي تجعله يغتر بنفسه.2 أن نجاحه في مساره الدراسي مشكوك وغير مضمون نتيجة للصعوبات التي ستواجهه في المستويات العليا.3 أنها تنمى في المتعلم روح التكاسل، التهاون، وعدم الاجتهاد في الدراسة و الاعتماد على الغير و هو ما يجعل سلوكه الاجتماعي و الأخلاقي عند سن الرشد و عند تقلده المسؤوليات له القابلية للتحايل والغش. 2 أما الانعكاسات السلبية لهذه الظاهرة على المنظومة التربوية تتمثل في : تكريس الرداءة و السلبية في العمل التربوي. تفاقم ظاهرة ضعف المستوى الدراسي. ضعف نسب النجاح وارتفاع نسب التسرب المدرسي. ضعف مصداقية التربية والتكوين للمدرسة والجامعة الجزائرية بين المنظومات التربوية العالمية. الإجراءات الوقائية والعلاجية لظاهرة الغش : للتقليل من مفعول هذه الظاهرة ومحاربتها يستلزم الأمر عدة إجراءات تربوية و تنظيمية تتكاثف فيها جهود جميع المتعاملين مع المدرسة والجامعة: وتتمثل هذه الإجراءات فيما يلي: 1 الإجراءات البيداغوجية: أ تحسيس وتوعية التلاميذ والأولياء والمربين جميعا بالأهمية التربوية و البيداغوجية للامتحانات والاختبارات ودورها في تقدير المستوى الدراسي الحقيقي للمتعلمين. ب مساعدة التلاميذ عن طريق تعريفهم بمنهجية واستراتيجية المراجعة. ج تجنب الأسئلة التقليدية التي تعتمد على الحفظ الببغائي للدروس مع الاعتماد على الأسئلة التي تقيس المستويات العقلية العليا كالفهم، التحليل، التطبيق، التركيب، الاستنتاج. وحل المشكلات. د تجنب العقلية التي تلزم المتعلمين التقيد الحرفي بما قدم له من طرف الأستاذ من معلومات وفق المبدأ الشائع " بضاعتي ترد إلى " بل تعويد التلميذ على الاجتهاد والإبداع في إيجاد الجواب الصحيح والمطلوب حسب مراجعاته ومعلوماته الخاصة. ه وضع سلم تصحيح دقيق لكل أبعاد كل سؤال مع الإجابات النموذجية المحتملة لكل سؤال من أجل الموضوعية في التقييم و السماح حتى للمتعلم بتنقيط نفسه بنفسه. د تعويد المتعلمين على إنجاز أعمالهم بأنفسهم ولو كانت فيها صعوبات،على أن تقتصر عملية المساعدة على التوجيهات والإرشادات حول منهجية العمل فقط لتنمية فيهم روح الاعتماد على النفس(مسؤولية الأولياء في البيت). 2 الإجراءات التنظيمية : أ إجراء الامتحانات في قاعات الدراسة مع تجنب القاعات الكبيرة والمدرجات بهدف التحكم في عملية الحراسة .ب التقليل من عدد المتعلمين داخل الحجرة إلى أقصى حد كلما أمكن لنفس الغرض السابق(20 متعلم). ج تجنب الجلوس الثنائي والمتقارب بين التلاميذ الممتحنين. د تشديد الحراسة مع ضرورة تفهم حركات وسلوك كل ممتحن تجنبا لسوء الظن والاتهام المجاني لبعض منهم . ه عدم التسامح مع الذين يتساهلون أو يتواطئون في عملية الغش المدرسي. ز بالنسبة للغش في المذكرات الجامعية يستحسن وضع بنك معلومات عن طريق جرد وطني لكل الدراسات والمذكرات المنجزة على مستوى شبكة الأنترنيت والأنترانيت للمراقبة الدورية لكل الدفعات الجامعية حتى على مستوى الأقسام مع ضرورة التفكير في كيفية التنسيق والتعاون بين الجامعات العربية والعالمية حول محاربة الظاهرة وعقوبة الغشاشين والمتورطين أو المتواطئين معهم حفاظا على أخلاقيات التكوين الجامعي. من إعداد الأستاذ: خالد عبد السلام قسم علم النفس وعلوم التربية والأرطفونيا جامعة سطيف الجزائري.